د اسامة سلام يكتب: الزراعة وقيمـة المياه والتراكيب المحصولية
كيف تختار التركيب المناسب للحصول علي اعلي عائد من وحدة المياه بالتوازي مع خطط الامن الغذائي
خبير الموارد المائية
تمثل المياه نحو 60%من مكونات الجسم البشري ويتناول الشخص العادي أغذية تستهلك نحو 3000 لترا لريها وانتاجها ونحن جميعا نجمع على أن المياه “مورد قيّم” بحق. والسؤال الذي يطرح نفسه هل فكرنا في قيمة المياه؟
وفي هذه الحالة لابد أن نفصل بين سعر المياه وقيمة المياه. إن مثل هذا السؤال ربما كان سؤالاً علمياً قبل 15 عاماً، حينما كان ينظر الى المياه على أنها بضاعةً عامة مجانيةً أو على الأقل ذات ضئيلةَ التكاليف.
أما الآن، وفي ضوء الندرة المتزايدة لهذا المورد الذي أصبح شحيحا، والتنافس المتزايد من جانب مستخدمي المياه للأغراض الصناعية والمنـزلية، والتحذير من تدهور النظم البيئية والإيكولوجية، فإن التقويم الاقتصادي لاستخدام المياه في الزراعة ومعرفة قيمتها يبرز بصورةٍ متسارعة كقضية رئيسة في مجال إدارة موارد المياه.
وفي مارس 2021 تم إطلاق التقرير بالتزامن مع اليوم العالمي للمياه، وهو يوفر لصانعي القرار المعرفة والأدوات اللازمة لصياغة وتنفيذ سياسات المياه المستدامة.
كما يقدم أفضل الممارسات والتحليلات المتعمقة لتحفيز الأفكار والإجراءات من أجل إشراف أفضل في قطاع المياه وخارجه ويصنّف التقرير المنهجيات المعتمدة في تقدير قيمة المياه ضمن عدد من التصورات المترابطة والتي من أهمها:
• مـصـادر المياه،
أي الموارد المائية والنظم الإيكولوجية في المنطقة.
• البنية الأساسية لتخزين المياه، أو استخدامها، أو إعادة استخدامها، أو زيادة الإمداد بها.
• خدمات المياه، وبصورة رئيسية مياه الشرب والصرف الصحي وما يتعلق بها من جوانب الصحة البشرية
• بوصفها مُدخلاً من مدخلات الإنتاج والنشاط الاجتماعي-الاقتصادي، من قبيل إنتاج الغذاء والزراعة، والطاقة والصناعة، والأعمال التجارية والعمالة.
• القيم الاجتماعية-الثقافية للمياه، بما في ذلك السمات الترفيهية والثقافية والروحية.
ولكن ماذا تعني “القيمة” في هذا السياق؟
ما هي “القيمة” التي تمثلها المياه؟
هذه هي بعض من الأسئلة التي تناولها تقرير الأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية في عام 2021. حيث يُعد الاعتراف بقيمة المياه وقياسها والتعبير عنها، وإدماجها في عملية صنع القرار، أمراً أساسياً لتحقيق إدارة مستدامة وعادلة للموارد المائية وأهداف التنمية المستدامة (SDGs) لخطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة لعام 2030.
ورغم أنه يتم تعريف مصطلح “القيمة” وعملية التقييم بشكل جيد، الا أن هناك العديد من الآراء ووجهات النظر المختلفة حول ما تعنيه قيمة المياه على وجه التحديد لمختلف مجموعات المستخدمين وأصحاب المصلحة.
لذا فالسؤال الأهم هو “قيمة لمن؟” وتطرق التقرير الى أن هناك طرق مختلفة لحساب القيمة ومقاييس مختلفة للتعبير عنها. ولذا تصبح مسألة كيفية تحديد القيمة مسألة أساسية.
إن مصطلحات “السعر” و”التكلفة” و”القيمة” ليست مترادفة بأي حال من الأحوال كما هو موضح في التقرير في حين أن المصطلحين الأولين يمكن قياسهما بسهولة من منظور اقتصادي قائم على النقد (الأموال) في المقام الأول، فإن مفهوم القيمة يشمل مجموعة أوسع بكثير من الفوائد غير الملموسة في كثير من الأحيان.
بينما يمكن القول إن التقييم النقدي أسهل من معظم الأساليب الأخرى، وله ميزة استخدام مقياس مشترك يمكن من خلاله مقارنة قيم الاستخدامات المختلفة من الناحية الكمية، إلا أنه يمكن أن يؤدي إلى التقليل من قيمة أو استبعاد الفوائد التي يصعب تقييمها نقدياً.
وسوف نركز في هذه المقالة على تقييم المياه بوصفها مُدخلاً من مدخلات الإنتاج الزراعي حيث تشير التقارير أن الزراعة تستخدم 70% من المياه العذبة المستخرجة من المصادر الطبيعية عالمياً وفي نفس الوقت تعتبر عوائدها الاقتصادية الكلية هي الأقل. وقد أدت تلك الحقائق إلى ظهور مصطلحات “أسواق المياه” والتي تقوم، بمعاملة المياه كسلعةٍ اقتصادية، وذلك بتحويل المياه من الاستخدامات قليلة القيمة الى الاستخدامات عالية القيمة – أي من الزراعة المروية الى زراعة البساتين الأعلى قيمة، ومن مناطق الريف عموماً الى القطاعات الصناعية والحضرية.
وتكون حجتهم في ذلك هي أنه نظراً لتفوق الطلب على العرض عند التعامل مع المياه كبضاعةٍ مجانية، فإن السوق سوف “يجعل العرض والطلب في حالة توازن” كما أنه – في بعض الحالات – سيخفف من الآثار الضارة بيئياً للاستغلال المفرط للمياه.
تعدّ القيمة المعطاة للمياه في إنتاج الغذاء منخفضة بوجه عام مقارنةً بالاستخدامات الأخرى. وهي عادة منخفضة جداً (عادةً أقل من 0.05 دولار أمريكي بالمتر المكعب) في الأمكنة التي تستخدم فيها المياه لري الحبوب الغذائية والعلف، بينما قد تكون مرتفعة نسبياً بنفس درجة حجم القيم الخاصة بالاستخدامات المنزلية والصناعية في المحاصيل العالية القيمة من قبيل الخضروات والفواكه والأزهار.
ولا تأخذ تقديرات قيم المياه المخصصة لإنتاج الغذاء في الاعتبار عادة سوى الاستخدام المباشر والمفيد اقتصادياً للمياه أي القيمة بالنسبة إلى مستخدمي المياه، أما الكثير من الفوائد الأخرى المباشرة وغير المباشرة المرتبطة بالمياه، التي قد تكون اقتصادية أو اجتماعية-ثقافية أو بيئية، فتظل غير محتسبة أو تحدَّد كمياً بصورة جزئية فقط.
ومن الفوائد الأخرى التي يجب تقييمها كما ورد بالتقرير:
• فوائد تحسين التغذية، واستيعاب التحوّلات في أنماط الاستهلاك
• إيجاد فرص العمل، وتوفير مرونة في سبل كسب العيش، لا سيّما لصغار المزارعين
• المساهمة في التخفيف من حدة الفقر وإحياء الاقتصادات الريفية،
• دعم التخفيف من حدة تغير المناخ والتكيف معه.
أما قيمة الأمن الغذائي للمياه فهي مرتفعة جدا، لكن نادراً ما يجري تحديدها كمياً – وغالباً ما تعتبر ضرورة سياسية بغض النظر عن القيم الأخرى.
ويمكن تنفيذ عـدد من استراتيجيات الإدارة التي يمكن أن تزيد إلـى أقصى حد القيم المتعددة للمياه المخصصة لإنتاج الغذاء، بما في ذلك تحسين إدارة المياه في المناطق المروية بالأمطار؛ والانتقال إلى التكثيف المستدام؛ وتحديد مصادر المياه المخصصة للزراعة المروية، ولا سيما المصادر الطبيعية وغير التقليدية؛ وتحسين كفاءة استخدام المياه؛ وخفض الطلب على الغذاء وعلى استخدام المياه الناجم عنه؛ وتحسين المعارف المتعلقة باستخدام المياه لإنتاج الغذاء وفهمه.
يمكن أن يساهم تعزيز الأمن المائي لإنتاج الغذاء في نظامي الزراعة البعلية والمروية في الحد من الفقر وسد الفجوة بين الجنسين بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وتشمل الآثار المباشرة زيادة العائدات؛ وتقليل أخطار عجز المحاصيل وزيـادة تنوعها؛ وارتفاع الأجـور بفضل تحسين فرص العمالة؛ واستقرار الإنتاج.
المصدر: التقرير العالمي للأمم المتحدة عن تنمية الموارد المائية “قيمة المياه” 2021