تقارير

د عبدالعليم سعد يكشف حقيقة دور الحشرات في فك لغز الجرائم الجنائية

قسم وقاية النبات – كلية الزراعة – جامعة سوهاج- مصر

مقدمة:

كلما تعددت وسائل وأساليب ارتكاب الجريمة، تطورت وسائل الكشف عنها، والبحث وراء الحقيقة، وتغيرت وسائل وأدوات تعقب المجرمين ،إن الكشوفات العلمية تتزايد وتنمو يوما بعد يوم والقائمون على المجالات المختلفة متلهفون إلى إيجاد ضالتهم عن طريق الاستفادة منها في الوصول إلى أحسن النتائج وأصوب الحقائق. ومن المجالات التي تحتاج باستمرار إلى الوسائل العلمية والتقنية في إتقانها والوصول بها إلى أعلى المستويات وتحقيق أقصى درجات الدقة والتثبت هو التخصص الذي يعرف باسم “علم الحشرات الجنائيForensic entomology ”

فيه يتم الاعتماد على حشرات مثل الذباب والخنافس و العناكب و وغيرها في كشف جرائم القتل، ومرتكبيها، وأماكن وقوعها، والوقت الذي تم فيه ارتكاب الجريمة، ويعتمد العلماء بهذا التخصص على المراحل التي تمر بها كل جثة عقب وفاتها، حيث تتجمع عليها أنواع مختلفة من الحشرات وفقاً للمرحلة التي تمر بها، فمثلاً عقب الوفاة مباشرة يبدأ الجسم بإفراز إنزيمات معينة بهدف إجراء عمليات التحلل، ونتيجة لذلك تحدث انتفاخات في الجثة يعقبها انفجار في المعدة، ثم تتوالى مراحل التحلل.

وخلال الساعة الأولى للوفاة يسارع الذباب الأزرق في الهجوم على الجثة نتيجة امتلاكه حاسة شم قوية، ويختار الفتحات الطبيعية مثل العينين والأنف والفم لوضع بيضه حولها، وبعد ساعات يتحول البيض إلى دود صغير، ثم يكتمل نموه حتى يصبح حشرة كاملة من الذباب الأزرق الفوسفوري، الذي يختلف حجمه من مكان إلى آخر.

ومن خلال قيام خبير الحشرات الجنائي بقياس حجم الدودة يستطيع بدقة تحديد وقت الوفاة، وبعد الوفاة بأكثر من ثلاثة أيام تبدأ دورة جديدة لحشرات أخرى مثل الخنافس يليها العناكب وهكذا، ومن خلال تحليل جسد الحشرة وخلاياها ومحتويات معدتها، يتمكن المختصون من معرفة سبب الوفاة وما إذا كان سماً أم جرعة مخدرات، بل في تطور آخر حديث يمكن معرفة الحمض النووي للمتوفى من خلال الحشرات وتحديد هويته مهما حاول القاتل طمس معالم الجثة وتشويهها .

و فيما يلي أهم الأمثلة على الاستعانة بالحشرات في فك لغز الجرائم الجنائية:

  • رائحة الموتى تكون جاذبة لأنواع معينة من الذباب، التي تلتقط هذه الرائحة من مسافات بعيدة للغاية، ومن ثم فإن العثور على نوع معين من الذباب لمنطقة ما في جثة عثر عليها بمنطقة أخرى، فهذا دليل على أنه حدث انتقال لجثة المجني عليه من مكان وقوع الجريمة الأصلي وبالإضافة إلى مكان الجريمة، فإن وقت وقوع الجريمة هو معلومة مهمة يمكن أن يساعد الذباب في التوصل إليها أيضا، وقد تقود هذه المعلومة إلى تحديد هوية الجاني.
  • حدث  في ولاية تكساس الأمريكية  بعد العثور على جثة، اكتشف خبراء الحشرات أنھا قتلت في غابات الینوى وهى ولاية أخرى في أمريكا، لأن بیض الحشرات الموجودة داخلھا لا تعیش إلا فى هذه المنطقة.
  • إذا تم العثور على حشرة في مكان الأعضاء التناسلية للفتاة المغتصبة، فهذه الحشرة قد تكون تغذت على ماء الحياة الخاص بالجاني، ومن ثم يمكن باستخدام بعض الطرق العلمية استخراج الحمض النووي (DNA) الخاص بالجاني من الحشرة ومضاهاته مع المشتبه فيهم، لتحديد هوية الجاني.
  • زوجة متهمة في قتل زوجها، وتحاول تضليل العدالة بادعاء أنها عادت من خارج البيت لتجده جثة هامدة، ولكن إذا تم العثور على اليرقات بالجثة، فهذا يعني أن الجريمة وقعت في وقت مبكر جدا عن الموعد الذي أبلغت عنه الزوجة.
  • حدث أيضاً بعد أن أدعى رجل أنه عثر على شقيقته منتحرة خنقا من خلال ربط رقبتها بحبل بنافذة غرفتها المفتوحة، خبراء الحشرات لم يجدوا أثر للذباب فدل أن النوافذ كانت مغلقة فى آخر 21 ساعة فاعترف بقتلھا.
  • في الولایات المتحدة الأمريكية أيضاً كشفت الحشرات عن سیدة قتلت زوجھا بعد أن قالت للشرطة في التحقیقات الأولية، إن زوجھا كان بصحبتها منذ قليل في المنزل، بینما أثبت خبیر الحشرات أن دود الجثة مر علیه 4 أيام، وبمواجهة الزوجة اعترفت بالجریمة.
  • إمكانية استخدام الحشرات في الكشف عن المواد المخدرة وهو ما حدث في واقعة بأمريكا،.حيث ضبطت الشرطة في هذه الواقعة كميات من الهيروين كان يعتقد أن مصدرها احدى الولايات الأمريكية، ولكن فحصها بدقة أظهر وجود حشرة صغيرة لا تعيش في أمريكا وموطنها احدى مناطق المكسيك، وهو ما أرشد الشرطة وقتها إلى مصدر الهيروين.
  • إمكانية استخدام الحشرات في في الكشف عن المتفجرات والمواد المخدرة من خلال تدريب بعض انواع النحل على رائحة هذه المواد.
  • عثرت الشرطة في مدينة فلوریدا الأمريكية على كمیات كبیرة من الكوكایین، ولم يتم التوصل لمصدرها، إلا بعد العثور على حشرة صغیرة نافقة فى أحد الأكياس، وأكد الخبراء أن موطنها غابات الھندوراس.
  • هناك حشرات بسیطة مثل “القمل” تلازم الإنسان في حیاته، وتغادره بعد وفاته بفترة بسيطة، فإذا وجدوا أن الجثة بها حشرة القمل، فإن هذا يدل على أن الجريمة حدثت قبل وقت قصیر.
  • الحشرات تقوم بعملها في تحديد موعد الجريمة والقاتل أذا تم الشك بأشخاص معينين تواجدوا بالقرب من الجريمة فأن الذباب يتجمع حولهم ويتم معرفتهم حينها.
  • استخدام الحشرات في الكشف عن التعذيب.. هذا الاكتشاف يعد توثيقا لجرائم التعذيب في المعتقلات وذلك عن طريق وجود الحشرات على مكان مخرج بول الإنسان لعدم قدرته على التبول العادى، وأنه في حالة تقييد وعدم حركة، والكشف أيضا عن تعذيبه بعينيه عن طريق إغماء عينيه وأكل الحشرات له، وهذا يؤكد أنه تم إغماء عينيه أثناء التعذيب مما أدى إلى تآكل عينيه، مع وجود تقرحات على المنطقة التناسلية للمتوفى وفى أماكن ربط الأيدي والرجلين تجد الحشرات على أماكن التقرحات.
  • الخنافس ثانى حشرة على الجثث…وهى تتحلل على الجثث بعد الذباب الأزرق:

للخنافس دور في الكشف عن الجريمة، فهي تتحلل على الجثث بعد الذباب الأزرق ويتم أخذ عينة من الخنفسة وتحليلها للكشف إذا كان المتوفى سبب وفاته تناوله نسبة كبيرة من الهيروين لو توفى مسموما، وتستخدم الخنافس في علم الطب الشرعي عن طريق تحديد أذا كان المتوفي توفي بنسبة مخدرات أم لا.

  • العناكب لها دور في الطب الشرعى لكنها عناكب غير مرئية بالعين المجردة، وهو ما يسمى “بعلم عناكب الطب الشرعى ” وتأتى العناكب على الموتى في آخر مرحلة بعد الذباب الأزرق والخنافس، وبوضع العناكب على الجثة يتم التعرف فورا على ميعاد الوفاة من جانبين أولهما فترة وصول العناكب للجثة بعد الذباب والخنافس والآخر على عمر العناكب على الجثة.

وفي النهاية لابد أن نهتم بعلم الحشرات الجنائي Forensic entomology للاستفادة من هذا العلم في القدرة على تذليل بعض الصعاب التي تواجه رجال البحث الجنائي وإزالة اللبس عن بعض القضايا الجنائيّة، حيث أن الدولة المصرية داعمة بشكل قوي للعلم والعلماء، من أجل النهوض بمصر ورفع شأنها بين الأمم.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى