محمود البسيوني يكتب: الرحيل والحياة ومشاهد الصدق
كاتب صحفي – مصر
صوت عقارب الساعة حاد كنصل السكين يقطع هدوء الشفق ، وعلي الرغم من مرور الوقت
لم يطفو الحزن علي السطح ، ومازال يختبئ في اعماق الصدر ، اما مشاعر الفراق لم تضعف
ظلت قوية كقبضه يد تعتصر القلب.
مرت سنوات ، ومازال يحمل بذاكرته تفاصيل دقيقة ، ومازالت عيناه تحتفظ بالنظرات الصامتة
وهي تعلن عن الرحيل عن هذا العالم ، علي فراش الموت كان ابيه في منتهي القوة. اما هو
فكان في منتهي الضعف.
علي الرغم من ان الوقت قد أسعفه ليلتقوا في منتصف الطريق ، سيظل شيئا بداخله لن يهدأ ولن تذوب اثقال الحزن الراكد بأعماقه . فلم يسعفه الوقت ليقول ان سنوات من العناد قادته الي المضي في طريق آخر والحرص الشديد علي ابقاء المسافة التي رسمها بين طريقيهما.
ولم يسعفه الوقت أيضا ليعترف له بان الاستقلال لم يكن سوي تمرد علني ، ضد مستقبل آمن، مرسوم ، واضح الملامح وحياة لم يعيشها بعد
لن يتمكن من الاعتراف لأبيه بانه مدينا له بكل شئ وانه سيحتفظ بأفكاره ومبادئه وأرثه في مكان آمن لن يتمكن احد من المساس بهم وسيظل صوت عقارب الساعة حاد كنصل السكين يقطع هدوء الشفق حتي يتمكن من معرفة حقيقة الأسوار التي قام ابيه ببناءها حوله ، هل كانت بسبب ان يظل قريبا منه ام ليمضي في خطواته وإيجاد طريقه الخاص في هذا العالم بعيدا عنه.