د عطية الجيار يكتب: مصر طريق العرب لتطوير الزراعة وطرق الرى فى افريقيا لتحقيق التنمية المستدامة

رئيس قسم بحوث ادارة الاراضي والمياه – معهد بحوث الاراضي والمياه والبيئة – جيزة – مصر
في القرآن الكريم آيات كثيرة تتصل بفلاحة الأرض وزراعتها واستغلالها، وتأكيد على أن الله هو الحارث والزارع، وأنه القادر على أن ينزل من السماء الماء، فينبت به الحب والنبات والجنات، ويخرج به ثمرات مختلفاً ألوانها، وتكون هذه الحاصلات الزراعية متاعاً للإنسان، والحيوان، وأن البلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه، والذي خبث لا يخرج إلا نكداً، وأطال القرآن وصف الجنات، وحببها إلى قلوب العباد .
ومن أجل زيادة رقعة الأراضي المزروعة، حث الرسول صلى الله عليه وسلم الناس على إحياء الموات باستصلاح الأراضي، وجعل ملكيتها حقاً لهم ولورثتهم من بعدهم، فقال عليه السلام: (من أحيا أرضاً مواتاً فهي له، فإن مات فهي لورثته، وله أن يبيعها إن شاء .
وكان لاستخدام طرق الري الصناعي بالآلات البدائية الرافعة من دواليب ونواعير، ودوالي، وزرانيق، وشواديف، وإصلاح وتنظيم وسائل الري، ببناء السود، وشق القنوات والنواظم، وإقامة الجسور والقناطر المائية، كما كان لاستغلال الأراضي الزراعية أحسن استغلال باتباع الدورات الزراعية، وتسميد الأراضي بفضلات الحيوانات، ومعرفة السماد الصالح لكل نوع من المزروعات، واستعمال المحراث الروماني، وتسخير حيوانات المزرعة القوية كالأبقار والبغال لجره، ومعرفة أساليب تطعيم الأشجار المثمرة وتلقيحها بالطلع الذكر، أثر كبير في زيادة مساحة الأرض المزروعة، ووفرة الإنتاج الزراعي، وتعدد حاصلاته، وتحسين نوعيته.
وزاد من ازدهار الزراعة وتطورها، نظام اجتماعي مستقر قائم على العدالة، ومنع استغلال الفلاحين، وسرقة جهودهم، وتخفيف العبء على المزارعين بتخفيض الضرائب وإلغاء الضرائب النقدية، وأخذ نسبة قليلة من الغلة، وإلغاء خراج الأرض التي لم تزرع، وكان الهدف إعمار هذه الأراضي وإصلاح المشاريع المائية الواقعة فيها.
وانتقال المزروعات قد تم، نتيجة لتكوين العالم الإسلامي الذي خلق حلقة اتصال بين منطقتين متكاملتين للإنتاج، بتوحيده شواطئ المحيط الهندي وشواطئ البحر الأبيض المتوسط .
قال تعالى: (وهو الذي أنزل من السماء ماء فاخرجنا به نبات كل شيء فأخرجنا منه خضراً نخرج منه حباً متراكبا ومن النخل من طلعها قنوان دانية وجنات من أعناب والزيتون والرمان مشتبهاً وغير متشابه، انظروا الى ثمره إذا أثمر وينعه، إن في ذلكم لآيات لقوم يؤمنون ) سورة الأنعام الآية 99، وقال تعالى: (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفاً أكله والزيتون والرمان متشابهاً وغير متشابه، كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا، إنه لا يحب المسرفين ) سورة الأنعام الآية 141 .
ويقول رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم: إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليفعل رواه أحمد.
لقد حث الإسلام على الزراعة واعتنى بها وحرص عليها ودعا الى الاعتناء بها وزيادة مساحة الأراضي الزراعية، كما حث على حفر وشق الموارد المائية، فقال عليه الصلاة والسلام: من أحيا أرضاً ميتة فهي له رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
ويكفي لبيان أهمية ومنزلة الزراعة في الإسلام أن الله تعالى قدم الحبوب والزروع على غيرها في قوله سبحانه وتعالى: (وآية لهم الأرض الميتة أحييناها وأخرجنا منها حباً فمنه يأكلون، وجعلنا فيها جنات من نخيل وأعناب وفجرنا فيها من العيون، ليأكلوا من ثمره وما عملته أيديهم، أفلا يشكرون) سورة يس الآيات 33-35 .
