محمد بلال يكتب: «الأمانة» عنوان الإنتماء لدمج أبناء الوطن
باحث – مركز بحوث الصحراء – مصر
ابراهيم الحمايدة شاب من شباب سيناء فقد محفظته الشخصية في إحدى “التكاسي” في إحدى المناطق في زحام القاهرة، نشر الشاب الثلاثيني مشكلته “العويصة” على صفحته الشخصية في فيسبوك حيث ناشد أصدقاؤه بمساعدته في محاولاته البائسة لإيجاد محفظته بما تحويه من أوراق رسمية مهمه ومبلغ مالي كبير.
قام أصدقاؤه من شباب سيناء بإعادة نشر تدوينته ومناشدته وتوسلاته لإيجاد المحفظة وسارت حالة من التردد لدى البعض وحالة من اليأس لدى البعض الآخر من عودة تلك المحفظة بأمان لإبراهيم مرة أخرى.
المفاجأة السارة التي فجرت صفحات السوشيال ميديا في صفحات السيناوية بين متفاجيء ومصدوم ومسرور أن المحفظة عادت بسلام إلى إبراهيم كاملة غير منقوصة حيث ظل سائق التاكسي يبحث في صفحات الإنترنت عن أي شخص يفتقد محفظته ليجد في إحدى الصفحات الشهيرة إبراهيم وقد نشر مناشدته للعثور على محفظته.
تواصل الرجل الأمين مع ابراهيم وأعاد إليه محفظته ليتحول الرجل إلى أيقونة للأمانة يدعوا له الجميع بموفور الصحة والعافية والرزق الواسع.
هذا الأيقونة لا يدرى أنه بهذا الفعل الحميد قد أنقذ علاقة ثقة معقدة منذ سنوات طويلة بين أهل سيناء وبين باقي محافظات الوطن الأم ..
تلك الثقة التي أفقدتها سياسات الحكومات المتعاقبة في الأنظمة السابقة قيمتها وجوهرها حتى وصل الحال بأهالينا في سيناء وأغلب المناطق الحدودية مترامية الأطراف في شرق وغرب وجنوب البلاد إلى فقد جزء كبير من الثقة حيث يشعر الغالبية بالإستهداف إما بالنصب أو السرقة أو التحايل أو الغدر في أي تعامل تجاري أو خدمي أو أمني أو حتى طبي مع أطباء العاصمة ومستشفياتها.
تلك الثقة التي اهتزت على مدار سنوات طويلة نتيجة ممارسات خارج إطار القانون والمساءلة وتفتقد أدوات الملاحقة القضائية ليشعر الأغلبية في تلك المناطق بفقدان الثقة تدريجياً على مدار سنوات طويلة والتي أنقذها سائق التاكسي وأثار عاصفة من الحب والتأييد وإعادة بناء الثقة من جديد رغم ما تحققه الدولة حاليا من إنجازات لتصويب الأخطاء السابقة.
ذكرتني تلك القصة بقصة مشابهة حدثت مع والدي في بدايات الألفية حيث كان في زيارة لصديقه “الحاج حسين الوريلة” صاحب مشتل لإنتاج شتلات الخضر والزينة والفاكهة بساحل مدينة الشيخ زويد حيث تناول الحديث جوانب وطنية كعادة والدي في أحاديثه حيث أراد أبي أن يمازح الرجل ويذكر له أن سيناء هي قطعة من قلب الوطن وأنه لا فرق بين كل المواطنين ليبادره الحاج حسين بكلمة “قرايبك كلهم حرامية” – يقصد بشكل عام وغير مقصود المواطنين في محافظات الوادي والدلتا- ليرد عليه والدي بشيء من الود والدعابة قائلاً له: “اسمع يا حاج حسين، انتا قلت كلمة خطيرة جداً، إما تحط دليل عليها أو تدفع ثمنها كغرامة أو عقاب عليها” ..
فذكر له الحاج حسين أن أحد المشاتل التي يتعامل معها نصب عليه في مبلغ كبير ورفض أن يعيد له المبلغ المتبقي من معاملتهم التجاريه وأنه حاول أن يعيده لكن دون جدوى لذلك كان ذلك سبباً في فقد الثقة بينه وبين كل تجار الشتلات هناك.
عندما سمع أبي الحكاية أصر أن يتولى شخصياً إعادة حق الرجل مهما كلفه ذلك من تضحيات وتكللت محاولات أبي بالنجاح بعد مفاوضات وجلسات عرفية استخدم فيها أبي صلته وقرابته بعمدة البلد ليجمع في ذلك الوقت الحاج حسين ومعه رموز من مشايخ وعقلاء سيناء أذكر منهم الحاج محمد أبو شعيرة والد إبراهيم أبو شعيرة عضو مجلس النواب الحالي في شمال سيناء حيث حضر الجميع جلسة عرفية ناجحة أعادت الحق لأصحابه لتتحول إدعاءات الحاج حسين الناتجة من تجربته إلى ثقة جديدة ذات قيمة غرست في قلبه مزيد من الإنتماء وحب الوطن والتضحية لأجله وعدم الحياد في دعمه والولاء له.
الشاب إبراهيم والحاج حسين هما نماذج مختصرة ولكنهما ملخص دقيق لحكاية الثقة المفقودة في بعض الأحيان بسبب مقصود يحاول أعداؤنا تصويره ربما أو بسبب غير مقصود بسبب بعض المواقف الفردية التي يتم تعميمها للأسف فتجعل الصورة الذهنية لدى سكان سيناء أن مواطني محافظات الوادي والدلتا “حرامية ونصابين” أو لدى مواطني الداخل المصري أن أهل سيناء “تجار مخدرات وسلاح وإرهاب” وكلاهما مخطيء في حق نفسه ومجتمعه ووطنه كله.
علينا إعادة بناء الثقة المتبادلة بالمواقف فهي أسرع وأصدق وأكثر قدرة على تغيير الواقع، حفظ الله مصر وشعبها العظيم.