الأخبارالانتاجالمبيداتمصر

د هالة أبو يوسف تكتب: دور «المعلوماتية الحيوية» في دراسة تأثير المبيدات على الكائن الحي

وكيل المعمل المركزى للمبيدات – مركز البحوث الزراعية

إن إستخدام التقنيات الحديثة في البحث العلمي أصبح ضرورة ملحة في العصر الحديث نظراً لما يشهده العالم من تطور متسارع في جميع فروع العلوم، كما أنه أصبح أمراً لا غنى عنه لمواكبة التغيرات غير المسبوقة التي تحدث نتيجة ظهور إكتشافات حديثة وطفرات عديدة في شتى المجالات العلمية خلال فترات زمنية متقاربة، خاصة مع ظهور تقنيات مستحدثة تستطيع الربط بين فروع العلوم المختلفة لتفسير وفهم المستجدات التي من شأنها تلبية الحاجة المتزايدة للمعرفة من أجل تطوير حياة البشرية والإرتقاء بها، ومن التقنيات الحديثة التي يجدر الإشارة إليها والتي ظهرت مؤخراً على الساحة العلمية تقنية “المعلوماتية الحيوية”  Bioinformatics، وهي تخصص علمي حديث النشأة يجمع بين علوم المعلومات البيولوجية والرياضيات، وذلك بهدف رصد التغيرات الحيوية بجميع أنواعها مثل (الحمض النووي، والبروتينات والإنزيمات) حيث يتم تحليل ما يطرأ عليها من تغيرات والإستفادة من ذلك في الأبحاث العلمية والتطبيقات التكنولوجية المختلفة، ويتم ذلك من خلال إستخدام الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) للدخول على قواعد البيانات التي تساهم في تحليل المدخلات وربطها بمثيلاتها المسجلة في قواعد البيانات العالمية.

“المعلوماتية الحيوية” هي إحدى التقنيات الحديثة التي ظهرت فى أواخر ستينيات القرن الماضي، حيث بدأت بوضع خريطة للتتابعات البروتينية لمجموعة من البروتينات الفيروسية، وقد تم ذلك من خلال تصميم برنامج حاسب آلي للبحث عن نقاط التشابه والإختلاف بين التتابعات الجينية والبروتينية المختلفة، ويعد هذا البرنامج بمثابة نقطة انطلاق قوية لتطوير علم “المعلوماتية الحيوية”، ومنذ ذلك الحين بدأ أستخدام هذه التقنية الحديثة من خلال تطبيقات الحاسب الآلي.

وتستخدم مناهج “المعلوماتية الحيوية” في أغلب الأحيان في التجارب الضخمة التي ينتج عنها مجموعات هائلة من البيانات، وكذلك في التطبيقات المهمة ذات النطاق الواسع والتي تستخدم الدراسات الجينية وعلم البروتينات الوراثي، وقد كانت بداية إستخدامها في مشروع “الجينوم البشرى”، ثم أصبحت ذات تطبيقات واسعة وهامة.

وبعد أن أصبح هذا العلم أكثر أهمية وإنتشاراً، تم إستخدامه في دراسة التركيب والوظيفة لجميع البروتينات في الكائن الحي حيث يمثل أسلوباً مختلفاً وحديثاً بل ومشوقاً لحل المشاكل البيولوجية، وبما أن الحاسب الآلي وقواعد البيانات المتعددة أصبحت من الأدوات الضرورية والأساسية لجميع الباحثين في البحوث البيولوجية، فإن الإستعانة بهذه التقنية يساهم بدور كبير في الحصول على نتائج أكثر دقة ووضوح، ومن أهم أدوات هذا العلم في تحليل البيانات البرمجة بمختلف لغاتها التي تدخل في إنشاء وإدارة وتحليل مختلف المواقع الإليكترونية وتطبيقات الحاسب الآلي وقواعد البيانات، كما تساعد في إيجاد أدوات وأساليب علمية لتحليل البيانات الجينومية (علم الجينوم ) والبروتينية (علم البروتين)  لفهم النظم البيولوجية المعقدة وإيجاد الحلول التى تساعد فى تحليل الظواهر البيولوجية وإقتراح الحلول العديدة لإنتقاء الأنسب بل والأمثل منها.

فإن مجال “المعلوماتية الحيوية” من المجالات التي تجمع بين المهتمين بالعلوم الحيوية وعلوم الحاسب الآلي، حيث يجد كلاهما شغفاً كبيراً لتعلم هذا المجال، حيث أصبح لتطبيقات الحاسب الآلي قدرة فائقة في تحليل البيانات التي يتم الحصول عليها من العديد من المصادر ومنها البحوث التي يتم إجراءها لتفسير التغيرات التي تحدث في النظم الحيوية للكائنات الحية نتيجة تعرض الكائن الحى لمؤثرات خارجية تؤثر على العمليات الحيوية، ولقد كان الباحثين يستخدمون الأحصاء لعقد المقارنات وتفسير النتائج المتحصل عليها نتيجة تأثير المؤثرات الخارجية على الكائن الحى.

وبما أن المبيدات بأنواعها المختلفة سواء الكيميائية أو الحيوية أو حتى المستخلصات النباتية تؤثر على النشاط الإنزيمى والمحتوى البروتينى وبالتالي على الحمض النووي للكائن الحي، ولدراسة التغيرات البيولوجية وتفسيرها وفهم طريقة تأثير المبيد وتحديد مساره داخل الكائن الحى يتم تصميم البرامج المتعددة،

وبما أن التركيب الوراثى للكائن الحى يحمل شفرة كاملة لتركيب ووظيفة المجموعة الكاملة من البروتينات ، فإن دراسته تحتاج الى الأستعانة بالمعلوماتية الحيوية التى تساهم في شرح وتفسير التغيرات الناتجة عن المؤثرات الخارجية، ومنها التعرض للمبيدات أثناء مكافحة الآفات الزراعية والتي تعتبر من الممارسات الهامة لتجنب الفقد في المحصول والحفاظ على جودته وذلك حتى يتم توفير الغذاء اللازم وتلبية الأحتياجات الأساسية للإنسان والحيوان، وحتى تتحقق التنمية المستدامة والتى تعنى تلبية إحتياجات الحاضر دون الإخلال بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها.

بالرغم من أهمية الدور الذي تلعبه المبيدات في مكافحة الآفات إلا أن الإستخدام المكثف وعدم إتباع الأسلوب العلمي في التطبيق أدى إلى ظهور العديد من المشاكل منها ظاهرة مقاومة الحشرات لفعل هذه المبيدات. والتي تعني إستعمال جرعات أعلى من نفس المبيد وعلى فترات أقصر أو إستعمال مبيد آخر، ونظراً لانتشار وزيادة ظاهرة مقاومة الآفات الزراعية للمبيدات تم الأستعانة بتقنية المعلوماتية الحيوية لدراسة التغير الجينى وتحليله وتفسير التغيرات الحيوية التي تساهم في تجنب ظاهرة المقاومة وذلك بإستخدام المبيد بالجرعات والتوقيتات التي تساهم في الحفاظ على أستمرار فاعلية المبيد .

وبالنسبة للمجال الزراعي والبيئي، فإن تقنية “المعلوماتية الحيوية” تساهم في تطوير المحاصيل الزراعية وتحسين جودة الأغذية ، بالإضافة إلى العديد من التطبيقات الأخرى المفيدة في هذا المجال لتصبح تحديث هام وضرورى لمواكبة أحدث التطورات العلمية .

ويولي المعمل المركزى للمبيدات  التابع لمركز البحوث الزراعية هذه التقنية اهتماماً كبيراً كنقلة نوعية وعلمية هامة لمواكبة التطور العلمى من أجل الأستخدام الأمثل والفعال لمبيدات الآفات الزراعية وأيضا للوفاء بمتطلبات المنظمات الدولية والهيئات المتخصصة، والمعمل بصدد تطبيق هذه التقنية في الأقسام البيولوجية بالمعمل والتي تعد معامل فريدة تعمل في ظل بيئة علمية متميزة

ويمكن تطبيق هذه التقنية من خلال إجراء البحوث والدراسات الخاصة بطريقة تأثير المبيدات على الآفات المختلفة (الحشرية والفطرية والنيماتودية والحشائش)، حيث يضم المعمل عدة أقسام متخصصة لامثيل لها فى مصر والشرق الأوسط وأفريقيا،

تشمل أقسام التقييم الحيوى، مقاومة الآفات للمبيدات، المبيدات النيماتودية والفطرية، التربية القياسية للآفات، سمية المبيدات للنباتات وأيضا سمية المبيدات للكائنات الحية، وجميعها أقسام تقع ضمن الهيكل التنظيمى للمعمل منذ إنشاءه.

كما أن لها دور حيوي وفعال في أداء المعمل لرسالته العلمية السامية على أكمل وجه من خلال كوادر علمية متخصصة يمكنها تطبيق هذه التقنية التي تساهم بشكل كبير في فهم ميكانيكية فعل المبيد في مكافحة الآفات، وبما يؤدي قطعاً إلى حدوث نقلة نوعية في برامج مكافحة الآفات استناداً إلى نتائج هذه الدراسات وتحقيقاً للمعادلة الصعبة التي تكمن في القدرة على ترشيد استهلاك المبيدات والحصول على أفضل النتائج في مكافحة الآفات في أقصر وقت وبأقل جهد ممكن.

أن دعم هذه الرؤية الحديثة سيكون له دور أيجابى ومؤثر فى تطوير المعمل المركزى للمبيدات بما سيعود بآثار إيجابية على صحة الإنسان والحيوان والبيئة والحفاظ على سمعة الصادرات الزراعية المصرية إلى الخارج دعماً للإقتصاد المصرى.

 

Back to top button