الأخبارالانتاجبحوث ومنظماتحوارات و مقالاتمصر

د هالة محمد تكتب:  حقيقة مفهوم الصحة الواحدة وحماية الحياة علي كوكب الأرض

باحث – معهد صحة الحيوان – مركز البحوث الزراعية – مصر

مفهوم الصحة الواحدة:

هو الجهد التعاوني للعديد من مهن العلوم الصحية لتصميم وتنفيذ بعض البرامج والسياسات والبحوث التي تعترف بأن صحة البشر مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بصحة الحيوانات وبيئتنا المشتركة وتتواصل فيها قطاعات متعددة وتعمل معاً من أجل تحقيق الأفضل في مجال الصحة العامة.

ومفهوم الصحة الواحدة ليس جديد ، لكنها أصبحت أكثر أهمية في السنوات الأخيرة. وذلك لأن العديد من العوامل قد غيرت العلاقة بين البشر والحيوانات والبيئة. ومن أهم هذه العوامل زيادة عدد السكان والتوسع العمراني في مناطق جغرافية جديدة . والتي أدت إلى وجود اتصال وثيق مع الحيوانات البرية والمستأنسة مثل الماشية والحيوانات الأليفة. حيث تلعب دورًا مهمًا في حياتنا ، سواء للأغذية أو الرياضة او الترفيه . ويعتبر الاتصال الوثيق بالحيوانات وبيئاتها مصدر للعدوى بالأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان.و أيضا التغير المناخي الذي يشهده العالم خلال السنوات الماضية.

لماذا نحتاج إلى نهج الصحة الواحدة؟

على مدى العقد الماضي ، لوحظت زيادة كبيرة في تداول العوامل المعدية مع انتشار وظهور الأوبئة والأمراض الحيوانية المنشأ ، فأصبحت مخاطر الأوبئة أكثر وأكثر خطورة. كما تعرضت صحة الإنسان والحيوان للخطر بسبب مقاومة مضادات الميكروبات ، والتلوث البيئي ، وتطور الأمراض المزمنة ومتعددة العوامل.

فالعديد من الميكروبات نفسها تصيب الحيوانات والبشر ، لأنهم يشتركون في النظم البيئية التي يعيشون فيها. والجهود التي يبذلها قطاع واحد فقط لا يمكن أن تمنع المشكلة أو تقضي عليها. على سبيل المثال ، لا يتم منع داء الكلب بشكل فعال إلا من خلال استهداف المصدر الحيواني للفيروس عن طريق تحصين الكلاب.

وكذلك المعلومات عن فيروسات الأنفلونزا المنتشرة في الحيوانات ضرورية لاختيار الفيروسات للقاحات البشرية لأوبئة الإنفلونزا المحتملة. و يمكن أن تنتقل الميكروبات المقاومة للأدوية بين الحيوانات والبشر من خلال الاتصال المباشر بين الحيوانات والبشر أو من خلال الأغذية الملوثة ، ومن أجل احتوائها بشكل فعال ، يلزم اتباع نهج جيد التنسيق في البشر والحيوانات.

النتائج المحتملة من نهج الصحة الواحدة

– مزيد من تبادل المعلومات المتعلقة باكتشاف الامراض وتشخيصها

– انشاء برامج متعددة التخصصات في التعليم والتدريب والبحث

– المزيد من الوقاية من الأمراض المعدية والمزمنة

– تطوير علاجات وأساليب علاجية جديدة

– كسر الحواجز التي تفصل الطب البشرى والبيطرى عن العلوم البيئية

من المسؤول عن تطبيق نهج الصحة الواحدة؟                                                                                                     تعمل منظمة الصحة العالمية عن كثب مع منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (اFAO) والمنظمة العالمية لصحة الحيوان (OIE)  لتعزيز الاستجابات متعددة القطاعات لمخاطر سلامة الأغذية ، والمخاطر الناجمة عن الأمراض حيوانية المصدر ، وغيرها من تهديدات الصحة العامة على الإنسان- واجهة النظام البيئي الحيواني وتوفر إرشادات حول كيفية تقليل هذه المخاطر.

كما يجب على العديد من المهنيين الذين لديهم مجموعة من الخبرات النشطين في قطاعات مختلفة ، مثل الصحة العامة وصحة الحيوان وصحة النبات والبيئة ، أن يتحدوا لدعم هذا النهج .

يجب مشاركة البيانات الوبائية والمعلومات المختبرية عبر القطاعات. يجب على المسؤولين الحكوميين والباحثين والعاملين عبر القطاعات على المستويات المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية تنفيذ استجابات مشتركة للتهديدات الصحية.

دور الطبيب البيطري:-

الطبيب البيطري هو المسؤول الاول لانه في خط الدفاع الاول للمحافظة علي صحة الانسان بمكافحة الامراض المشتركة وذلك من خلال : عمل العيادات البيطرية ( علاج – تحصين – ارشاد – مسوحات ), عمل المحاجر البيطرية (حجر بيطري – مسوحات – مراقبة الامراض العابرة للحدود – منع دخول او تطهير – تحصين – متابعة الارساليات داخل الدولة ), عمل تفتيش اللحوم في المسالخ, متابعة الحالة الوبائية لمكتب صحة الحيوان الدولي .

الامراض المشتركة بين الانسان والحيوان:

من المعروف أن صحة الإنسان وصحة الحيوان مرتبطان وبشكل واضح و ذلك نتيجة العلاقة بينهما سواء علاقة تربية أو رفقة ونتيجة لهذه العلاقة فان هنالك امراضا تنتقل من الحيوان للإنسان وهي ما تعرف بالامراض المشتركة      وتعني أمراض معدية تنتقل بصورة طبيعية بين الحيوانات الفقارية والإنسان.

ولقد أجمعت المنظمات العالمية المعنية بصحة الانسان والحيوان على ثلاث محاور مشتركة للصحة العامة وهي الأمراض المشتركة , الميكروبات المقاومة للمضادات الحيوية و صحة الغذاء. أما المجال الأول الخاص بالأمراض المشتركة والتي تعرف بأنها الامراض التي تصيب الحيوان وتنتقل منه بطرق مختلفة سواءً كانت مباشرة او غير مباشرة للإنسان وهي أكثر من 200 مرض مشترك.

وطبقا للتقارير التي نشرها المكتب الإقليمي لدول شرق حوض البحر الأبيض المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية بتاريخ يناير 2020 إلى أنه حوالي مليار حالة مرضية وملايين الوفيات تم رصدها حول العالم سببتها الأمراض المشتركة، وحوالي 60 ٪ من الأمراض المعدية الناشئة التي يتم الإبلاغ عنها عالميا هي في الأصل من الأمراض المشتركة. وفي العقود الثلاثة الماضية تم اكتشاف أكثر من 30 مسبب مرضي جديد يصيب الانسان ، علما بأن 75 ٪ منها ذو أصل حيواني.

وهناك العديد من الأمراض التي تنتقل من الحيوان الي الإنسان وتسبب له إصابات بدرجات متفاوتة منها الإصابة المميتة مثل الحمى النزفية ، والسارس ، وأنفلونزا الطيور والخنازير ، السعارو البروسيلا. ومنها الإصابات المزمنة مثل سل الأبقار . و منها الذي ينتقل بطريقة مباشرة بالاحتكاك المباشر مثل القوباء . ومنها ما ينتقل عن طرق الطفيليات الخارجية مثل القراد . ومنها ماينتقل عن طريق الحشرات مثل البعوض الذي ينتقل مرض حمى الوادي المتصدع ومن هذه الأمراض المشتركة ما ينتقل عن طريق تناول اللحوم مثل الديدان الشريطية في الأبقار.

تعتبر الإصابة بأحدي ميكروبات البروسيلا أو ما يعرف بالإجهاض المعدي واحدة من أهم الأمراض الحيوانية التي تصيب العديد من الثدييات البرية والبحرية وبعض أنواع الأسماك والضفادع، مع إمكانية انتقال المرض للإنسان ويدعى الحمى المالطية، وذلك عن طريق الاحتكاك المباشر مع الحيوانات المصابة أو غير المباشر باستهلاك الألبان ومنتجاتها غير المعاملة حراريا.ً

ونظراً لأن الإصابة بالبروسيلا من الأمراض العنيدة التي لا يوجد لها علاح في الحيوانات بل لقاحات وقائية تحقق حماية لا تتعدي نسبتها 75 بالمائة من الحيوانات المحصنة في أحسن الظروف، كما يستلزم علاجها في الإنسان تناول اثنين من المضادات الحيوية وربما أكثر في حال وجود مضاعفات للمرض طبقاً لتوصيات منظمة الصحة العالمية ونظراً لخطورة الإصابة وسرعة انتشار المرض بين الحيوانات ومن ثم انتقاله إلى الإنسان وقدرة الميكروب المسبب له على البقاء حياً في البيئة المحيطة من تربة ومياه، فقد اصبح لزاماً أن يتم التعامل مع هذا المرض بشكل فعال وهو ما لا يتأتى إلا بتضافر الجهود من خلال تطبيق مفهوم ما يعرف بالصحة الواحدة،

وعلى عكس البلدان المتقدمة فإن مرض الإجهاض المعدي هو مرض متوطن في معظم البلدان النامية بما فيها مصر، ويتراوح معدل الإصابات البشرية بالمرض في مصر من 64 إلى 70 حالة مصابة لكل 100،000 نسمة كما هو منشور بالدوريات العلمية العالمية, ويعزى ذلك المعدل المرتفع إلى التطبيق غير السليم لنظم الأمان الحيوي وإدارة المخاطر في المزارع وإلى الثروة الحيوانية المنتشرة والكثافة البشرية العالية والعادات الغذائية التقليدية غير السليمة وغير الصحية.

وأمثلة ذلك؟

مثل استهلاك الحليب غير المبستر ومنتجات الألبان، وكذلك التطبيق غير السليم لبرنامج السيطرة على المرض والتربية المختلطة لأنواع مختلفة من الحيوانات في مكان واحد او داخل المنازل بالأرياف والتعويض غير المنصف وغير الكافي عن الحيوانات المذبوحة اضطرارياً بعد ثبوت إصابتها بالمرض مما يؤدي الي تهرب أصحاب المزارع والغنامين والمزارعين من الفحص او بيع حيوانتهم المصابة بالاسواق والتي لاتخضع للإشراف البيطري وأيضاً الي عدم التنسيق والتعاون وتبادل المعلومات بين الإدارات المختلفة المعنية بالمرض.

وفي الختام لتحقيق مفهوم الصحة الواحدة لابد من مراعاة بعض النقاط الاساسية اهمها تدعيم التعاون المشترك بين الوزارات المعنية بالمرض ووضع اسس مشتركة وتشريعات تسهم في الحد من انتشاره وإختيار الإستراتيجية المناسبة للتحكم والسيطرة بالمرض وانشاء شبكة الكترونية مشتركة لسرعة تبادل المعلومات بين الجهات المعنية, لان ذلك يهدف في النهاية إلي تأمين مستدام لبيئة نظيفة وصحية توفر الغذاء الصحي والكساء والمعيشة وحماية الإنسان من الأمراض، حتى نصل إلى مردود واحد وهو الصحة للجميع للإنسان والحيوان والبيئة التي تجمعهم في محيطها.

 

زر الذهاب إلى الأعلى