الأخبارالصحة و البيئةبحوث ومنظماتحوارات و مقالاتمصر

د عبدالسلام منشاوي يكتب: تأثير درجات الحرارة على نمو وتطور وإنتاجية محصول القمح

>>التأثير الأكثر وضوحًا لدرجات الحرارة المرتفعة على نمو القمح هو تسريع نمو النبات وبالتالي قصر موسم النمو وزيادة العقم

رئيس بحوث القمح – معهد المحاصيل الحقلية – مركز البحوث الزراعية – مصر

يعتمد الضرر الناتج عن درجات الحرارة التي تتجاوز الحد الأمثل على شدة ومدة ووقت حدوث الإجهاد الحراري ومرحلة نمو النباتات.

التأثير الأكثر وضوحًا لدرجات الحرارة المرتفعة على نمو القمح هو تسريع نمو النبات وبالتالي قصر موسم النمو وزيادة العقم ونقص صافي التمثيل الضوئي وزيادة النتح والتنفس وبالتالي تقليل حجم النبات فوق سطح الأرض ونقص محصول الحبوب في القمح.

الزراعة هي عصب الحياة وصمام الأمان للأمن الغذائي وهي الحل الأمثل لمشكلة الغذاء، ويعتبر قطاع الزراعة من أكثر القطاعات تأثراً بالتقلبات المناخية.

وتعتبر محاصيل الحبوب هي المكون الأساسي للأمن الغذائي بصفة عامة. ومحصول القمح هو أهم محاصيل الحبوب، ولا يختلف اثنان على أن القمح هو العمود الفقري لحياة شعوب الأرض.

والقمح من المحاصيل عالية التكيف على نطاق واسع من العالم و يزرع من المناطق المعتدلة المروية إلى الجافة  وعالية الأمطار، ومن الرطب الدافئ إلى البيئات الباردة الجافة.

وهذا التكيف على النطاق الواسع يرجع سببه لطبيعة معقدة من الجينوم، والتي توفر مرونة عالية للمحصول. والقح يزدهر في البيئات الباردة خصوصا في بداية حياته ويفضل المناطق المعتدلة و المناخً الأكثر برودة للنمو والتكاثر.

وتعتبر درجات الحرارة المرتفعة خلال نمو المحصول ومراحل تطور الحبوب مصدر قلق كبير حيث تسبب أضرار بالغة على النمو لإنتاجية.

إن الوصول إلى الكفاءة الإنتاجية العالية لمحصول الحبوب في القمح تحت الظروف العادية يعتبر سهل وواضح ومفهوم تماماً، بالإضافة إلى سبل تحسين القدرة المحصولية.

ولكن تحت ظروف الإجهاد، عادة ما يكون المحصول أقل فهماً نظرا للتغيرات الفسيولوجية التي تطرأ على سلوك نمو وتطور النبات. ويتعرض محصول القمح خلال موسم النمو للعديد من الإجهادات غير الحية.

ويعرف الإجهاد غير الحيوي  بأنه أي ظروف بيئية تؤثر سلبًا على التعبير عن القدرة الوراثية للنمو والتطور والتكاثر. ويعد الإجهاد الحراري من بين أهم الإجهادات غير الحية، حيث تحد شدة درجات الحرارة المرتفعة من إنتاجية محصول القمح.

وتؤكد الدراسات إنها تسرع من تطور النباتات وبالتالي قصر موسم النمو وزيادة العقم وتؤثر تأثير مباشر على أداء جهاز التمثيل الضوئي في النبات مما يؤدي إلى نقص التمثيل الضوئي ويسرع من تكشف الأعضاء الزهرية وامتلاء الحبوب و زيادة النتح والتنفس وبالتالي تقليل حجم النبات فوق سطح الأرض ومحصول الحبوب في القمح.

وتتحكم درجات الحرارة بشكل كبير في مراحل نمو وتطور النبات خلال موسم النمو من بداية الإنبات إلى نهاية النضج. كما تعمل زيادة الحرارة على تثبيط تخليق النشا أثناء تطور وامتلاء الحبوب وانخفاض عدد السنابل في النبات، وعد الحبوب لكل سنبلة ووزن الحبة.

وأيضا تؤدي الحرارة العالية عن معدلاتها إلى تسريع دخول النبات مرحلة الشيخوخة مما يعمل على خفض فترة امتلاء الحبوب  ونقص وزن الحبوب انخفض.

ومن الناحية العلمية يوجد تطور كبير في مراحل تكشف الأعضاء لنبات القمح. وهذا التكشف يحدد العديد من مراحل النمو والتطور الفسيولوجي المختلفة.

وفي حالة الدراسة التفصيلية عادة ما تتميز المراحل التالية: الإنبات والظهور والتفريع وبادئات الأزهار (الأخاديد المزدوجة) ونهاية السنيبلات وأول عقدة ( بداية استطالة الساق) والحبلان( الحمل) وطرد السنابل والتزهير والنضج بمراحله المختلفة. ولكل مرحلة من هذه المراحل درجة حرارة مثلى ودرجات متطرفة سواء كانت الدرجة الصغرى أو العظمى. وفيما يلي أهم المراحل وتأثير الحرارة عليها وتوضيح المراحل الأكثر حساسية للحرارة على محصول القمح .

تأثير الحرارة على مرحلة الإنبات إلى الظهور.

تنبت حبوب القمح في نطاق حراري 5-32°م مع درجة حرارة مثلى مقدارها 25°م. وعندما تكون درجات حرارة التربة مرتفعة وقت الزراعة فأنها تسبب مشكلة في الإنبات وتؤثر على معدل موت البادرات، ومن ثم تؤثر سالبا على تأسيس المحصول. ويمثل الإنبات وكثافة النباتات والتأسيس نقطة البداية لنمو المحصول.

وقد تتجاوز درجة حرارة التربة في السنتيمترات العليا درجة حرارة الهواء القصوى بمقدار 10-15°م خصوصا إذا كان سطح التربة مكشوف وجافًا وكثافة الإشعاع عالية.

وإذا وصلت درجة حرارة التربة القصوى إلى 40 إلى 45°م درجة مئوية يكون لها تأثيرات خطيرة على الإنبات والبادرات. قد ينخفض ​​عدد النبات الأولي إلى أقل من 100 نبات / م2، والتي تعتبر ضارة للمحصول وتؤثر سالبا على الإنتاجية.

تأثير الحرارة على مرحلة الظهور إلى نهاية التفريع.

تبدأ هذه المرحلة عند عمر 15 يوم تقريبا وتستمر حتى 60 بوم تقريبا. تنمو بادرات القمح  في نطاق حراري واسع وفى درجات حرارة أكثر ارتفاعا نوعا ما عما يلزم النبات، إذ تنمو بادرات القمح في نطاق حراري يتراوح من 5-37°م مع درجة حرارة مثلى مقدارها 20°م.

وتحتاج نباتات القمح إلى درجات معتدلة نوعا ما للنمو الخضري، ودرجات الحرارة السائدة أثناء الشتاء في مصر تناسب نمو القمح بدرجة كبيرة. إذ وجد أن متوسط درجة الحرارة وقت زراعة التقاوي في الميعاد المناسب يتراوح حول الـ25°م وتأخذ هذه الدرجة في النقصان مدة الشتاء وهذا ما يناسب مرحلة تأسيس وإعداد النبات وبنا السعة التخزينية للنبات، وتبدأ في الارتفاع بعد ذلك مع نهاية أشهر الشتاء.

تزداد الحساسية لدرجة الحرارة المرتفعة مع تطور النمو الخضري وتواصل عملية التفريع. ويتضح تأثير ارتفاع درجة الحرارة خلال هذه المرحلة حيث تؤدي إلى انخفاض مدة مرحلة التفريع وتكوين الأوراق ويكون نتيجة ذلك انخفاض في العدد الكلي للأوراق والفروع التي تحمل السنابل ومساحة الورقة.

والمشكلة الناتجة بسبب ارتفاع الحرارة في هذه المرحلة تتمثل في النمو السريع وقصر فترة النمو الخضري والتي هي مرحلة الإعداد وبنا الأوراق والمستودع التخزيني وتحديد السعة التخزينية للنبات فيؤدي إلى قلة التفريع الذي يترتب علية نقص في عدد السنابل لوحدة المساحة وأيضا صغر حجم السنبلة، وبالتالي يتوقع نقص في عدد الحبوب للسنبلة.

تأثير الحرارة على مرحلة نهاية التفريع إلى التزهير

تبدأ هذه المرحلة عند عمر 60 يوم تقريبا وتستمر حتى 100 بوم تقريبا. أهم ما يميز هذه المرحلة وجود السنبلة بشكل الأخاديد المزدوجة، حيث يتم فيها تحديد العدد المحتمل للحبوب، ولذلك تعتبر هذه المرحلة مهمة في تحديد المدى الذي يمكن تحقيقه لإمكانية إنتاج الحبوب.

وقد لوحظ التأثير الرئيسي للإجهاد الحراري بعد بدء الأزهار على عدد الحبوب. ينخفض ​​عدد الحبوب لكل وحدة مساحة بمعدل 4%  لكل درجة مئوية زيادة في متوسط ​​درجات الحرارة خلال الثلاثين يومًا السابقة للتزهير.

