د عبدالسلام منشاوي يكتب: استنباط أصناف قمح مبكرة النضج ضرورة لمواجهة التغيرات المناخية والظروف الحالية
رئيس بحوث متفرع – قسم بحوث القمح – معهد المحاصيل الحقلية – مركز البحوث الزراعية – مصر
الزراعة هي عصب الحياة وصمام الأمان للأمن الغذائي والحل الأمثل لمشكلة الغذاء. وتعد مصر حالياً من البلدان التي تعاني من معدلات منخفضة من الاكتفاء الذاتي للسلع الغذائية، وتعتبر دولة مستوردة للغذاء، إذ تعتمد على الخارج في استيفاء احتياجاتها الغذائية.
القمح هو الغذاء الرئيسي لمعظم شعوب العالم، وهو أهم محصول في مصر. وأصبح الأمن الغذائي تحديا رئيسيا لصانعي القرار في مصر، وسيلزم لمواجهة ذلك زيادة كبيرة في إنتاجية المحاصيل.
التحدي الأكبر للزراعة المصرية في المستقبل هو ندرة الموارد المائية، خاصة بعد بناء سد النهضة وتغير المناخ. قضية تغير المناخ وأثرها على الزراعة هي القضية الملحة الأكثر تداولا حاليا سواء على المجتمع الدولي عامة ومصر خاصة، وذلك نظرا لما قد يسببه تغير المناخ من تأثيرات وتداعيات مستقبلية خطيرة. ومن المعلوم أن قطاع الزراعة من أكثر القطاعات تأثراً بالتغيرات المناخية.
يعتمد إنتاج القمح إلى حد كبير جدا على الظروف البيئية خصوصاً عوامل المناخ، فالظروف الجوية كالحرارة والصقيع والفترة الضوئية والرطوبة النسبية وشدة الرياح تؤثر بدرجة كبيرة في نمو وتتطور المحصول. وبالتالي، هناك حاجة ملحة لتغيير النمط المحصولي الحالي ببعض المحاصيل قصيرة العمر(مبكرة النضج) لمعالجة المشاكل المذكورة بنجاح.
كما أن من الضروري اتخاذ تدابير لتكيف المحاصيل في ظل تغير المناخ. ويمكن مواجهة ذلك من خلال تجارب مواعيد زراعة لمعرفة مدى تكيف الأصناف للظروف الجوية من حيث الاحتياجات الحرارية والضوئية ودراسة الحساسية للفترة الضوئية حتى نستطيع أن نضع لكل صنف خريطة لتكيفه مع الظروف البيئية وميعاد الزراعة المناسب لكل صنف.
إن زراعة أصناف من القمح تتحمل درجات الحرارة المرتفعة بالإضافة إلى مقاومتها للجفاف والأصناف قصيرة العمر والمقاومة للأمراض والآفات إلى جانب زراعة القمح في الميعاد المناسب مع الالتزام بالسياسة الصنفية لأصناف القمح على المناطق الجغرافية، من الممكن أن يمنع التأثيرات السلبية المتوقعة للتغيرات المناخية أو على الأقل يخففها.
ويأتي استنباط أصناف قمح مبكرة النضج (قصيرة العمر) في مقدمة الأهداف السابقة، حيث من الممكن ان تساهم في:
1- رفع كفاءة استخدام المياه بتوفير رية للقمح.
2- الهروب من الجفاف في نهاية موسم النمو الذي يتعرض له المحصول خلال فترة امتلاء الحبوب.
3- الهروب من الأمراض خصوصاً الاصداء حيث ينهي النبات حياته قبل شدة الإصابة ويعطي انتاجية مقبولة من الحبوب.
4- يزيد من تكيف القمح مع التغيرات المناخية والتأقلم مع بيئات عديدة متباينة في ظروفها.
5- يسمح للقمح بالنمو في المواسم القصيرة مما يعطي الفرصة للتكثيف الزراعي واستحداث دورات زراعية جديدة ( مثل زراعة القطن بعد القمح ويصبح القمح والقطن محاصيل تبادلية وليست تنافسية) وبالتالي يعظم العائد من الأرض الزراعية.
