الأخبارالاقتصادالانتاجالصادرات و الوارداتبحوث ومنظماتحوارات و مقالاتمصر

متولي سالم يكتب: تحديث الأرقام الطريق الصحيح لمواجهة الفاقد في الخضروات والفاكهة

>> جهود مبتكرة لتقليل الفاقد والمهدر من الفاكهة والخضروات والدروس المستفادة من ذلك

هدر الغذاء يعد من أكثر القضايا التي تهدد الأمن الغذائي في العالم وتسبب في سيطرة حالة من إنعدام الأمن الغذائي لدي الدول الأكثر تعرضا للهدر خلال الممارسات التي تتم سواء خلال مراحل الإنتاج الزراعي وصولا إلي المستهلك وإنتهاء بمرحلة التداول والتخزين والاستهلاك علي المستوي القريب أو البعيد والتي تتجاوز مليار و300 مليون طن سنويا.

هذه المشكلة لها تداعيات وآثار سلبية كبيرة على النظام البيئي والأنظمة الصحية والاجتماعية لدول العالم، وذلك عند تحويلها إلي أرقام تشكل «هاجسا» لكوكب الأرض، رغم ان الإدارة الجيدة لهذه الأنظمة والشفافية في تداول الأرقام ينعكس علي الحد من الهدر في الغذاء ولا سيما الهدر في الفاكهة والخضروات وهو ما تعاني مصر منه أيضا بسبب ضعف إدارة سلسلة الممارسات الجيدة خلال مراحل الزراعة والإنتاج والتداول.

ووفقا لتقارير مركز البحوث الزراعية تعتبر الفواكه والخضروات، أكثر المنتجات تعرضا للفقد خلال مراحل الإنتاج والتداول، من خلال عدد من مراحل للفقد والهدر على امتداد السلسلة الغذائية، بدايةً من الإنتاج والحصاد، مرورًا بالتخزين، ومن ثم التجهيز والتعبئة، ثم النقل والتوزيع، وأسواق التجزئة والجملة، وصولًا إلى المستهلك في المنازل والفنادق والمطاعم، إذ أرجعت الإهدار في المرحلة الأخيرة إلى أسباب مختلفة، منها نقص الوعي وسوء التخزين وسلوك المستهلك.

ونحاول في المقال التالي، أن نضع بعضا من الأرقام ودلالاتها في مصر حول الهدر في الفاكهة والخضروات وهي أن نسبة الهدر تتراوح ما بين 40 إلى 45 %، في الخضروات والفاكهة من إجمالي 31 مليون طن هي الإنتاج الكلي لمصر من هذه المحاصيل وفقا لأرقام المعنيين بتداول هذه المحاصيل أو وفقا لتقارير منظمات المجتمع المدني ومنها جمعية «هيا» للنهوض بالمحاصيل البستانية، بينما ينحفض هذا الرقم ليصل إلي 25% لدي الجهات البحثية التابعة لوزارة الزراعة وإستصلاح الأراضي.

ووفقا لتقرير  رسمي لمعهد الاقتصادي الزراعي  تصل نسبة الهدر   في محاصيل الفواكه والخضرات إلي عدد من الأرقام وهي نسبة  23% في البرتقال، وترتفع إلي 30% في حالة اليوسفي ، و22% لليمون المالح و 30% للعنب، والموز،  و25% للمانجو والمشمش، و23% للبطاطس، و30% للفلفل الأحمر، و24% للبسلة الخضراء ، و33% للخرشوف ، و29% للطماطم، و23% للتفاح، و14% للبلح الطازج ، و15 % للبلح المجفف ، و15% للبطيخ والشمام، والثوم، و18% للبصل ، و19% للخيار، و15% للثوم و18% للبطاطا.

ووفقا لهذه الأرقام  الرسمية يصل متوسط الفاقد في الخضروات والفاكهة إلي 25%، وهو ما يعني خسائر متعددة تصل إلي 25% من المقننات المائية لهذه المحاصيل، وتأثيرها علي جودة بقية المنتج، والمخاطر التي تمتد من تأثير الفاقد علي باقي سلسلة التداول والتسويق لنسبة 75% الأخرى التي تم تداولها .

وللأسف فإنه في الوقت الذي يزداد فيه الطلب على المواد الغذائية في مصر، تزداد معدلات الفاقد والهدر، خاصةً فيما يتعلق بالمنتجات الأكثر عرضةً للتلف ومنها الفواكه والخضروات وهو ما حذرت منه منظمة الأغذية والزراعة «الفاو»،  في تقاريرها الدورية من وصول الفاقد والهدر من الخضراوات والفاكهة في مصر إلى 45-55% من الإنتاج السنوي.

ولذلك تلعب الأرقام دورا كبيرا في وضع استراتيجيات للحد من هذه الظاهرة إعتمادا علي عدد من المحاور منها دعم البنية التحتية والسياسات التنظيمية والممارسات الجيدة في الزراعة وما بعد الحصاد، والمشاكل المترتبة خلال نقل الغذاء وتوزيعه، وهو ما يستوجب توفير الاعتمادات المالية واللوجستية، وذلك علي المستوي الحكومي والتوسع في سياسات التصنيع الغذائي.

أما على مستوي المستهلك، فيجب علي الحكومة تنظيم حملات توعية للمستهلكين بمخاطر العادات والأعراف والتقاليد التي تتسبب في زيادة معدلات الاستهلاك والهدر في الخضروات والفاكهة وخاصة في المناسبات العامة والخاصة والأعياد الدينية والمناسبات الاجتماعية، أو علي مستوي الاستهلاك في الفنادق مما يرفع من فاتورة التخلص من هذا الفاقد فضلا عن مخاطرة الصحية والبيئية.

ويرتبط الهدر بظاهرة الخوف من ارتفاع الأسعار مما يدفع المستهلك وربة المنزل إلي تبني سياسات شراء كميات كبيرة من بعض الاغذية مثل البطاطس والبصل والطماطم ونتيجة لسوء التخزين في المنزل بسبب الكميات الكبيرة المخزنة بطريقة غير صحيحة مما يؤدي إلي فساد وهدر كميات كبيرة من هذه الاغذية قبل الاستفادة منها وهذا يعتبر هدر غذائي منزلي بنسبة كبيرة، فضلا عن انتشار ثقافة العروض فى السوبر ماركت المشهورة  وأسواق الجملة، دون التأكد من الإحتياجات الفعلية لاستهلاك هذ الفواكه والخضروات علي مدار الأسبوع.

ويجب أن تشمل برامج الحد من الهدر في الفاكهة على مستوي الأفراد والمواطنين التوسع في برامج تخزينها بطريقة ملائمة من أجل إعادة استعمالها في وقت لاحق، والتوعية بعدم الإكثار من تناول الفاكهة وأضرار الإسراف في الاستهلاك، إيمانا بمبدأ «الشيء إذا زاد عن حده إنقلب إلى ضده» أي التحول من المنافع إلى الأضرار، فضلا عن البحث عن تطبيق منظومة للإدارة الجيدة لتداول الفاكهة من خلال تحويل الفائض عن إحتياجات الإستهلاك إلي عمليات تصنيع منزلية مثل عمل مركزات عصائر أو مربات أو شراب فواكه.

وهذه المقدمات تدعونا للبحث في المزيد من الحلول لإدارة سلسلة تداول الفاكهة والتي تبدأ بعد حصاد الفاكهة أو الخضروات والتي تشمل اعتماد أساليب متطورة لنقل الفاكهة وتوزيعها بمختلف أسواق البيع والمحال والأسواق المركزية مع وجود منظومة للتبريد في هذه المواقع تضمن الحد من الفاقد والالتزام بضوابط للتعبئة بطرية صحية آمنة.

وعلى الرغم من خبرات المرأة وخاصة الريفية في مصر فيما يختص بعمليات الشراء والإعداد والطهي والتخزين للغذاء إلا أن کميات الغذاء المهدر داخل المنزل كبيرة بسبب ثقافة الإسراف بدعوي «الكرم المصري». مما يستدعى ضرورة دراسة سلوكيات المرأة المصرية المتعلقة بهدر الغذاء وخاصة الفاكهة للاستعانة بها کمؤشرات فى تخطيط البرامج الإرشادية التي تنفذها وزارة الزراعة من خلال قطاع الإرشاد الزراعي والجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني الموجهة لرفع مستوى وعيهن وتحسين مهاراتهن وتعديل اتجاهاتهن المتعلقة بعمليات تعاملهن مع الغذاء خلال مراحله المختلفة بدءا من الشراء وحتى الاستهلاك، مع ضرورة التسوّق بذكاء وحكمة من خلال وضع قائمة تسوّق مفصلة بالمكونات المطلوبة وتجنب الإفراط في الشراء.

ليس فهذا بحسب ولكن من الضروري، التعاون بين جهاز الإرشاد الزراعى و المؤسسات الحكومية والأهلية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية بهدف تقليل الفاقد والمهدر من الغذاء إلى أدنى حد «ممکن» مما يسهم فى حل قضايا الجوع والفقر وتحقيق التنمية الغذائية المستدامة فى ضوء أهداف استراتيجية التنمية الزراعية المصرية 2030.

لذلك فإنه يجب تلخيص خارطة طريق يتم تنفيذها بالتعاون بين الأجهزة الحكومية والوزارات المعنية ومنظمات المجتمع المدني من خلال هذه الآليات:

  • تطوير منظمة النقل والتخزين والتبريد لمختلف محاصيل الخضروات والفاكهة.
  • تنفيذ برامج توعية بمخاطر الإسراف في الإستهلاك .
  • برامج توعية للإستفادة من الفاقد من هذه المنتجات من خلال عمليات تصنيع علي المستوي الصناعي مثل تنفيذ عمليات تجفيف للطماطم والمانجو والمحاصيل القابلة لأنظمة التجفيف وتسويقها محليا وخارجيا.
  • برامج توعية للمرأة المصرية تكشف عن تكلفة أرقام الفاقد وتأثيره اقتصاديا بكلفة إقتصادية دقيقة وتكلفة بيئية من خلال تسببه في رفع معدلات التلوث وانعكاسه علي تكلفة الأعباء الصحية التي تتحملها الدولة سنويا بسبب التلوث الناتج عن الفاقد وتسببه في إنتشار الأمراض التي تهدد الصحة العامة.
  • برامج لتحديد الإحتياجات الفعلية لأفراد الأسرة من الفاكهة والخضروات يوميا وكيفية تطبيق الممارسات الجيدة خلال التخزين في الثلاجات للحد من الفاقد.
  • تبني سياسات المشروعات الصغيرة المنزلية بتزويد المرأة بمعدات تصنيع صغيرة للإستفادة من الفاقد وإعادة تصنيعه.
  • التحديث الدوري لأرقام الإنتاج الزراعي والإستهلاك وتدقيق بيانات الهدر في تداول الخضروات والفاكهة.
  • التوعية بتأثير هدر هذه المنتجات علي الأمن المائي والغذائي في ظل محدودية الموارد المائية المصرية.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى