الأخبارحوارات و مقالاتمصر

د. حسام الامام يكتب : الميزانية مخرفة

 

مش عايزين نحسس العيال بهمومنا هما ذنبهم إيه ، خليهم يعيشوا ايامهم من غير ما يحسوا إنهم اقل من أصحابهم .. عبارة سمعتها كثيراً من الأقارب والأصحاب ، ومعظمهم دفعوا ثمنها من صحتهم وأعصابهم .

الحقيقة انا كنت دائم الاختلاف معهم فى الموضوع ده وكانوا دايماً يقولولى بكرة لما تتجوز ويبقى عندك أولاد تفهم وتعمل نفس الشئ . ومرت الأيام واتجوزت وأصبح عندى أولاد ، وعشت التجربة لكن عمرى ما عملت زى ما عملوا . ببساطة لأنى فهمت إن الأسرة عبارة عن منظومة لابد وإن جميع أفرادها يعيشوا ظروفها سواء الحلوة أو المرة . والغريب إن إللى كانوا بيقولوا كده عانوا أشد المعاناة واعتبروا أولادهم جاحدين وناكرين للجميل ، وأنا كشخص “رخم” وصريح كنت أقول إنتم إللى عودتوهم على عيشة معينة ، وبعدين بتطلبوا منهم يقدروا كفاحكم ومعاناتكم إللى لا يعرفوا عنها أى شئ . لما كانوا يحتاجوا شئ كنتم بتوفروه حتى لو استلفتم فلوس من الغير ، عمركم ما عرفتوهم ظروفكم .

وتذكرت زمان وأنا صغير لما كنت أسمع والدى يتحدث مع والدتى رحمهما الله عن ميزانية الشهر ، وافتكرت كلمة أنفقت وقتاً لفهمها ، عندما كان والدى يقول “الميزانية الشهر ده شكلها مخرفة” ! يعنى إيه مخرفة ؟ وفهمت إنه يقصد إن الميزانية اتجننت والمصروفات المطلوبة زادت عن المتاح لديه من مال ، هنكمل الشهر ازاى ؟ وهى تقول ربنا يسهل ، إن شاء الله كله يبقى تمام . ومرة تعمل جمعية وتقبضها الأول ، مرة تانية تبيع حتة دهب والأمور كانت بتمشى . قبل ما أفهم يعنى إيه الميزانية مخرفة كنت أطلب من أمى حاجات زى باقى زملائى ، وكانت تلبى طلباتى وفقاً للمتاح لديها من مال ، لم تعودنى أنا وإخوتى على تلبية الطلبات فى الفاضي والمليان ، كانت حريصة أن تشعرنا أن الوقت غير مناسب لتلبية بعض الطلبات وتقول إن شاء الله لما بابا يجيله فلوس .. المهم إن أنا كنت أشاركهم حديثهم من غير ما ياخدوا بالهم ، وفهمت يعنى إيه الميزانية مخرفة وقررت أن أشاركهم فى تدبير الأمور من خلال عدم طلب مصروفى اليومى ، ولما كانت أمى تصر إنى آخذ المصروف كنت أرجع من المدرسة أضعه تحت مخدتها ، كانت تقبلنى وتقول لى ربنا يرضى عليك .

وأصبحت على يقين إن عبارة “الميزانية مخرفة” قاعدة لابد من تطبيقها مع أولادى بشكل أو بآخر فى المستقبل حتى ولو كانت ظروفى المادية أفضل من والدى ، لأن الطفل لما يلاقى كل شئ متاح بسهولة لن يقدر له قيمة عندما يكبر وسوف تصبح تلبية طلباته أمر عادى وطبيعى بالنسبة له ، هذا ما عودوه عليه .

أتذكر يوم عاد ابنى من المدرسة وطلب أن يصبح مصروفه خمسة جنيهات بدلاً من جنيه واحد ، كان فى الصف الثالث الابتدائى وكان المبلغ كبير وقتها ، سألته ليه ، قال إن أحد زملائه يأتى كل يوم معاه خمسة جنيهات وإنه عزمه النهارده فى المدرسة ، قلت له بكره ان شاء الله مصروفك خمسة جنيهات وروح إعزم زميلك زى ما عزمك .. ثم سألته إنت بتاخد سندوتشات وعصير ومياه معاك للمدرسة ، قال أيوه ، قلت طيب محتاج كل يوم خمسة جنيه تعمل بيها إيه ، سكت شويه وقاللى مش عارف ، أنا باشترى حاجة ساقعة أو بسكويت ، قلتله وده بكام ، قال جنيه واحد ! طيب هتعمل إيه بالخمسة جنيه ، عرفنى وأنا أعطيك كل يوم خمسة جنيه . سكت وقاللى مش عارف يا بابا ، خلاص جنيه واحد كفايه . وهكذا عودته هو وأخوته أن يأخذ احتياجاته فقط دون إسراف أو تبذير وايضاً دون حرمان ، لذلك لما كبر الصغار أصبحت اترك الفلوس فى الدرج وأتابعهم فأجدهم يأخذون على قدر احتياجهم فقط ، وعندما أقول لهم خدوا أكتر يقولوا كده كفاية لو احتاجنا أكتر هنقول لحضرتك .

طبعاً أنا لا أدعو الأهل للبخل على أولادهم لكن اقول أشركوهم معكم فى ظروفكم ، علموهم إن الدنيا يوم فوق ويوم تحت ، علشان ده واقع سوف يصطدموا به عندما يستقلوا بحياتهم الخاصة ، وكم من مثال أمامى يشكو مر الشكوى لأن إبنه يطلب منه المال كل شهر للوفاء باحتياجات زوجته وأولاده رغم أن دخله كبير ، لكنه تعود أن ينفق دون حساب ودون تفكير .

يا جماعة طبقوا قاعدة “الميزانية مخرفة” فى الصغر حتى لو كنتم مرتاحين مادياً وظروفكم ميسرة ، اعلموا أن الزواج والانجاب هدفه التربية فى المقام الأول وخلق جيل يتحمل المسئولية ، وليس لتلبية احتياجاتهم فقط .

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى