د عاطف كامل يكتب: هل الحيوانات البرية تغير أشكالها وسلوكياتها للتكيف مع التغير المناخي؟
خبير دولي في الحياة البرية – مصر
تؤثر مسألة تأثير التغيرات المناخية على مختلف الكائنات الحية وخاصة علي الحيوانات البرية علي كوكب الأرض ومستقبلها. فقد كانت وما زالت موطنا لملايين الأنواع التي تطور بعضها وانقرض بعضها الآخر في الوقت الذي اضطرت فيه أنوع أخرى للتكيف مع تغيرات دراماتيكية متعاقبة في المناخ حصلت على مدى الخمسمئة مليون سنة الماضية.
ويعد الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية، أبرز الأزمات التي تواجه كوكب الأرض في الوقت الراهن ويحاول العلماء في أنحاء العالم إيجاد حل لتلك المشكلة التي تهدد الحياة على كوكب الأرض ومن ضمن الحيوانات المهددة على الأرض بسبب تغيرات الطقس والمناخ هي الحيوانات البرية. وتتصاعد درجات حرارة الجو باستمرار بسبب التغيرات المناخية، ما يضع العديد من الضغوط على كوكب الأرض، ويزيد من الظواهر المناخية المتطرفة كالأعاصير والفيضانات.
وبحسب دراسة جديدة نُشرت نتائجها في دورية “البيئة والتطور”، فإن تغير المناخ لا يؤثر على البشر فحسب، إذ يفرض على الحيوانات أيضاً أن تتكيف معه. وتشير الدراسة إلى أن بعض الحيوانات من ذوات الدم الحار تغير شكلها، بما في ذلك المناقير عند الطيور والأرجل وشكل الأذن، لتنظيم درجة حرارة أجسامها بشكل أفضل مع ارتفاع درجة الحرارة.
وتُناقش القمم المناخية المتتالية، ووسائل الإعلام، الطرق التي يُمكن استخدامها لمساعدة البشر على التغلب على آثار التغير المناخي، كما تناقش التكنولوجيات البديلة التي يُمكن أن تساعد على الحد من تلك الظاهرة.
إن الاحترار السريع الذي نعيشه اليوم الناتج عن الاستخدام المفرط للوقود الأحفوري، ينذر بحدوث تحول مهم في الظروف المناخية. وهو يتزامن على ما يبدو مع بداية انقراض جماعي مماثل لانقراضات سابقة ارتبطت بتغيرات في المناخ العالمي في فترات مختلفة من تاريخ الأرض.
ويتميز التغير المناخي الحالي بوتيرته السريعة مقارنة بالتغيرات السابقة، لذلك يتساءل العلماء هل يمكن للكائنات الحية بصفة العامة والحيوانات التي لا يمكن ترحيلها إلى المناخات الباردة بصفة خاصة أن تتكيف مع الظروف المتغيرة؟
تأثير تغير المناخ على الحيوانات
هناك بالفعل دلائل لا يمكن إنكارها على إن الحيوانات والطيور والنباتات تتأثر بتغير المناخ والاحترار العالمي في كل من توزيعها وسلوكها ما لم يتم تخفيض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشدة يمكن أن يتسبب تغير المناخ في انقراض ربع الحيوانات البرية والطيور والنباتات.
ويؤثر تقلب المناخ وتغيره على حياة وسلوكيات الطيور والحيوانات البرية بعدة طرق حيث تضع الطيور بيضها في وقت مبكر من العام عن المعتاد وتزهر النباتات في وقت أبكر .
ومع ظروف المناخ تخرج الثدييات من السبات مبكراً ويتأثر توزيع الحيوانات أيضاً مع اقتراب العديد من الأنواع من القطبين كرد فعل لارتفاع درجات الحرارة العالمية. كذلك تهاجر الطيور وتصل إلى أماكن تعشيشها في وقت مبكر ومناطق التعشيش التي ينتقلون إليها ليست بعيدة كما كانت في السابق وفي بعض البلدان لم تعد الطيور تغادر بعد الآن حيث يكون المناخ مناسباً طوال العام.
كذلك يمكن أن يتسبب ارتفاع مستوى سطح البحر بمقدار 50 سم فقط في فقدان السلاحف البحرية لشواطئها التي تعشيشها حيث تستخدم السلاحف أكثر من 30٪ من شواطئ الكاريبي خلال موسم التعشيش وستتأثر بذلك حيث تحتاج فقمة الراهب المتوسطية المهددة بالفعل بالانقراض إلى شواطئ لتربية صغارها عليها وقد يؤدي ارتفاع مستوى سطح البحر إلى تدمير المناطق الساحلية الضحلة التي تستخدمها الحيتان والدلافين سنوياً والتي تحتاج إلى مياه ضحلة لطيفة لتربية عجولها الصغيرة هناك. والسلاحف الخضراء التي تعتبر حساسة للتغيرات المناخية في درجات الحرارة التي يسببها الاحتباس الحراري ، ونظرًا لأن جنس صغار السلحفاة يعتمد بشكل اساسى على درجة حرارة الرمال التي توضع فيها بيضها ، فإن تغير المناخ له تأثير على تطور هذه السلاحف أيضًا.
