الأخبارحوارات و مقالاتمصر

د عبدالعليم سعد يكتب: ما دلالات إختيار مصر لإستضافة قمة المناخ COP27؟

كلية الزراعة – جامعة سوهاج- مصر – رئيس فرع الاتحاد العربي للتنمية المستدامة والبيئة بمحافظة سوهاج

إن مناخ كوكبنا يتغير على مدار الزمن الجيولوجي مع حصول تقلبات ملحوظة في درجات الحرارة الوسطية. ورغم ذلك، ترتفع درجة الحرارة في هذه الفترة بسرعة أكبر من أي أوقات ماضية. وقد أصبح جليًّا أن البشرية هي المسؤولة عن معظم ارتفاع درجات الحرارة في القرن الماضي بتسببها في إطلاق غازاتٍ تحبسُ الحرارة وهي التي يشار إليها في العادة بغازات الدفيئة أو الاحتباس الحراري- لإمداد حياتنا الحديثة بالطاقة.

ونحن نقوم بذلك من خلال حرق الوقود الأحفوري، والزراعة، واستخدام الأراضي، وغير ذلك من النشاطات التي تدفع لحدوث التغير المناخي. إن غازات الدفيئة هي في أعلى مستوياتها من أي وقت مضى على مدار الأعوام الـ 800000 الأخيرة.

الحرارة والمناخ والطقس

ويعتبر الارتفاع السريع لدرجة الحرارة هذا مشكلةً لأنه يغيّر مناخنا بمعدلٍ سريعٍ جدًّا بالنسبة للكائنات الحية تعجز عن التكيّف معه. إن التغير المناخي لا يتعلق فقط بدرجات الحرارة المرتفعة، بل يشمل أيضًا أحداث الطقس الشديدة، وارتفاع مستويات البحار، وتغير تعداد كائنات الحياة البرية، ومواطن الحيوان والنبات الطبيعية، وطيفًا من التأثيرات الأخرى.

وضعت مصر قضية تغير المناخ في مقدمة جهودها نظرًا لموقعها في قلب أكثر مناطق العالم تأثرًا بتغير المناخ. فرغم أن القارة الأفريقية هي تاريخيًا الأقل إسهامًا في إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية، إلا إنها من أكثر المناطق تضررًا وتأثرًا من آثار تغير المناخ مثل:

تزايد وتيرة وحدة الظواهر المناخية المتطرفة، وارتفاع منسوب البحر، والتصحر، وفقدان التنوع البيولوجي، مع ما تمثله هذه الظواهر من تهديد لسبل عيش الإنسان ونشاطه الاقتصادي وأمنه المائي والغذائي وقدرته على تحقيق أهدافه التنموية المشروعة والقضاء على الفقر.

إستراتيجية مصر للتعامل مع المناخ

حظت مشاركة مصر في قمة غلاسكو بأهمية كبيرة حيث تم إطلاق استراتيجية مصر الوطنية للتغيرات المناخية إلى 2050، التي تركز على مجالي التخفيف والتكيف مع تغيرات المناخ، حيث تعتبر مصر صاحبة تجربة رائدة في الاقتصاد الأخضر والاعتماد على الطاقة النظيفة، وتسعى لتوجيه الدول المعنية بمكافحة التغير المناخي إلى العمل لصالح أفريقيا والدول النامية.

إن أفريقيا أكثر القارات تأثرا بالسياسات المسببة لتغير المناخ التي تتبعها الدول الكبرى، وهذه الزاوية حاضرة في رؤية مصر تجاه سياسيات تغير المناخ. هناك مساعي مصرية لتبنى مطالب الدول الأفريقية وتطرحها على مستوى دولي، بهدف توفير الدعم والتمويل اللازم لتنفيذ سياسات مواجهة التغير المناخي في تلك الدول، لأنها تدفع فواتير سياسات ليست شريكة فيها، مثل السياسات الصناعية للدول الكبرى وتؤثر سلبا على المناخ في القارة، ومن ثم فإن هناك مسؤولية دولية وأخلاقية على الدول الكبرى ومؤسسات التمويل الدولية لدعمها في التحول الأخضر ومواجهة التغير المناخي.

