محمود البسيوني يكتب: شأن داخلي
كاتب صحفي – مصر
كان من المفترض
ان تمضي طفولته كأي طفولة آخري
يمسك بالورقة البيضاء والألوان
ليضع الخطوط لأمواج بحر وقارب شراعي يسير بهدوء
تحت أشعة شمس ضاحكة
أو
قد يأتي بالخشب والخيوط والورق
ليصنع طائرة تعلو في السماء ويتمايل شراعها
وسط نسمات الصيف الباردة.
كان حقا من أبسط حقوقه
ان تظل جدران الفصل بمدرسته كأي جدران اخري
تحمل رسومات لشخصيات كارتونية مفضلة
أو حروف ابجدية كبيرة الحجم ……ملونة
كان حقا من أبسط حقوقه
ان تظل تلك النوافذ الزجاجية مغلقة كأي نوافذ اخري
منعا لتسرب هواء الشتاء القارس
اليه.
هل كان من العدل ؟
ان تتساقط الصواريخ من سماء مدينته
وتنشب الحرائق في السوق القديمة والساحات ؟
وهل كان من العدل أيضا ؟
ان تتساقط احجار الأسوار حول القلعة المنيعة
وتتسلل السيارات المعدنية الصغيرة
وتعبر الجبال والحدود خلسة لتصل
اليه؟
لقد مضت سنوات وخمدت نيران الحرب
وتناسي الجميع ما حدث
ولكني ما زلت اتساءل عن مصير هذا الفتي؟
هل من الممكن ان تعود اليه غريزة البقاء وقد تركها وسط الغارات علي ارض من الأسمنت محطمه ؟
هل من المحتمل ان تكون رسوم الجدران قد عادت بعد ان اختفت تحت اثار الطلقات والدماء ؟
وان تكون قطع زجاج النوافذ المتناثرة التحمت من تلقاء نفسها ؟
وماذا عن تلك المدينة متعددة الثقافات ، والتي طالما اتسع فضاؤها للجميع
هل ستظل هكذا في صراع من اجل البقاء
للأبد ؟
لقد اصابت الكوارث جدود الفتي
واستقر الخوف في المدينة وفي قلوب اهلها لعقود من الزمن
أنهكتهم الحروب علي مر العصور
ولكنهم مازالوا قادرين علي الحياة والصمود
لذلك فانا علي يقين تام انه في الغد القريب
سيترك الفتي الخوف جانبا وسيجد غريزة البقاء
وسيبدأ من جديد في ترميم الهوية
واعادة رسم التاريخ