د طاهر صلاح الدين يكتب: إستراتيجية الزراعة والغذاء وقت الحروب
أستاذ في جامعة نيويورك – الولايات المتحدة الأمريكية
أظهرت الحرب الأوكرانية هشاشة المنظومة الزراعية والغذائية على مستوى العالم والتي ظهرت جلياَ ليس فقط في الزيادة الجنونية لأسعار الغذاء في فترة قصيرة، ولكن في عدم توفر الغذاء من الاساس.
وتعتبر الاحداث الأوكرانية بلونة اختبار لما سيحدث عالمياَ في حالة نشوب حرب عالمية ثالثة والتي ستكون مختلفة تماماَ بكل المقاييس عن الحربين العلميتين الأولى والثانية.
ولا أحد يختلف في أن توفر الغذاء اثناء الازمات الدولية مشكلة خانقة لاستقرار الحكومات وحتى الدول وذلك لأن الغذاء يعتبر أهم عنصر لمقومات حياة الانسان ولذلك يعتبر الامن الغذائي من اهم عناصر استقرار المجتمعات.
سلسلة الغذاء تبدأ بالمنظومة الزراعة، فلا يوجد غذاء بدون زراعة ولا يمكن الاعتماد على التجارة وشراء الغذاء من الخارج لان ذلك قد يصلح فقط للدول الغنية قليلة التعداد السكاني او قد يحل مشكلة مؤقته.
ولكن المشكلة وقت الحروب ان كل الدول لديها مشاكل نقص الغذاء ولن تسمح بتصدير الغذاء للدول الأخرى ناهيك عن اضطراب التجارة العالمية والنقل.
والامر المهم ان جميع الدول تتأثر بغض النظر عن القرب او البعد عن مناطق الحروب. وحقيقة الامر ان المشكلة الحقيقية ليست في زيادة أسعار الغذاء، فهذه الزيادة ناتجة في الأساس عن قلة المعروض في الأسواق. وتوفر الغذاء يقع على عاتق المنظومة الزراعية تماما.
كما ان الجيوش تتحمل مسؤولية الدفاع وحماية البلاد والشعوب. وبما ان العالم على اعتاب حقبة جديدة على الأقل من عدم الاستقرار والتي سوف تمتد اثارها على جميع الدول لسنوات، فإنه من الأهمية بمكان للمنظومة الزراعية ان يكون لديها سياسة وخطة زراعية واقعية ومرنة لمواجهة التحديدات المختلفة.
كيف ذلك؟
يتم ذلك من خلال إعداد خطة حرب أو خطة طوارئ، حتى لو لم تكون الدولة نفسها مشتركة في الحرب، ولكنها بالتأكيد سوف تتأثر بها.
وعبر التاريخ المصري القديم رأينا الفلاح المصري بأدوات الزراعة البسيطة المرسومة على جدران المعابد بجانب الجنود على العجلات الحربية وكأنهم يريدون أن يبلغوا الأجيال القادمة أن قوة البلاد وسلامتها وامنها وبقاء شعوبها في قوة الجيش الحربي والجيش الزراعي.
والجدير بالذكر أن خطة واستراتيجية الزراعة والغذاء للدول في الظروف العادية تختلف تماما عن وقت الحروب من حيث المدة والتحديات.
بالإضافة الى ذلك لا بد ان تكون استراتيجية استثمارية وطنبة من الدرجة الأولى من حيث اليات التنفيذ وسرعة الإنجاز وذكاء الإدارة.
ومن الملفت للنظر في فترة الحروب ان رؤوس الأموال تتجه للاستثمار في قطاع الزراعة والغذاء جنبا الى جنب قطاع الطاقة والسلاح.
ولابد من ان يستغله القطاع الزراعي في البلدان التي بها استقرار مثل مصر وان يحقق طفرة إنتاجية واستثمارية غير مسبوقة.
وهذا الامر لا يحتاج الى تكنولوجيا معقدة يصعب الحصول عليها، فقط إرادة سياسية وبالتأكيد متوفرة وإدارة عملية وهذا الفلاح المصرى بخبرته المتوارثة من قديم الاذل والأرض الطيبة الخصبة والنيل الذي لم ولن ينضب ابدا.
حمي الله مصر قيادةّ وشعباّ.