د عاطف كامل يكتب: الأمومة في الحيوانات والتعامل الإنساني
خبير دولي في الحياة البرية – مصر
غريزة الأمومة فطرة موجودة في الحيوان ولا تقل عن الإنسان فإن مشاعر الأمومة هي الأقوى، لذا نجدها من أقوى الغرائز وهي التي تُعطي الأنثى القوة والقدرة على تحمل عذابات وأعباء رعاية صغارها، كما تُساعدهم وتحتويهم بكل حُب وحنان لتعبر بهم إلي بر الأمان ويستطيعون مواجهة الحياة بثبات واتزان.
وترى عجيب خلق الله في أمر الأمومة في الحيوان ، والأمومة شيء عظيم جداً وتحمل هذه الكلمة معاني كثير من التضحية والتعب وتحمل المشقة والإيثار وغيرها من الصفات التي تتحلى بها الأمهات.
في الثدييات مثل شعبة الرئيسيات وشبيهة بالانسان كالشمبانزي والغوريلا وانسان الغاب والبابون والجيبون , وهي من اكثر الحيوانات ذكاء والسلوك لدى الحيوانات ينقسم الى قسمين السلوك الغريزي وهي علاقة الاسرة اوالمجتمع الحيواني ببعضه البعض والتزاوج الى الولادة والامومة فهي كالانسان تماما.
ولبقاء اي كائن خلقه الله وفطره على غريزة التزاوج والولادة والامومة حتى تتكاثر الانواع وتستمر. لذلك يعتبر الصيد الجائر تخريبا للمواطن الطبيعية لهذه الحيوانات مما يؤدي الى انقراضها فهي تتزاوج وتتكاثر وتحمي بعضها البعض والانسان يهاجمها ويدمر بيئتها وعموما الحيوانات فطرت على غريزة الامومة تماما كالانسان وبينها علاقات اجتماعية وتواصل مستمر.
وكثيرا ما نلاحظ ان امهات الحيوانات ترضع اطفال حيوانات اخرى, فغريزة الامومة هي المحرك لهذه الام بحيث تختفي العداءات والعوائق بين بعض الحيوانات المتنافرة فسبحان من فطرها على هذه الغريزة ولو ضربنا مثالا عن السلاحف البحرية نراها تذهب الى اليابسة وتدفن بيضها في الرمل, وتعمل عدة حفر وهمية حتى لا تتعرف الحيوانات الاخرى او الانسان لموقع بيضها بالضبط, فهي بذلك تستخدم الخداع حتى تحميه.
حماية البيض فمن الهمها هذه الحيلة, وما الذي يجعلها تحمي بيضها من العدو؟ انها حقا غريزة الامومة التي فطرها الله عليها, فهي تتصرف كالانسان بالضبط لحماية ورعاية صغارها, وهناك صورة اخرى تجسد الامومة عند الحيوان حيث نلاحظ التماسيح بعد التزاوج تدفن بيضها في الرمل بعد فترة وعندما يفقس البيض, الوحيدة التي تسمع صوت صغارها من تحت الرمل هي الأم فنراها تنبش الارض لتخرجها من الحفر وتنزلها الى الماء .
هكذا تتجسد الامومة بشكل غريزي عند التماسيح, فصلة الامومة واضحة عند سماع صوت صغارها فهذه روابط غريزية فطرها الله عليها, وهناك صورة اخرى من صور الامومة عند الحيوان فمثلا (أسماك البلطي) تبيض الانثى حوالي 300 بيضة, وبعد ان يفقس البيض وتخرج اليرقات, تتجمع كلها حول الام وتنتقل بها في المراعي البحرية بحثا عن الاكل.
وفي حالة وجود عدو مثل اسماك (البيرونا) المفترسة التي تهاجم الاسماك الصغيرة تفتح الأم فمها فتدخل جميع اليرقات فيه, وتقفل فمها دون ان تأكلها, وبعد ان تتأكد من زوال الخطر تفتح فمها وتعيد اليرقات الى الماء فما اعظم الامومة عند هذه الاسماك.
جميع هذه المواقف وغيرها الكثير الكثير مما يدل على الامومة الموجودة عند الحيوانات فالزرافة التي تولد وتظل طوال اليوم تتحرك بتحرك الشمس بحثا عن الظل لتحمي مولودها, وهذه انثى فرس النهر, اذا ما نزلت الى الحوض المخصص للسباحة تبدأ القاء الفضلات حتى يتحول لون الماء الى اللون الغامق وبذلك تحمي ابناءها تحت الماء فلا يمكن للاعداء مشاهدتها والهجوم عليها.
ولو تأملنا معا العقرب بعد ان يفقس البيض تحمل صغارها على ظهرها لمدة اسبوع على الاقل حتى تحميها من هجوم التماسيح او الحيوانات الاخرى, وحتى تقوي عضلاتها وتستطيع التحرك بنفسها. غريزة الامومة لديها جعلتها تتصرف بهذا الشكل مع اطفالها.
وفى عالم الطيور نلاحظ ان للطيور عوالم كبيرة, بينها تفاهم وانسجام لا حدود له, والامومة عند الطيور لها معان كثيرة فنلاحظ تغريد الام ونبرات صوتها عندما تجلب الطعام لابنائها وتنبهها لذلك يختلف عن تغريدها في حالة الخطر فنلاحظ عند الخطر تستقر الفراخ في اماكنها بلا حراك حتى يزول الخطر.
فكل نبرة من نبرات الام لها مدلول معين يفهمه الصغار, فغريزة الام هي التي تفسر هذه النبرات المختلفة وهذا نوع آخر من الطيورمثل الهدهد تفرز الأم نوعا من الروائح الكريهة على عشها حتى ينفر الاعداء منه حماية لصغارها, إن غريزة الامومة موجودة عند الحيوانات منذ الازل فهي موجودة تماما كغريزة الامومة عند الانسان, فالام الانسانة لا تتخلى عن صغارها وتعمل على حمايتهم وتربيتهم وتغذيتهم وكذلك الحيوانات فهي تماما مثل الانسان فهي تقوم بالدور الامومي كاملا, حتى انها يمكن ان تدافع عن صغارها حتى الموت.
ان الامومة عند الحيوانات لا تختلف عن الانسان وتنشأ رابطة الامومة بين الام ومولودها منذ الولادة وهذه الغريزة تجعل الطفل يتعرف على امه ويجعل الام تحافظ على صغارها بشكل غريزي فطرت عليه فهي لا تختلف عن الانسان في ذلك.
والحيوانات باختلاف اجناسها فمنها المجترات والخيول واكلة اللحوم والقوارض والطيور وجميعها لديها نفس الغريزة وكل منها تتصرف بدافع الامومة حسب متطلبات بيتها, فالخيول مثلا تلد اطفال كاملي الاجهزة وبما انها تعيش في بيئة برية وتعتمد على الحشائش.
نلاحظ ان الأم تبدأ منذ الولادة بتعليم صغارها المشي والاعتماد على النفس والالتحاق بالقطيع لحماية نفسها من الاخطار وهناك علاقة قوية بين الام وطفلها بحيث تعلم طفلها وتدربه وتغذيه مظهرة كافة معاني الامومة فالبقرة مثلا صعب الاقتراب منها في حالة الولادة خوفا على ابنها فهي تهاجم كل من يقترب منها وتبدأ بلحس مولودها لترطيبه وحمايته من العوامل الخارجية كما تعمل على تعليمه وتعريفه على ثدييها حتى يرضع منها وتساعده على الوقوف وتظل معه الى ان يصل الى مرحلة الفطام والوقوف والاعتماد على النفس.
ونتيجة لغريزة الامومة الموجودة بين الام وصغارها نلاحظ ان صغار الحيوانات تتعرف على امهاتها بطريقة غريزية, فالامومة موجودة بشكل كبير عند الحيوان كما هي عند الانسان تماما حتى في الرضاعة نلاحظ الاطفال الذين تموت امهاتهم لاي سبب ويتغذون من الحليب الصناعي تكون بنيتهم ضعيفة ونسبة الوفيات والامراض اعلى بينهم فحليب الام مناسب من ناحية درجة الحرارة وتوفره بغزارة وفي اي وقت بالاضافة الى كونه غذاء كاملا.
وكثيرا ما نحول في حالة وفاة الام ان تتبنى الصغار ام اخرى من نفس الجنس فتقوم بارضاع الصغار فغريزة الامومة تجعلها تعمل على ارضاع صغار غير صغارها, كما نلاحظ ان الامومة موجودة عند الحيوانات المفترسة بشكل قوي جدا لانها تلد صغارها غير كاملي النمو فتحتضنها حضانة كاملة فتعمل بكل جهدها لتوفير الاكل لها, وحمايتها من الاعداء وتكون اكثر حرصا على الاقتراب من صغارها, فصغارها تعتمد في هذه الفترة عليها في كل شيء وتتعلم كل السلوك من امها ولا تتركها حتى تعتمد على نفسها فغريزة الامومة موجودة بأشكال مختلفة عند الحيوانات ولكنها في النهاية فهي مثل الانسان تماما في خوفها على اطفالها ومداعبتها وتغذيتها وحتى الاهتمام بنظافتها.
وفى النهاية إنّ الامومة عاطفة فطريّة في الإنسان وفي الطّيور والحيوانات وفي كلّ الكائنات الحيّة .. وهي تعبير صادق عن حبّ الأمّ لصغارها والسّعي لإسعادها ومساعدتها على شقّ طريقها في الحياة.