الحرب الروسية الأوكرانية أطلت برأسها علي العالم فأضحت وبالا علي الأمن الغذائي العالمي، وتسببت في إنتشار المخاوف من ارتفاع معدلات الجوع بمختلف العالم، وضرورة التحول إلي نمط غذائي جديدا يبتعد قليلا عن إستهلاك القمح والتحول التدريجي نحو إستهلاك البطاطس لإنعكاس ذلك علي توفير حياة صحية أولا وتقديم غذائي صحي وآمن منخفض التكاليف إعتمادا علي خطة وطنية تحقق هذه الأهداف.
وأكد خبراء في مركز البحوث الزراعية أهمية مراجعة النمط الغذائي للمصريين وهو نمط مستحدث لا يعتمد علي تاريخ قديم، وذلك بإدخال منتجات البطاطس في جميع الوجبات الغذائية المصرية الثلاثة ولطلاب المدارس، مؤكدين ان مصر لديها ميزة نسبية في إنتاج عروات بطاطس علي مدار العام تقلل كثيرا من الإعتماد علي القمح ويساهم في تخفيض العجز في إستهلاك القمح فضلا عن مردوده الصحي مقارنة بمخاطر الإسراف في إستهلاك الخبز المصنوع من القمح وتسببه في إنتشار أمراض سوء التغذية والسمنة والضغط والسكر.
ووفقا لإحصاءات وزارة الزراعة فإن إنتاج مصر من البطاطس يتخطي حاجز 5 ملايين طن سنويا وتحتل مصر المرتبة رقم 14 عالميا في الإنتاج وفي حالة تطبيق الممارسات الجيدة في الزراعة والإنتاج والتداول يمكن إن يرتفع الإنتاج الكلي إلي 7 ملايين طن وتعادل حوالي 70% من إنتاج مصر من محصول القمح، وهو ما يكشف عن أهمية البطاطس كمحصول إستراتيجي هام يمكنه تخفيف الضغط علي إستيراد القمح من الخارج في ظل ما يشهده العالم من ارتفاع جنوني لأسعار القمح والحبوب ويساهم في توفير أكثر من مليار دولار في حالة تحقيق التوازن في إستهلاك القمح والبطاطس.
ولن يصدق الكثيرون من الناس انه يمكن لمحصول مصر من البطاطس أن يكون أحد المحاصيل الاستراتيجية الهامة التي تتجاوز قيمته الغذائية القمح نظرا للميزة النسبية لمصر في الإنتاج ويعد المحصول أحد أدوات الاقتصاد القومي المصري لتوفير بديل آمن يحقق الأمن الغذائي الذي ينشده المصريون، علي أن يتم ذلك من خلال تنظيم حملة قومية تشارك فيها كل الوزارات لتوحيد رسالة الدولة بأن البطاطس هو محصول غذائي وصحي يتهافت عليه الشعوب.
التجربة المصرية والتاريخ الدولي لمحصول البطاطس
علينا الإستفادة من تاريخ الشعوب في التعامل مع البطاطس حيث يقول المؤرخ الاوروبي ويليام ماكنيل إن كل حملة عسكرية على الأراضي الأوروبية بعد عام 1560 كانت تسفر عن زيادة في مساحات زراعة البطاطس لدورها في تحقيق الامن الغذائي والصحي
وزاد اهتمام الدول الأوروبية بالأطعمة الصحية ومنها البطاطس وإرتباطها بالأمن الغذائي، وأدركوا أن الدولة تستمد قوتها من قوة شعوبها. ومن ثم تغيرت الحسابات السياسية وزادت أيضا حظوظ البطاطس. وما دام الازدهار الاقتصادي والقوة العسكرية مرهونين بقوة الشعوب وكثرتهم العددية، فكان لزاما على الدولة دراسة المكونات الغذائية للأطعمة التي تتناولها شعوبها والإشراف عليها لتحقيق هذه الأهداف وكان البديل هو البطاطس.
وكتب المفكر الاسكتلندي آدم سميث في القرن الثامن عشر أن الطعام الذي ينتجه حقل بطاطس، أعلى قيمة مما ينتجه حقل من القمح. ولا يوجد طعام يضاهي البطاطس في قيمته الغذائية الواضحة ولا في أهميته لصحة البشر، وكان لافتا إن العلماء، من أمثال سميث في القرن الثامن عشر يضعون معايير للقيمة الغذائية تختلف عن معاييرنا الحالية. فكانوا يقولون “إن من يأكل البطاطس يبدو أقوى بنية وأشد بأسا وأكثر حيوية من غيره”.
وأشارت دراسة اقتصادية استعرضت معلومات من واقع سجلات الجنود الفرنسيين المولودين بعد عام 1700 إلى أن تناول البطاطس تسبب في إطالة القامة بنسبة طفيفية. إذ زاد معدل طول البالغين في القرى التي كانت تزرع البطاطس بنحو نصف بوصة، وهو ما يعني أن البطاطس يمكنها حل مشاكل التقزم لدي الأطفال والذي يشهد إنتشارا غير مسبوق في مصر.
ويري الخبراء ضرورة تغيير النمط الغذائي للمصريين يتم من خلال تقديم منتج استراتيجي مثل البطاطس في الوقت الحالي وعمل اكتفاء ذاتي، حيث ان لا يمكن مقارنة البطاطس “المحلية 100%” بمنتجات أخري مستوردة وأعلى في التكلفة واقل من في القيمة الغذائية مثل الخبز والأرز والمكرونة، مشيرين إلى أن أسعار البطاطس تقل عن مثيلاتها من الخبز الذي يعتمد على أسعار القمح الأعلى تكلفة بينما تعد البطاطس الأعلى في القيمة الغذائية.
وأشار خبراء الصحة إلى أن البطاطس تلعب دورا كبيرا في رفع كفاءة جهاز المناعة، حيث تتضمن الحبة الواحدة من البطاطس لمستهلكها 28% من الحصة اليومية لـ”فيتامين سي” و27% من الحصة اليومية للبوتاسيوم و12% من حصة المغنيزيوم اليومية، فضلا عن عدد من الفوائد الآخري منها حماية العظام حيث تحتوي البطاطس على الكثير من المغذيات الضرورية والمفيدة لصحة العظام، مثل الحديد والفسفور والكالسيوم.
ووفقا لهؤلاء الخبراء يساهم إستهلاك البطاطس في تعزيز صحة القلب حيث تضم البطاطس كمية مهمة من الألياف الغذائية والبوتاسيوم وفيتامين سي وب 6، وجميعها تعمل على تعزيز صحة القلب وحمايته من الأمراض، فضلا عن خفض خطر الإصابة بالسرطان: من أهم فوائد البطاطس أنها تعمل على خفض خطر الإصابة بالسرطان، وذلك من خلال احتوائها على الفولات، الذي يلعب دورا مهما في إصلاح الشيفرة الوراثية المتضررة في الجسم ومنع الخلايا السرطانية من الانتشار.
وأشار خبراء الصحة إلي أهمية إستهلاك البطاطس بضبط مستويات ضغط الدم حيث يساعد البوتاسيوم في توسيع الأوعية الدموية والحفاظ على استرخائها، الأمر الذي من شأنه أن ينعكس بشكل إيجابي على مستويات ضغط الدم، كما أنها تخفض خطر الإصابة بالالتهابات وتحمي من الإصابة بالإمساك، كما تعزز عملية الهضم في الجسم.