ففي هذه الآيات الكريمة نقاط أساسية ومهمة تتعلق بالأرض والنبات و الزراعة منها:
الاولى : امتنان الله تعالى على عباده بتسخير الارض لهم، وأنه جعل من خصائصها قابليتها للزراعة فتتحول الارض القاحلة الى بساتين نضرة وحدائق غناء.
الثانية : فيها توجيه الى ضرورة استصلاح الارض البور.
الثالثة : فيها تقديم الاهم على المهم وتنظيم الاوليات في الغذاء، ففي تقديم الحبوب على النخيل والاعناب دليل على أهميتها حيث أن الحبوب هي الغذاء الاساسي اليومي للانسان.
الرابعة : في قوله تعالى: ( وما عملته أيديهم) توجيه رباني الى ضرورة العمل، فهذا الخير العميم من الحبوب والثمار والفواكه، إنما جاء بعمل الايدي بعد أن وهبهم الله صحة الابدان والقدرة على الانتاج، وذلل لهم الارض، وسهل لهم سبل إحياءها بإرشادهم الى أدوات الزراعة وعلومها ولوازمها.
الخامسة : فيها إشارة واضحة الى أهمية الماء في الزراعة ووجوب شق الترع وحفر الآبار.
وقد أكد الله تعالى على أهمية الزراعة وقدم الحبوب على غيرها لأهميتها في قوله جل جلاله: (وانزلنا من المعصرات ماء ثجاجاً، لنخرج به حباً ونباتاً، وجنات الفافاً )سورة النبأ الآيات 14-16 .
مصر طريق الإسلام لتطوير الزراعة في أفريقيا
بعد ظهور الإسلام في شبه الجزيرة العربية، انطلقت منها المسلمون ليفتحوا شمال أفريقيا، ففتحوا مصر و تونس و المغرب وبسطوا نفوذهم على تلك المنطقة. لتقوم ممالك إسلامية قوية ساعدت على انتشار الإسلام. ثم انتشر الاسلام في باقي اجراء القارة عن طريق التجار والقوافل التجارية العربية، وعن طريق الطرق الصوفية.
ودخل العرب المسلمون إلى مصر وأدخلوا معهم الإسلام عام 641 م. الذي إنتشر بشمال أفريقيا بالقرن السابع وبلغ منها أسبانيا وقتها. ودخل الإسلام الي النوبة بالقرن 14م. عن طريق التجار العرب.
وظهرت مملكة غانا في منطقة بينية بين الصحراء الكبري والغلبات بجنوب شرق موريتانيا. وكان الهدف من قيامها التجارة في الذهب الذي ينتج في جنوبها وتشتريه قوافل بدو الصحراء التجارية لتحمله الجمال لشمال أفريقيا. وكانت غانا قد تحولت علي أيدي المرابطين بمراكش للإسلام في القرن 11م.
وكانت قبائل سونينك ومادينكا (أو منديجو أو مالينك) قد إنفصلت عن غانا عام 1230 حيث قام قائد ماندينكا ساندياتا كيتا، بتكوين اتحاد للقبائل في الوادي الخصيب باعالي نهر النيجر وجعل جيرانه تحت سيطرته مؤسسا إمبراطورية مالي وكانت أكبر من مملكة غانا.
وقامت إمبراطورية سونغاي (سونجهاي)، في الجانب الشرقي لمنحني نهر النيجر، وعاصمتها جاو. وكانت مملكة تجارية بجانب النهر منذ القرن 8 م. وكانت أول دولة تنفصل عن استعمار مالي.
وكانت تمتد من ساحل المحيط الأطلنطي حتي وسط النيجر وفي أواخر القرن 16 م. عانت الإمبراطورية من الصراعات والنزاعات مما أضعف السلطة المركزية حبث نشأت عدة دول بالشرق كبورنو ودول مدن الهوسا وسلطنة الطوارق. واستولت عليها مراكش عام 1591 م.
ويقدر عدد المسلمين في أفريقيا بأكثر من 293 مليونا، منهم 223 مليون مسلم يعيشون في الأقطار الإسلامية أي بنسبة 76% تقريبا ، ويعيش أكثر من 70 مليونا أي ما نسبته 24%من مجموع المسلمين هناك في أقطار غير إسلامية ، ويعد تقدير أعداد الأقليات الإسلامية في أقطار أفريقيا من أهم المشكلات التي تختلف فيها وجهات النظر بين الباحثين.
وتزيد نسبة المسلمين بصفة خاصة في شرقي أفريقيا لقربها من شبه الجزيرة العربية ولقدم الهجرات الإسلامية إليها، فقد كانت أول هجرة للمسلمين التاريخ الإسلامي إلى الحبشة في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم عندما أمر جزءا من المسلمين بالتوجه إلى الحبشة وقال لهم :” إن بها ملكاً لا يظلم عنده أحد وهي أرض صدق حتى يجعل الله لكم فرجاً مما أنتم فيه “.
شهد العصر الذهبي للإسلام تحول أساسي في مجال الزراعة عرف باسم “الثورة الزراعية الإسلامية” أو “الثورة الزراعية العربية”.
وقد أتاح الوضع الاقتصادي العالمي الذي أسسه التجار المسلمون في جميع أنحاء العالم القديم، نشر العديد من النباتات والتقنيات الزراعية بين أجزاء مختلفة من العالم الإسلامي، فضلا عن تكييف نباتات وتقنيات من خارج العالم الإسلامي.
تم توزيع محاصيل من أفريقيا مثل الذرة ومحاصيل من الصين مثل الحمضيات، ومحاصيل عديدة من الهند مثل المانجو والأرز وبخاصة القطن وقصب السكر، في جميع أنحاء الأراضي الإسلامية، والتي لم تكن تستطيع أن تنمو من قبل بشكل طبيعي. وقد أشار البعض إلى انتشار العديد من المحاصيل الزراعية خلال هذه الفترة بـ “عولمة المحاصيل”، والذي، جنبا إلى جنب مع زيادة الميكنة الزراعية، أدا إلى تغييرات كبيرة في الاقتصاد والتوزيع السكاني والغطاء النباتي والإنتاج والدخل الزراعي ومستويات السكان والنمو الحضري وتوزيع القوة العاملة والصناعات المترابطة والطبخ والغذاء والملبس، والعديد من الجوانب الأخرى للحياة في العالم الإسلامي.
خلال الثورة الزراعية الإسلامية، تحول إنتاج السكر إلى صناعة واسعة النطاق من قبل العرب، والذين قاموا ببناء أول معامل لتكرير السكر ومزارع لقصب السكر. العرب والبربر قاموا بتوزيع السكر في جميع أنحاء الإمبراطورية الإسلامية من أول القرن الثامن.
أدخل المسلمون زراعة المحاصيل النقدية ونظام حديث لتناوب المحاصيل، حيث كانت الأراضي المزروعة تزرع أربع مرات أو أكثر في فترة سنتين، المحاصيل الشتوية كانت تزرع وتليها المحاصيل الصيفية.
في المناطق التي كان يزرع فيها نباتات ذات موسم نمو قصير، مثل السبانخ والباذنجان، يمكن أن تتم الزراعة ثلاث مرات أو أكثر في السنة.
طور المسلمون منهجا علميا للزراعة يستند إلى ثلاثة عناصر رئيسية: أنظمة متطورة لتناوب المحاصيل، ودرجة عالية من التطور في تقنيات الري، وإدخال مجموعة كبيرة ومتنوعة من المحاصيل التي تمت دراستها وتصنيفها تبعاً للموسم ونوع الأرض وكمية المياه التي تحتاج إليها، وتم إنتاج موسوعات عديدة في الزراعة وعلم النبات تحتوي على تفاصيل دقيقة.
تكمن أهمية السدود بالدرجة الأولى في المناطق الجافة، حيث لجأ إليها العرب للتغلب على ظاهرة التصحر وظاهرة الجفاف، التي عرفت بها بلادهم، وهي البلاد التي لم تعرف الأنهار، ولا هي من البلدان الاستوائية غزيرة الأمطار.
تعدُّ عمارة السدود والاستفادة منها في قطاع الزراعة من الفنون العمرانية والزراعية التي ازدهرت في افريقيا المسلمة، حيث توافر للقبائل العربية عنصر الاستقرار في العصور الإسلامية. ومن أبرز سدود الجزيرة العربية، سدود الطائف التي تعود للعصر الأموي، التي كان يوجد بها إلى وقت قريب سبعون سداً أثرياً، من أشهرها سد سيسد الذي بني عام 57هـ وسد اللصب وسد العقرب وسد ثلبه وسد صعب وسد السلامة وسد القصيبة وسد أم البقرة وسد داما.
عرفت السدود في مصر باسم الجسور، وهذه التسمية آتية من استخدامها في الحركة بين الضفتين اللتين أقيم بينهما السد. ومعظم الجسور التي تقام في مصر مؤقتة ترتبط بموسم الفيضان والري، وهي تنشأ في مناطق معينة تضم مساحة خاصة من الأرض حتى لا يركبها نهر النيل إلا في موعد محدد تفتح فيه السدود فيروي هذا الجزء، حتى إذا استكمل ريه، قطعت الجسور في مناطق معينة معلومة، وفي أوقات محددة، حتى ينصرف الماء إلى ما يليها من جهات، علاوة على ما يأتيها من ماء آخر، وهكذا يتناوب فتح الجسور حتى يستكمل ري أرض كل البلاد.
والجسور نوعان :
- جسور عامة : وتسمى هذه الجسور بالسلطانية، وتضم بلاداً كثيرة، وتكون صيانتها والاهتمام بأمرها على نفقة ولي الأمر، أي الديوان السلطاني. وكانت الدولة تعين من يهتم بعمارة الجسور، ويسمى “كاشف الجسور”، وقد تضاف هذه الوظيفة إلى والي المنطقة، وتحت إمرة كاشف الجسور، المهندسون والعمال الذين يقومون بعمارتها.
- الجسور البلدية : وهي جسور خاصة لا تدخل في المنافع العامة، ويتولى أمر العناية بها المنتفعون بالأراضي الزراعية التي تستفيد من مياه الجسر، ويشبهها ابن مماتي بالدور والمساكن داخل سور المدينة، كل صاحب دار منها ينظر في مصلحتها ويلتزم تدبير أمره فيها.
ولم تكن الجسور تقام فقط لأجل حجز المياه، بل لحماية مناطق معينة، سواء من جرف الفيضان لضفافها أو الخوف من غمرها. ومن أمثلة هذه الجسور، جسر أقامه الناصر محمد بن قلاوون بين بولاق ومنية الشيرج، وذلك سنة 723هـ، والجسر الذي شيده الناصر محمد بن قلاوون سنة 738هـ، بين بولاق و إمبابة شمال القاهرة، ويرجع سبب إنشائه إلى أن تيار نهر النيل كان شديداً على ساحل بولاق حتى هدم أجزاء منه، فرأوا عمل هذا الجسر ليرد قوة التيار عن البر الشرقي إلى البر الغربي.
المقاييس :
تعد المقاييس المقامة على الأنهار أداة لرصد حركة فيضانها، حيث كان فيضان النهر عند حد معين يعكس بشرى موسم زراعي جيد، كما كان يخلف مشكلة عند عدم وفائه بتوفير المياه، سواء لحاجة الاستخدام في المدن والقرى أو للزراعة. ومن ثَمَّ، فإن المقاييس اعتبرت من المنشآت المائية الهامة التي اعتني بها من قبل حكام المسلمين.