يمكن أن يعزى تأثير درجة الحرارة على محصول الحبوب لكل وحدة مساحة بسبب وجود عدد أقل من السنابل الخصبة أو عدد أقل من الحبوب لكل سنبلة.

وفي حالة الطرد المبكر للسنابل قد تكون الظروف الجوية غير مناسبة لعملية التلقيح والإخصاب وعلية يزيد عدد الأزهار العقيمة ويقل عدد الحبوب في السنبلة أيضا، وفي النهاية ينعكس كل ذلك بالتأثير السلبي على المحصول النهائي وتقل الإنتاجية.

يتأثر انخفاض فترة النمو في هذه المرحلة عند درجات الحرارة المرتفعة باختلاف ​​حساسية الصنف للفترة الضوئية ودرجة الحرارة المثلى لتكوين السنيبلة.

فإذا كانت الأصناف قادرة على الحفاظ على معدلات تبادل عالية للكربون عند درجات الحرارة المرتفعة، فإن الانخفاض يكون أقل في مدة هذه المرحلة ووزن السنبلة.

تأثير الحرارة على مرحلة التزهير إلى النضج (مرحلة الامتلاء).

يعد الإجهاد الحراري بعد الإزهار (الإجهاد الحراري النهائي) من أهم العوامل المحددة التي تؤثر على إنتاج القمح. و تشير الدراسات أن درجة الحرارة المثلى لفترة امتلاء الحبوب هي 20 إلى 26°م درجة مئوية.

وكل زيادة في ​​درجات الحرارة خلال امتلاء الحبوب عن هذا المدى، يسبب في نقص في وزن الحبوب بمعدل 4 % لكل درجة مئوية. ويقابل ذلك  فترة امتلاء حبوب قصيرة  وتقابلها زيادة طفيفة في معدل امتلاء الحبوب.

وعندما ترتفع درجات الحرارة عن 30 درجة مئوية أثناء فترة امتلاء الحبوب يؤدي إلى انخفاض في إنتاجية الحبوب للأصناف بسبب انخفاض وزن الحبوب.

وتؤدي درجات الحرارة العالية إلى انخفاض الإنتاجية المحصولية من خلال التأثير على العمليات الفسيولوجية والكيميائية الحيوية والجزيئية. تعتمد الحساسية لدرجات الحرارة التي تتجاوز الحد الأمثل على شدة ومدة ووقت حدوث الإجهاد، ومرحلة نمو النباتات.

ويؤثر الإجهاد الحراري خلال هذه المرحلة بشكل رئيسي على التمثيل المتاح، ونقل صافي التمثيل الضوئي إلى الحبوب، وتخليق النشا وترسبه في الحبوب النامية وتكون النتيجة الحقيقية هي انخفاض وزن الحبة.

أثناء امتلاء الحبوب، يكون نمو الحبوب متاح من مصدرين هما صافي التمثيل الضوئي والكربوهيدرات القابلة للذوبان في الماء والمخزنة قبل التزهير في الساق وقواعد الأوراق للنبات.

في ظل ظروف الإجهاد، وإنهاء نمو الحبوب مبكرًا نتيجة موت الأوراق قبل نهاية امتلاء الحبوب بسبب الإجهاد المائي، سينخفض ​​محصول الحبوب ليس فقط بسبب انخفاض صافي التمثيل الضوئي ولكن أيضًا، بسبب أنه لن يتم نقل كل الكربوهيدرات القابلة للذوبان في الماء والمخزنة إلى الحبوب.

تختلف التراكيب الوراثية في تحملها للإجهاد الحراري، وذلك التحمل له علاقة وثيقة بثبات الغشاء الخلوي، وزيادة العصارة المتوافقة، وزيادة ثبات البروتين، وتخليق بروتينات لمواجهة صدمة الحرارة Heat Shock Proteins(HSP) .

ويبدو أن التراكيب الوراثية التي تتمتع بقدرة أكبر على تحمل الحرارة تعمل على تخليق مركبات HSP بتركيز أعلى. كما يوجد صفات فسيولوجية أخرى متعلقة بالإنتاج تحت ظروف درجات الحرارة المرتفعة مثل الوزن الكلي عند النضج وعدد الحبوب لكل متر مربع  وعد الأيام إلى التزهير والنضج.

ولذلك سوف تكون هناك حاجة لأصناف قمح جديدة ذات صفات فسيولوجية محددة لمواجهة تغير المناخ وتحمل الحرارة المرتفعة.

أسال الله أن يبارك للجميع ويجعله موسم خير وبركة على الوطن والمزارعين

 

  

 

زر الذهاب إلى الأعلى