و من هذا المنطلق تم اختيار مصر كمرشحة لاستضافة القمة الـ27 في 2022 ممثلة لقارة أفريقيا ، خلال الفترة من 7 – 18 نوفمبر 2022 والذي يقام في مدينة  شرم الشيخ وذلك بعد أن تم الإعلان عن اختيار مصر لاستضافة الدورة القادمة من المؤتمر خلال مؤتمر غلاسكو الذي عقد في نوفمبر 2021. وسيعمل على تقدم المحادثات العالمية بشأن المناخ، وتعبئة العمل، وإتاحة فرصة هامة للنظر في آثار تغير المناخ في أفريقيا.

مصر وقمة المناخ

إن اختيار مصر لاستضافة مؤتمر المناخ في 2022 يعكس الثقة في الدولة المصرية، حيث يجمع هذا الحدث الدولي نحو 197 دولة بتمثيل رفيع المستوى، ما يوازي في أهميته اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. تسعي مصر الي الدفع بأولويات القضايا الافريقية و المصرية في حوار حقيقي بين كافة الأطراف، ومنها الربط بين تغير المناخ والتنوع البيولوجي، والأمن المائي ، وكيفية  تأثير تغير المناخ عليه وتأثيره على مجتمع الأعمال والمجتمعات المحلية. كما سوف تقوم مصر بعرض تجارب نجاح في مجال حماية البيئة وتغير المناخ، فضلا عن عرض الاستراتيجية الوطنية للتغير المناخي. وطرح مبادرات في مجال تغير المناخ والمياه، والآثار العابرة للحدود لجهود التكيف وخفض الانبعاثات.

تعد هذه المرة الأولى التي تجتمع فيها الحكومات، منذ اختتام الدورة 26 لمؤتمر الأطراف في غلاسكو في نوفمبر الماضي، والتي شهدت الانتهاء بنجاح من التفاصيل التشغيلية لاتفاق باريس لعام 2015، مما يمهد الطريق لتنفيذها، ستركز الحكومات على العمل في المجالات الرئيسية المتعلقة بالتخفيف والتكيف مع آثار تغير المناخ ودعم البلدان النامية، والخسائر والأضرار، وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.كما تؤكد على ضرورة أن تتخذ الحكومات تدخلات وقرارات على المستوى السياسي في كل مجال من هذه المجالات من أجل تحقيق حزمة متوازنة.

إن القيام بذلك سيرسل رسالة واضحة للعالم بأننا نسير في الاتجاه الصحيح. لأن العالم سيكون لديه سؤال واحد في شرم الشيخ: ما هو التقدم الذي أحرزتموه منذ جلاسكو؟

مع وجود 197 طرفا رسميا، تحظى اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ بعضوية شبه عالمية، وهي المعاهدة الأم لاتفاق باريس بشأن تغير المناخ لعام 2015، والتي تهدف إلى الحفاظ على ارتفاع متوسط درجة الحرارة العالمية هذا القرن، إلى أقل من درجتين مئويتين، ودفع الجهود الرامية للحد من زيادة درجة الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الصناعة.ضرورة زيادة الطموح بشكل عاجل لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ، مشيرة إلى الحاجة إلى إجراءات فورية وإحراز تقدم.وفقا لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ.

سيركز COP27 في مصر، بشكل أساسي، على التنفيذ، ومن المتوقع أن تظهر الدول كيف ستبدأ- من خلال التشريعات والسياسات والبرامج- في وضع اتفاق باريس الطموح موضع التنفيذ.

الدولة المصرية وإدارة ملف المناخ

إن الرئاسة المصرية لمؤتمر أطراف اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP-27)، تواصل المساعى من أجل الحفاظ على الأمل فى خروج المؤتمر بالنتائج المرجوة ، بحيث تكون نقطة تحول فى مجال العمل المناخى الدولى للحفاظ على الزخم الدولي. و بناءً على هذا الزخم تأتى استضافة COP27 فى توقيت حاسم لأجندة العمل المناخى، حيث أن أحدث تقرير للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ والصادر قبل نحو شهرين، قدم أدلة صارخة على أن تغير المناخ الذى يُحدثه الإنسان يُسبب اضطرابًا خطيرًا وواسع النطاق.

