الأخبارحوارات و مقالاتمصر

د شريف حسين يكتب: «محاكمة المبيدات»!

خبير مبيدات – المعمل المركزي للمبيدات – مركز البحوث الزراعية – مصر

البداية عندما تلقت النيابة العامة بلاغات عديدة يصعب حصر عددها وكلها ضد متهم واحد ألا وهو “المبيد الزراعي” أو ما يطلق عليها في العموم المبيدات، وبها العديد من التهم على سبيل المثال لا الحصر:

  • وفاة آلاف الأشخاص سنويا من الذين يتعاملون معه.
  • مرض عشرات الآلاف من الذين يتعاملون او يتعرضون لمتبقيات المبيد الزراعي بشكل مباشر أو عن طريق تناول الأغذية الملوثة بمتبقيات المبيدات.
  • التأثيرات الضارة علي البيئة والكائنات غير المستهدفة أثناء عملية المكافحة.
  • العديد من الأضرار البيئية الناجمة عن تراكم متبقيات المبيدات في عناصر البيئة المختلفة.
  • الإضرار بالمصلحة العامة والتأثير على الصادرات ومن ثم على الدخل والأمن القومي.

وبعد البحث في البلاغات المقدمة لم تجد النيابة صعوبة في إقامة الأدلة الدامغة من شهادة المجني عليهم من المصابين والمرضى والعديد من التقارير من وزارة الصحة ووزارة البيئة وهيئة سلامة الغذاء علاوة على العديد من البحوث العلمية المنشورة في دوريات علمية عريقة والتي تؤكد مسؤولية المبيد الزراعي عن التهم الموجه إليه.

وعليه فقد أرسلت النيابة القضية إلى المحكمة والتي قررت إحالة المتهم بإرتكاب هذه الجرائم إلى محكمة الجنايات المختصة مع التوصية بإجراء محاكمة عاجلة.

اليوم الأول: الجلسة الأولي:-

تعج قاعة المحكمة بالحضور حيث أن القضية مصنفة من قضايا الرأي عام وتتعالى الأصوات والهتافات أوقفوا استخدام هذا المبيد كيف يظل موجودا بعد كل هذة الجرائم في حق صحة الإنسان والبيئة، يقطع هذه الأصوات صوت كاتب المحكمة الذي ينادي علي القضية ويسأل اين ممثل الإدعاء فيقف مجموعة من الحضور يعرف كل واحد منهم نفسه،

  • ممثل وزارة الصحة
  • ممثل وزارة البيئة
  • ممثل هيئة سلامة الغذاء

ثم ينادي علي المتهم الموجود في قفص الإتهام فيقوم حاملا بطاقة قد كتب عليها “مبيد زراعي”

ثم تدخل هيئة المحكمة لتبدأ المحاكمة وتبدأ الجلسة الأولي:

بدأ القاضي فسأل ممثلوا الإدعاء ما شكواكم ضد المدعو مبيد؟

بدأ ممثل وزارة الصحة فقال يا سيادة القاضي في الحقيقة لا يمكن حصر الأضرار التي تسببها المبيدات الحشرية للإنسان والبيئة ولكافة أشكال الحياة وذلك كون هذه الأضرار متباينة في زمن ظهورها ومختلفة في شدة ضررها بين مختلف الكائنات الحية ولهذا فإننا نتهم المدعو مبيد بالعديد من التهم المؤكدة والثابتة بالأدلة القطعية من تقارير ودراسات محلية وعالمية وكذلك العديد من الأبحاث العلمية المنشورة في مجلات علمية مرموقة والتي تؤكد كلها تورط المبيد في كل هذة الجرائم.

ولقد أعددنا قائمة مختصرة لهذة التهم نقدمها لسيادتكم وهي:

 أضرار المبيدات على صحة الإنسان: 

تحدث هذه الأضرار نتيجة التعرض المباشر عن طريق اللمس أو الإستنشاق أو عن طريق الفم أو العين وذلك في الأماكن القريبة من أماكن إستخدام المبيد، أو بطرق غير مباشرة عن طريق إستهلاك الأغذية أو المياه الملوثة بتبقيات المبيدات من هذه الأضرار أمراض الكبد والفشل الكلوي والسرطانات، ولقد أشارت نتائج بعض البحوث العلمية إلى أن التعرض لمتبقيات المبيدات يؤدى إلى ضعف الحالة الجنسية، ويسبب في النهاية العقم، كما قد يسبب تعرض المرأة الحامل تشوهات خطيرة للجنين. وتشير الإحصائيات على مستوى العالم أنه في عام 1992م تسببت المبيدات في حالات التسمم لما يقرب من 25 مليون شخص في الدول النامية، يموت منهم ما يقرب 20 ألف شخص سنوياً.

أضرار المبيدات على التربة والبيئة:

تعتبر المبيدات الحشرية من أخطر ملوثات البيئة و التربة ، ويؤدى الإستخدام المتكرر لهذه المبيدات في النهاية إلى تدمير التنوع الحيوي الذي يشمل كافة أشكال الكائنات الحية ومن ثم خفض خصوبتها وكذلك قتل العديد من الكائنات الحية النافعة بها، علاوة علي تراكم متبقيات المبيدات بعناصر البيئة المختلفة والتي تمتص بدورها داخل النباتات (التراكم الحيوي) وعند تغذية الحيوان أو الإنسان على تلك النباتات  فإن النتيجة هي انتقالها لهما بما يعرف بالتراكم داخل السلاسل الغذائية او(التضخم الحيوي)، والذي يضاعف مستوي الضرر الناتج من متبقيات المبيدات.

أضرار المبيدات على الدخل القومي:

أضرار تلحق بالدخل القومي والمصلحة العامة نتيجة تلوث شحنات الأغذية المصدرة بمتبقيات المبيدات والذي يعرضها للرفض من قبل الأسواق المستوردة ومن ثم نفقد جزءا هاما من مصادر الدخل القومي وسمعة الصادرات المصرية، في الوقت الذي تحتاج فيه مصر إلي فتح اسواق وآفاق جديدة لمنجاتها الزراعية لكي تحتل المكانة التي تستحقها في ذلك المجال.

بعد سماع القاضي لقائمة الإتهامات الموجهة من ممثلي الإدعاء الي المدعو مبيد، توجه الي المتهم المبيد بالسؤال قائلا له ماقولك في الإتهامات المنسوبة إليك.

تكلم المبيد قائلا: بداية ياسيادة القاضي فأنا لا أنكر أيا من هذه الإتهامات وأقر بها جميعا ولكني أريد من عدالتكم السماح لي بكلمة أوضح فيها موقفي. رد القاضي حق مكفول لك فتكلم فإننا نود ان نسمع منك ردك خاصة بعد إعترافك بكل ما هو منسوب إليك.

ماهي المبيدات؟

تكلم المبيد قائلا بداية ياسيادة القاضي أعرف نفسي، المبيد هو:

“مادة كيميائية تقتل أو تمنع أو تحد من تكاثر أو إنتشار الكائنات الحية الضارة التي تنافس الإنسان في غذائه وممتلكاته وصحته”

أرقام في عالم المبيدات

بعد أن عرف المبيد نفسه قال هناك بعض الأرقام أود أن أعرضها لعدالتكم قبل ان اتكلم وهي:

  • حجم الخسائر التي تسببها الآفات الزراعية من مسببات مرضية وحشائش وآفات حشرية يزيد عن 30% من الإنتاج العالمي من المحاصيل الزراعية.
  • الخسائر في الإنتاج الزراعي العالمي نتيجة الإصابة بالآفات حوالي 600 مليار دولار سنويا.
  • يصل عدد الوفيات في العالم بسبب الجوع إلي 20 مليون نسمة سنويا.
  • وصل حجم التجارة العالمية في المبيدات عام 2018 حوالي 65 مليار دولار منها 4.5 مليار للمبيدات الحيوية.
  • يستهلك قطاع الزراعة حوالي 85% من المبيدات المنتجة علي المستوي العالمي.
  • تستهلك الدول المتقدمة 75% من حجم الإستهلاك العالمي بينما يصل إلي 25% في الدول النامية.
  • تكلفة إنتاج المبيد بداية من طور المعمل والتجريب إلي التطبيق الحقلي تصل إلي 200 مليون دولار.
  • تحتل دول مناطق أمريكا الشمالية والجنوبية وأوروبا وآسيا النصيب الأكبر في التوزيع الجغرافي للإستهلاك العالمي تليها افريقيا واليابان بما يصل إلى 26، 11، 27، 17، 3 و3% على الترتيب.

ثم تكلم المبيد قائلا ولن أطيل علي عدالتكم فهناك أرقام أكثر من ذلك بكثير وكلها تشير إلي شىئ واحد وهو أنني ماجئت بنفسي ولكنكم انتم أحضرتموني لأكون مساعدا وصديقا يحفظ لكم ما يزيد عن ثلث انتاجكم الزراعي من ضياعة بواسطة الآفات، فأنا صديق ولست بعدو ولقد بدأت بتعريف نفسي باني ماصنعت إلا لأكون سما قاتلا للآفات.

هذه هي طبيعتي وخصائصي التي اساعدكم بها وعن طريقها فأنا أقوم بالدور الذي جئت من أجله ولكنكم أفرطتم في استخدامي، ياسيادة القاضي إن المبيدات تؤدي دورا هاما ومحوريا في عملية الإنتاج الزراعي في جميع مراحله وقد أدي النجاح الذي أظهرته المبيدات في القيام بهذا الدور إلي زيادة الإعتماد عليها والإفراط في إستخدامها.

والسبب الحقيقي في هذه الأضرار هو انكم قدمتموني لأشخاص غير مدربين ولا مؤهلين لا يعون طبيعتي وخصائصي التي اعمل بها فهل اتحمل انا نتيجة أعمالهم وماترتب عليها من أضرار، “هل يمكن لأحدكم ان يقدم سيارته للجزار ليصلحها ثم يقول هذه السيارة لاتعمل بكفاءة إذا هذه السيارة لا تصلح.

إدارة المبيدات

يا سيادة القاضي يتطلب استخدام المبيدات مسؤولية ومهارات خاصة ويعد عمل مهني هام حيث يجب على الشخص الذي يقوم باستخدام المبيدات أن يكون ملما بالمعلومات الخاصة بتداول المبيدات بشكل صحيح وآمن كما يجب ان تتوفر عدة شروط في هذا الشخص من أهمها:

  • الإلمام بأنواع الآفات الموجودة وطرق التعرف على الإصابة في الحقل
  • معرفة كيفية إختيار المبيد المناسب للآفة المراد مكافحتها وتحديد التوقيت المناسب للمكافحة بما يتناسب مع طبيعة وسلوك الآفة.
  • الوعي الكامل لدور المكافحة المتكاملة وأهمية تفعيل ذلك الدور في منظومة الإنتاج الزراعي.

يا سيادة القاضي إنكم تملكون منظومة قوية جدا تعد من أقوى الأنظمة العالمية التي تعمل على إدراة وتنظيم عملية تداول وإستخدام المبيدات في مصر “لجنة مبيدات الآفات الزراعية”، وأنا لم أحصل على تأشيرة العمل لديكم إلا بعد إجتيازى لحذمة كبيرة من الإمتحانات والإختبارات سواء علي المستوى المعملي أو الحقلي. ويعمل إلي جانب تلك المنظومة صرح علمي وبحثي كبير هو “المعمل المركزي للمبيدات” وهناك حيث يجب علىي إجتياز العديد من الإختبارات في العديد من الأقسام البحثية المتخصصة، والتي من شأنها التأكد من مطابقتي لشروط ومتطلبات الحصول علي تأشيرة العمل لديكم طبقا للقواعد التي وضعتها لجنة مبيدات الآفات الزراعية والتى تراعي فيها هذه المنظومة كل ما يسهم في الحفاظ على صحة الإنسان والبيئة وكذلك كل ما يحافظ على الدخل القومي وصورة الصادرات المصرية.

علاوة علي ذلك تقوم “لجنة مبيدات الآفات الزراعية” سنويا بنشر التقارير والكتيبات والتوصيات التي من شأنها أن تكون الدستور والمرجع لكل من يتعامل مع المبيدات، ومن ثم فإنه يجب نشر الوعي وتفعيل قرارات وتوصيات لجنة مبيدات الآفات الزراعية وأن يتم الإشارة إلى ذلك الجهد المبذول من اللجنة والقائمين عليها بكل وسيلة ممكنة ومن خلال كل وسائل الإعلام المختلفة حتي يصل إلي كل هيئة أو فرد من المتعاملين في مجال مكافحة الآفات والقائمين علي عملية الإنتاج الزراعي في مصر، ذلك إن أردتم أن تضعوا حلولا حقيقية تحمي صحة الإنسان والبيئة.

أختم كلامي يا سيادة القاضي بأنني ألتمس العدالة عندكم وأن تبرأ زمتي من كل التهم المنسوبة إلي.

 

زر الذهاب إلى الأعلى