فلولا فيضان نهر النيل على سبيل المثال، لكانت مصر مجرد بلد به نهر فصلي هزيل، يولد ويموت كل سنة دون أن يضمن حتى الوصول إلى البحر دائماً إلى حد يعني أن النيل هبة الفيضان، لأن التغيير في مستوى الفيضان بالنقص أو الزيادة، كان يلعب دوراً هاماً في حياة المصريين الاقتصادية والاجتماعية وأحياناً السياسية، كما كان يعيد إلى أذهانهم في كثير من الأحيان، قصة السنوات العجاف السبع التي وردت في القرآن الكريم في سورة يوسف، لاسيما وقد شهدت البلاد طوال عصورها التاريخية قبل الإسلام وبعده، العديد من حالات القحط والجفاف، بسبب قصور مياه الفيضان، مما أدى بحكامها إلى الاهتمام بإنشاء مقاييس النيل التي يهمنا منها ما تم تشييده تحت ظلال الإسلام.
وقد شيد عمرو بن العاص غداة فتحه لمصر مقياساً بأسوان وآخر بدندرة. كما أنشأ الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان مقياساً ثالثاً في أنصنا على الضفة الشرقية لنهر للنيل تجاه أشمون التي عرفت أيضاً باسم الأشمونيين، وبقي مستخدماً حتى شيد والي مصر عبد العزيز بن مروان مقياساً غيره بحلوان في سنة 80هـ/699م.
كما بنى أسامة بن زيد التنوخي عامل خراج مصر مقياساً كبيراً في جزيرة الروضة في عهد خلافة الوليد بن عبد الملك عام 92هـ/711م، ثم أبطل الخليفة سليمان بن عبد الملك العمل به، فأقام أسامة بن زيد مقياساً آخر في سنة 97هـ/715م واندثر بدوره، ولم يبق إلا المقياس الحالي الذي شيد سنة 247هـ/861م في جزيرة الروضة بأمر من الخليفة العباسي المتوكل على الله كما يفهم من المؤرخ ابن خلكان الذي ذكر أن اسم الخليفة المتوكل على الله كان منقوشاً في شريط من الحجر يحيط بأعلى فوهة البئر. وهناك شبه اتفاق بين أغلب المؤرخين العرب على أن بلوغ الفيضان ستة عشر ذراعاً يعد بشيراً بوفاء النيل وكافياً لزراعة أرض مصر، كما يعد إيذاناً ببدء الاحتفالات بوفاء النيل.
مقياس النيل بالروضة (247هـ/861م) :
بني هذا المقياس في ولاية يزيد بن عبد الله على مصر على عهد الخليفة العباسي المتوكل على الله جعفر بن المعتصم بن الرشيد الذي ولد سنة (205هـ/820م)، وقيل سنة (207هـ/822م)، وبويع بالخلافة سنة (232هـ/846م) بعد الواثق بالله. كان المشرف على عمارة هذا المقياس في أرجح الآراء هو المهندس أحمد بن محمد الحاسب. وقد أطلقت على هذا المقياس بعد إتمام عمارته عدة أسماء، منها المقياس الهاشمي، والمقياس الجديد، والمقياس الكبير.
ولم تمض على بناء هذا المقياس ثلاث عشرة سنة حتى احتاج إلى الترميم والإصلاح، فقام أحمد بن طولون بإصلاحه سنة (259هـ/872م)، حيث أنفق على هذه العمارة الترميمية ألف دينار، وظل المقياس على هذه العمارة حتى عَمَّرَه للمرة الثانية الوزير الفاطمي بدر الدين الجمالي سنة (485هـ/1092م) على عهد المستنصر بالله الفاطمي، وبنى بالقرب منه جامعاً سماه جامع المقياس.
وفي عصر السلطان الظاهر بيبرس البندقداري أقيمت قبة لهذا المقياس فوق البئر، وفي عصر السلطان الأشرف قايتباي، رممت أساسات المقياس وأصلحت بعض عماراته، فلما كان العصر العثماني نسب إلى السلاطين الثلاثة سليم الأول وسليمان الأول وسليم الثاني إجراء عمارات في المقياس.
وفي سنة (1023هـ/1721م) قام علي بك الكبير من الولاة المماليك بإصلاحات كثيرة فيه. وفي سنة (1170هـ/1756م) أمر حمزة باشا الوالي بتجديد العتب الخشبي الأفقي الموضوع على رأس عمود المقياس لتثبيته في موضعه وضمان عدم اهتزازه. وفي سنة (1214هـ/1799 م) قام الفرنسيون بالكشف عن عمود المقياس ورفع ما تراكم بقاعه من الطمي حتى تم الكشف عن معظم العمود، وصنعوا له تاجاً تعلوه قطعة رخامية ارتفاعها ذراع واحد كتب على وجهها الشرقي سنة 1215هـ/1800م.
وفى سنة 1305هـ/1887م طهرت نظارة الأشغال المصرية بئر المقياس حتى بلغت الذراع الثالث، فوجدت بين الأنقاض المستخرجة بقايا الأعمدة التي عملها الفرنسيون منقوشاً عليها الذراع الثامنة عشرة والبالغ ارتفاعها (0.58 متر)، كما أنشأت النظارة مقياساً مترياً جديداً في الضلع البحري لزاوية سلم المرسى البحري للمقياس القديم.
قناطر المياه :
والرومان هم أول من ابتكر قناطر المياه، وهي منشآت مائية تهدف إلى جلب كميات كبيرة من المياه من مكان بعيد إلى المدن أو الأراضي الزراعية، و ما زال إلى حد اليوم في روما بقايا لقناطر مياه تعد من أروع ما شيد في العالم.
وتتكون قناطر المياه عادة من برج المأخذ، وهو برج به سواقي لرفع المياه من مكان منخفض إلى أعلى، ثم يُصب هذا الماء في سطح البرج، حيث تنحدر المياه إلى مجرى محمول على سلسلة من العقود أو القناطر التي تنحدر بنسبة معلومة لتجري المياه إلى الجهة المراد وصولها إليها.
قناطر ابن طولون :
ويعد إمداد المدن الجديدة التي يشيدها حكام المسلمين بالمياه أمراً حيوياً، حرص على تأكيده علماء السياسة الشرعية عند حديثهم عن شروط إنشاء المدن، لذا حين شيد الأمير أحمد بن طولون ضاحية القطائع لتكون مقراً لحكمه في مصر، حرص على تزويدها بمصدر ينقل لها مياه النيل.
وقد تبقى من هذه القناطر اليوم برج المأخذ، وهو أكثر الأجزاء الباقية تماسكاً، حيث شيد عند حافة صخرة بارزة من الأرض عند نقطة يخرج منها واد صغير اقتطع من الصخر. والبرج عبارة عن كتلة مشيدة بالآجر بداخلها بئر مفرغة مفتوحة إلى السماء، وعلى جانبيها غرفتان يغطيهما قبوان.
وتنقسم البئر إلى قسمين، ويسحب الماء منهما بواسطة ساقيتين ترفعانه إلى المجرى فوق ظهر البرج، ثم يسير منه في مجرى وضع فوق القناطر التي تخرج من البرج في انحراف يبلغ 140 درجة على جانب البرج الشمالي، وبعد نحو 17 متراً ينحرف في اتجاه القناطر من الشمال الغربي إلى الشمال قليلاً نحو الغرب، ثم ينحرف مرة أخرى بعد 122 متراً نحو الشمال بميل إلى الشرق، و يمتد بعد ذلك في خط مستقيم إلى أن تتوقف بقايا القناطر. وتوجد هذه القناطر الآن في حالة يرثى لها، وهي معرضة للاندثار.
عناية المسلمين بالزراعة والغرس
وزاد من ازدهار الزراعة وتطورها، نظام اجتماعي مستقر قائم على العدالة، ومنع استغلال الفلاحين، وسرقة جهودهم، وتخفيف العبء على المزارعين بتخفيض الضرائب وإلغاء الضرائب النقدية، وأخذ نسبة قليلة من الغلة، وإلغاء خراج الأرض التي لم تزرع، وكان الهدف من إقطاع أراضى الدولة لبعض الأغنياء، إعمار هذه الأراضي وإصلاح المشاريع المائية الواقعة فيها .
وعرف المسلمون نظام المغارسة، والمساقاة، والمزارعة، والتسليف، والضمان، فحفظوا حقوق الفلاحين، وحقوق أصحاب الأرض، وقضوا على الصراع الطبقي .