وبالنسبة للدب القطبي هذا الحيوان الذي تم إدراجه في لائحة الحيوانات المهددة بالانقراض في الولايات المتحدة ، في عام 2008، حيث أن الجليد الذي يغطي القطب الشمالي ، تمت اذابته بنسبة 14٪ كل عقد ، نتيجة للاحتباس الحراري ، كما ان هذا هو مكان صيد الدببة القطبية ، فمع الانخفاض السريع في كمية الجليد ، إما أن تموت الدببة القطبية من الجوع ، أو أنها تبحث في مناطق أخرى عن الطعام والبقاء ، مثل الأرض.
أحدث الدراسات العلمية على الحيوانات والطيور البرية والتي حاولت تقديم إجابة لهذا السؤال قام بها علماء من معهد لايبنز لبحوث الحيوانات والحياة البرية في برلين، بالتعاون مع ستين باحثا من جميع أنحاء العالم، ونشرت في مجلة “نيتشر كومنيكيشن” في شهر يوليو/تموز الماضي.
وبحث العلماء في هذه الدراسة عن أدلة لحصول تغييرات فيسيولوجية أو سلوكية لدى بعض الحيوانات أو في حجمها، لاستيعاب ارتفاع درجات الحرارة ومتطلبات التأقلم مع تغير موعد حلول الفصول.
ويطلق علماء الأحياء على هذا النوع من الاستجابة: “التغيير الظاهري”.لكن، مؤلفة الدراسة والباحثة في جامعة ديكين الأسترالية، سارة رايدينج ترى أن “الوقت قد حان لندرك أن الحيوانات يجب أن تتكيف أيضاً مع هذه التغييرات”. فالظاهرة التي ساهمت البشرية بشكل أساسي في تفاقمها تحدث على نطاق واسع عبر مناطق جغرافية مختلفة واسعة وبشكل شديد التعقيد ومتعدد الأوجه، وفي وقت تستطيع فيه بعض الأنواع التكيف مع تلك الظاهرة، لا تستطيع أنواعاً أخرى الصمود في وجهها.
التكيّف مع الحرارة
الدراسات الجديدة أظهرت قدرة بعض الحيوانات من ذوات الدم الحار، خاصة الببغاء الأسترالي، على تغيير شكلها بسبب ارتفاع درجة حرارة الجو.وتوصل العلماء إلى أن الطيور بوسعها التأقلم مع ظروفها البيئية عند حدوث تغيرات مناخية، إلا أنها قد لا تكون قادرة على القيام بذلك بالسرعة اللازمة لتتزامن الهجرات مع بداية الإزهار الربيعي الذي يحدث قبل أوانه من سنة إلى أخرى، أو تعشش في وقت متزامن مع تكاثر الحشرات التي تمثل مصدر الغذاء الرئيسي لصغارها. وأظهرت عدة أنواع من الببغاوات الأسترالية، زيادة بنسبة بين 4 إلى 10% في حجم مناقرها منذ عام 1871، وهذا يرتبط ارتباطاً إيجابياً بدرجة حرارة الصيف سنوياً.
ويعتزم الباحثون التحقيق في تغيّر شكل الطيور الأسترالية مباشرة عن طريق المسح ثلاثي الأبعاد لعينات الطيور بالمتحف من الـ100 عام الماضية، ما يعطي فهماً أفضل للطيور التي تغير حجم الزائدة بسبب تغير المناخ. ووفقاً للباحثين، لا يعني اختلاف أشكال الحيوانات، تأقلمها مع تغير المناخ وأن كل شيء على ما يرام، فهذا يعني فقط أنها تتطور للبقاء على قيد الحياة.ولا يزال الباحثون غير متأكدين من النتائج البيئية الأخرى لهذه التغييرات، أو ما إذا كانت جميع الأنواع قادرة على التغيير والبقاء على قيد الحياة.
وفى النهاية يطرح السؤال بحسب الدراسات العلمية الجديدة والتي قام بها باحثون من ألمانيا بناء على تحليل دقيق لعشرة آلاف دراسة سابقة، هل يمكن للحيوانات البرية التكيف مع تغير المناخ؟ فإن الإجابة: نعم، قد تكون الحيوانات قادرة على التكيف، ولكن بوتيرة بطيئة، وهو ما لا يضمن استمرار وجودها في ظل الاحترار السريع الذي تعيشه الأرض اليوم.