وأسعدت للغاية، الأمم المتحدة أن رئاسة مصر ل COP27 اختارت أن تجعل منه مؤتمرًا للتنفيذ يُركز على العمل الذى يجرى على الأرض وينتقل من الكلمات الجوفاء إلى العمل، ولقد أتبعت الرئاسة هذه الرؤية، من خلال تدشين المبادرات الرئاسية التى تركز على قضايا مناخية أساسية وملموسة، الآليات التى يُمكننا من خلالها معالجة كل واحدة من تلك القضايا بطريقة ذات معنى. ويعتبر مؤتمر COP27 هو أول قمة للمناخ تحتضنها إفريقيا منذ 6 سنوات.

كما قالت المنسق المقيم للأمم المتحدة فى مصر “إلينا بانوفا “نحن فى الأمم المتحدة سعداء للغاية لرؤية مدى جدية الرئاسة فى اضطلاعها بمسئولية تعزيز مصالح القارة الإفريقية بوضع هذا على رأس أولويات COP27”. وأكدت دعم الرئاسة فى جمع قصص النجاح من جميع أنحاء إفريقيا مما يضع جنبا إلى جنب هذا المؤتمر كقمة للتنفيذ ومؤتمرًا لإفريقيا، وسيتم استعراض تلك القصص فى COP27 مع التركيز على كيف يُمكننا تكرار ما تحويه من دروس قيِّمة.

وأوضحت أنه بالنظر إلى أن عام 2022 هو عام المجتمع المدنى ومؤتمر COP27، فمن المتوقع أن يكون لمنظمات المجتمع المدنى دور قوى ومؤثر فى نجاح COP27، وهو يُمثل فرصة كبرى للعالم لأن يسمع أصوات منظمات المجتمع المدنى فى مصر وأن يكتشف أكثر عن جهودها لمكافحة التهديدات البيئية وتحسين ظروف المعيشة للمجتمعات الضعيفة المُعرضة للتهديدات المناخية.

وتابعت: “نحن نقوم بجانب الحكومة وخاصة وزارة البيئة بإطلاق المسح الوطنى حول الوعى بآثار تغيرات المناخ، حيث أن الهدف الرئيسى للمسح هو جلب الأصوات التى غالبًا ما يتم إهمالها رغم أنها الأكثر تضررًا وعليه، فإن المسح يستهدف بوضوح الشباب والنساء والمزارعين وذوى الإعاقة ضمن آخرين من أفراد المجتمع المدنى لتسليط الضوء على تجاربهم”، معلنة تنظيم جناح موحد للأمم المتحدة فى مصر فى مؤتمر COP27.

ونوهت بأن الاستفادة من أدوات الإعلام الجديدة واستخدام المنصات الرقمية يُمكن أن يكون لها تأثير إيجابى فى تعزيز الأنماط المستدامة للاستهلاك والإنتاج، ويُمكن لهذا أن يزيد الطلب على الاستثمارات المسؤولة، وأن يعزز تعبئة التدفقات المالية المستدامة وأن يزيد من مشاركة القطاع الخاص فى تمويل التنمية المستدامة في مصر.

الهدف النهائي لجميع الاتفاقات بموجب اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ، هو تثبيت تركيزات غازات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي عند مستوى يمنع التدخل البشري الخطير في النظام المناخي، وإطار زمني يسمح للنظم الإيكولوجية بالتكيف بشكل طبيعي وتمكين التنمية المستدامة.

نحن بشرٌ نريد الشيء نفسه – ألا وهو مكانٌ آمنٌ للعيش على هذا الكوكب الذي نسميه وطننا. وبينما يجب أن يظل عملنا غير منحازٍ وموضوعيًّا ، نجد أننا نرفع أصواتنا على نحو متزايد، مضيفين رسالة واضحة بأن “التغيّر المناخي” حقيقي وأن البشر هم المسؤولون، وأن الآثار خطيرةٌ و يجب علينا أن نتصرف الآن.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى