د عاطف كامل يكتب: الرؤية والتطبيق لمفهوم الإستدامة البيئية
الاستدامة هي القدرة على تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الخاصة
رئيس قسم الحياة البرية وحدائق الحيوان- كلية الطب البيطرى- جامعة قناة السويس
الأمين العام المساعد للحياة البرية- الإتحاد العربى لحماية الحياة البرية والبحرية- جامعة الدول العربية
توفير بيئة صحية مستدامة هدف سامٍ تسعى له الكثير من الدول حول العالم، لتحقق لمجتمعاتها أرقى معايير الصحة والسلامة البيئية ولابد من وضع خطة ورؤية بعيدة المدى تتضمن أهدافاً خاصة تسعى من خلالها الدولة لترسيخ دور البيئة النظيفة وتأثيرها الإيجابي على الأجيال القادمة من جهة وعلى الموارد الطبيعية من جهة أخرى.
مفهوم الاستدامة البيئية
هو تلبية الحاجات المشروعة للناس فى حاضرهم من دون الإخلال بقدرة النظم البيئية على العطاء الموصول لتلبية حاجات الأجيال المستقبلية.
وتتمتع البيئة بقدرة طبيعية هائلة على التجدد، كما يمكنها حماية نفسها والمحافظة على مواردها؛ فعلى سبيل المثال عندما تتساقط أوراق الشجر في الخريف فإنّها تتحلل، وتُضيف عناصر غذائية إلى التربة، تساعد بدورها على تهيئة الظروف المناسبة للشتلات الجديدة لتنمو، إلّا أنّ تدخل الإنسان في البيئة واستخدامه لمواردها الطبيعية أدى إلى إلحاق الضرر بها، وظهور العديد من المشاكل البيئية الخطيرة.
وقد أدرك علماء البيئة حجم وأهمية هذه المشاكل منذ عقود، لتصبح مسألة حماية البيئة في السنوات الأخيرة من القضايا الوطنية والعالمية المهمة، والتي شغلت وما زالت تشغل وسائل الإعلام المختلفة، من خلال تسليط الضوء على بعض القضايا البيئية المهمة، مثل: مرض ميناماتا العصبي الناتج عن التسمم الحاد بالزئبق، وكارثة بوبال التي حدثت في الهند، وتأثير غازات الدفيئة، وإزالة الغابات، والاحترار العالمي، وانتاج النفايات، وغير ذلك.
أصبحت الأنشطة البشرية مؤخراً تستنفذ موارد البيئة الطبيعية، وهو الأمر الذي يهدد بقاء الإنسان واستمراريته على المدى الطويل في حال عدم تطبيق طرق الاستدامة البيئية؛ فالاستدامة البيئية تساعد على ضمان تلبية احتياجات السكان الحاليين مع الحفاظ على احتياجات الأجيال القادمة دون التأثير عليها، وبذلك يمكن تعريف الاستدامة البيئية (بالإنجليزية: Environmental Sustainability) بشكل عام بأنها تفاعل الإنسان المسؤول مع البيئة لتجنب استنزاف الموارد الطبيعية أو تدهورها، والحفاظ على جودة البيئة لأمد طويل.
تعريفات مختلفة لمفهوم البيئة المستدامة
يختلف تعريف الاستدامة البيئية وفق لاختلاف الجهة المعرّفة لها، والتي قد تكون عبارة عن جهة حكومية، أو منظمات ووكالات بيئية، وذلك لاختلاف المنهجية المتبعة من كل منهما للتعامل مع هذه القضية، وعليه هناك ثلاثة تعريفات مختلفة للاستدامة، وهي:
التعريف الأول:
إن الاستدامة هي القدرة على تلبية احتياجات الحاضر دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتهم الخاصة، وهذا التعريف وضعته لجنة الأمم المتحدة العالمية المعنية بالبيئة والتنمية، وقد تم توسيعه على مر السنين ليشمل احتياجات الانسان ورفاهيته، فإمكانية بقاء الإنسان لعدة أجيال قادمة على هذا الكوكب مرتبطة بمدى حفاظه على الطبيعة ومواردها.
التعريف الثاني:
إن الاستدامة هي القدرة على تحسين نوعية حياة الإنسان أثناء عيشه ضمن القدرة الاستيعابية للأنظمة البيئية الداعمة للأرض، وهذا التعريف تم وضعه من قبل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)، وقد جاء بسبب أنماط الإنتاج والاستهلاك العالمية التي تدمّر الطبيعة بمعدلات مستمرة ومرتفعة بشكل خطير؛ فزيادة اعتماد الإنسان على الموارد الطبيعية مع زيادة عدد السكان غيّر التوازن الطبيعي للطبيعة، وأثّر سلباً على كل من البشر والأنظمة الحية الأخرى، وسبّب انخفاض الموارد الطبيعية الموجودة فيها.
التعريف الثالث:
إنّ الاستدامة هي الحفاظ على التوازن في علاقة الإنسان بعالم الكائنات الحية على الأرض، وقد وضع هذا التعريف عالم البيئة بول هوكين، الذي بيّن أن الإنسان يستخدم موارد الأرض ويدمّرها بشكل يفوق قدرتها على التجدّد.
أهم أهداف ومبادئ الاستدامة البيئية:
اولاً: الاحتياجات المجتمعية
– تطبيق مفهوم الاستدامة البيئية في المشاريع التطويرية والتنموية والتخطيط العمراني لتحويل المدن إلى صديقة للبيئة.
-عدم إنتاج مواد تضر بالأجيال القادمة. تصميم وتقديم منتجات وخدمات تساعد على جعل الاقتصاد أكثر استدامة.
-توفير فرص عمل ودعم العمالة المحلية.
-دعم التجارة المعتدلة.
-جعل الاستدامة البيئية مطلباً رئيسياً عند اختيار المواد الخام أو المكونات للمنتجات والخدمات الجديدة.
ثانياً :الحفاظ على التنوع البيولوجي
اختيار المواد الخام التي تحافظ على التنوّع البيولوجي للموارد الطبيعية.
استخدام مصادر طاقة مستدامة وصديقة للبيئة والاستثمار في تحسين كفاءة الطاقة.
مراعاة القدرة التجديدية: استخدام المصادر المتجددة بمعدلات تتناسب مع قدرة الأنظمة الطبيعية المُنتِجة لها. استنزاف المصادر غير المتجددة بمعدل أقل من معدّل تجدد المصادر البديلة المتجددة.
إعادة الاستخدام واعادة التدوير: إجراء تصميمات لإعادة استخدام المنتجات واعادة تدويرها. تصميم العمليات الصناعية أو التجارية كأنظمة ذات حلقات مغلقة؛ للحد من المخلفات والانبعاثات الضارة منها.
ثالثاً: تقييد استخدام الموارد غير المتجددة وتقليل إنتاج النفايات
-الحفاظ على معدلات الزيادة السكانية، ومعدل الاستهلاك للفرد، ومعدل التقدم التكنولوجي، ضمن القدرات الاستيعابية للبيئة؛ أي مع مراعاة الاستدامة البيئية.
-إبقاء كمية الانبعاثات والنفايات الناتجة ضمن القدرة الاستيعابية للنظم البيئية، مع عدم تقليل قدرتها على احتواء النفايات في المستقبل أو التأثير على غيرها من الخدمات البيئية المهمة. -وضع معايير لوسائل النقل بحيث تُعطى الأولوية للوسائل ذات التأثير البيئي الضار المنخفض.
-وضع جميع القرارات المتعلقة بتطوير وإدارة المنتجات مع مراعاة الآثار البيئية لهذه المنتجات طوال دورة حياتها.
رابعاً: أهمية تطبيق البيئة المستدامة
يعتبر التغيير من السمات الثابتة للحياة على وجه الأرض، لكن سرعة وحجم التغييرات الحالية هو ما يهدد البيئة، وفيما يلي أهم التغييرات التي أدّت إلى تدهور البيئة وتؤثر بالتالي على مستقبل الجنس البشري، وعلى استدامة البيئة.
خامساً: تغيّر المناخ العالمي
يتغير المناخ العالمي بشكل دائم، وهذا التغيير من صنع الإنسان؛ حيث تزيد معظم الأنشطة البشرية على الصعيد العالمي من تراكيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي، الأمر الذي يغيّر المناخ العالمي، ويجدر بالذكر أنّ تغيّر المناخ يؤثّر على كل منطقة من مناطق الأرض؛ حيث تعاني بعض المناطق من موجات حر وجفاف شديدة، بينما تواجه مناطق أخرى عواصف أكثر شدة وتكراراً، فتغير المناخ يؤثر بشكل عام على الإنسان، والطبيعة، والاقتصاد.
سادساً: خسارة التنوع الحيوي بمعدل غير مسبوق
تتعرض المواطن الطبيعية للكائنات الحية إلى التلوّث والتدمير، ممّا أدى إلى انقراض العديد من أنواع الكائنات الحية، كما شهدت بعض الأنواع الأخرى انخفاضاً كبيراً في أعدادها بسبب الاستخدام الواسع للمبيدات الحشرية؛ كالنحل والفراشات، إضافة إلى ذلك فإنّ الملوّثات الناتجة عن الأنشطة الاقتصادية تتراكم في البيئة، مما يقلّل من قدرة النظم البيئية على التجديد، لينتج من ذلك أنّ التدهور البيئي لا يؤثر على النباتات والحيوانات فقط، بل يؤثّر على البشر أيضاً.
سابعاً: أنماط الإنتاج والاستهلاك غير المستدامة
تتضمن أنماط الإنتاج والاستهلاك االعالمية تحويل المواد الخام إلى سلع يتم استخدامها واستهلاكها، ثم التخلّص منها، مما يؤدي إلى تراكم كميات من النفايات الملوثة، وإلى المنافسة العالمية على الموارد الطبيعية، وهذا بدوره يزيد من المواد والسلع، ويزيد من الملوثات، وإذا استمر الوضع كما هو عليه الآن، فسوف تواجه الأجيال القادمة ارتفاعاً أكثر في درجات الحرارة، وظواهر مناخية شديدة، وعدداً أقل من أنواع الكائنات الحية، وندرة في الموارد، ومزيداً من التلوث، لذلك على صانعي القرار اتخاذ اجراءات أكثر فاعلية للحد من التلوّث وتغيّر المناخ.