6- الهروب من المخاطر التي تحدث في وقت النضج للمحصول.
7- زراعة القمح متأخراً بعد حصاد محاصيل الخضر قصيرة العمر، حيث أثبتت التجارب أن الأصناف المبكرة تناسب الزراعة المتأخرة.
وهناك تحدي كبير يواجه برامج التربية لاستنباط الأصناف المبكرة النضج، وهو وجود ارتباط سلبي بين التبكير والإنتاجية، فدائما ما تكون الأصناف المبكرة إنتاجيتها منخفضة. وهذا التحدي يفرض ضرورة تعديل وقت التزهير ليتناسب مع الظروف المناخية المحلية مع الحفاظ على الإنتاجية. كما يجب البحث في إمكانية دمج كل أو أكبر عدد ممكن من الصفات المرغوبة و/أو الصفات المحصولية الهامة في صنف واحد. وفي حالة عدم إمكانية ما سبق فالحد الأدنى هو الحصول على إنتاجية مقبولة مع تحقيق تقدم ملموس وواضح في التبكير. ولنجاح استنباط أصناف مبكرة، فمن الضروري الفهم الشامل للعوامل الوراثية والفسيولوجية التي تؤثر على نمو وتطور القمح، خصوصا الجينات المسؤولة عن وقت طرد السنابل.
إن تَمَيُز وتَكَشف الأعضاء يحدد العديد من مراحل تطور ونمو القمح الفسيولوجية المختلفة وعادة ما تتميز المراحل التالية لنمو القمح: الإنبات، الانبثاق، التفريع، بداءات الأزهار (الأخاديد المزدوجة)، نهاية السنيبلات، أول عقدة ( بداية استطالة الساق)، الحمل، ظهور السنبلة ، التزهير والنضج. تعتمد الفترة الزمنية لكل مرحلة من مراحل التطور بشكل أساسي على التركيب الوراثي ودرجة الحرارة وطول النهار وميعاد الزراعة.
إن فهم التحكم الوراثي لوقت طرد السنابل في القمح سيمكن مربي القمح من استغلال الجينات المصاحبة، والتي تضبط نمو المحصول وتطوره لتلبية متطلباته البيئية وزيادة الإنتاجية. وقت طرد السنابل هو مكون هام جدا من مكونات دورة الحياة وهو المسؤول عن التبكير، ويتميز بتحكم وراثي عالي جدا ومعقد.
وهناك ثلاث مجموعات من الجينات ذات تأثير كبير تتحكم في وقت طرد السنابل في القمح وهي جينات الاستجابة للارتباع وجينات الاستجابة للفترة الضوئية وجينات التبكير(التبكير في حد ذاته Eps). وتعرف جينات التبكير بأنها الجينات التي تتحكم في معدل النمو عندما يتم تلبية متطلبات الاستجابة للارتباع والفترة الضوئية.
وباستثناء جينات التبكير، تلعب البيئة دورا مهما في التعبير عن جينات الاستجابة للارتباع، و للفترة الضوئية.
يقسم القمح الى ربيعي وشتوي تبعاً للاستجابة للارتباع، فالارتباع ضروري لتطور التفريع والحث على طرد السنابل في القمح الشتوي، في حين التفريع وطرد السنابل في القمح الربيعي يحدث بغض النظر عن درجة حرارة الارتباع.
ومع ذلك، حتى مع اكتمال متطلبات الارتباع، لا يمكن لقمح الخبز الحساس للفترة الضوئية أن يزهر حتى يتم الاستيفاء من الفترة الضوئية الحرجة.
تتطلب الأصناف الحساسة للفترة الضوئية فترة من الأيام الطويلة لتسمح بتكوين بداءات الأزهار. ويمكن أن تكون أنواع القمح الشتوي والقمح الربيعي حساسة للفترة الضوئية أو غير حساسة.
الأصناف غير الحساسة للفترة الضوئية تكون مبكرة في طرد السنابل تحت ظروف بيئات النهار القصير أو الطويل وعلى العكس من ذلك الأصناف الحساسة للفترة الضوئية تحتاج التعرض لنهار طويل لأسابيع قبل البدء في الإزهار.
الفئة الثالثة من الجينات التي تتحكم في وقت طرد السنابل في القمح والأهم هي جينات التبكير في حد ذاتها (Eps). تؤثر جينات Eps على ظواهر النمو (الفينولوجي) للقمح عند استيفاء جميع متطلبات الارتباع والفترة الضوئية.
وتمثل التحكم الدقيق لوقت طرد السنابل، ربما يكون ذلك من خلال تحديد كمية ومعدل البراعم الخضرية والزهرية المنتجة للنبات. معظم جينات صفات التبكير Eps ، عالية التوريث ولا تتأثر بالبيئة، وتظهر أهميتها نظراً لاستخدامها بكفاءة في برامج التربية لتعديل وقت طرد السنابل في القمح عن طريق تحسين / تقصير دورة حياتها.
وهناك كثير من المعوقات والمشاكل التي تواجه برنامج استنباط أصناف قمح مبكرة النضج ومنها:
1- نقص الأصول الوراثية للتربية لهذه الصفة على المستوى العالمي والمحلي.
2- التغيرات المناخية من سنة لأخرى، وبالتالي يكون هناك صعوبة في الانتخاب وتحقيق تقدم في هذا المجال.
3- نقص المعايير والصفات الفسيولوجية التي يتم على أساسها الانتخاب واختيار النباتات لتحقيق الأهداف.
4- الفقد من خلال أكل العصافير والقوارض وخلافة من الحشرات حيث تكون السلالات المبكرة هي الأكثر عرضة لذلك مما يتطلب حماية أكثر.
قد يتساءل البعض فيقول هناك مناطق لديها أصناف مبكرة وينضج القمح على 100 يوم والقمح بمصر ينضج بعد 140-150يوم فلماذا لا نزرعها بمصر؟؟؟
وللإجابة على هذا السؤال فأن ما سبق ذكره بتحكم ثلاث عوامل رئيسية في التبكير وهي جينات الاستجابة للارتباع وجينات الاستجابة للفترة الضوئية وجينات التبكير(التبكير في حد ذاته Eps).
والقمح المزروع بمصر قمح ربيعي لا يتأثر بالارتباع، وبالتالي يكون التأثير عن طريق الاستجابة للفترة الضوئية وجينات التبكير. ويتحكم في جينات التبكير درجات الحرارة،
وعلية يكون المتحكم في التبكير بالنسبة للقمح الربيعي هي درجات الحرارة والفترة الضوئية. ويتم التعبير عن نمو القمح عادةً في صورة وحدات حرارية مجمعة أو ما يعرف بدرجات النمو اليومي (GDD, Growing Degree Days).
فلكل صنف وحدات حرارية خاصة به وبمجرد استيفاء هذه الوحدات الحرارية يتم طرد السنابل. فقد ينضج الصنف على 150 يوم حينما يزرع في منطقة معتدلة البرودة (مصر)، ولكن إذا زرعنا نفس الصنف في منطقة حارة ينضج على 100 يوم (السودان وموريتانيا).
وعلبه نلاحظ أطول موسم لنمو القمح هي المناطق الباردة والنهار القصير (كندا) وأقل موسم لنمو القمح المناطق الحارة والنهار الطويل. وتبادل الأصول الوراثية متاح على مستوى العالم وليس هناك ما يمنع من وجود أي صنف مبكر في أي مكان بالعالم وزراعته ولكن في النهاية الظروف الجوية بالمنطقة هي التي تحدد طول موسم نمو النبات.
والخلاصة أن التحسين المتزامن لاستنباط سلالات واعدة عالية الإنتاجية ومبكرة النضج أمر ممكن وضروري لمواجهة التغيرات المناخية وتحمل الحرارة المرتفعة.
وجود أصناف القمح مبكرة النضج والمقاومة للأمراض والتي تعطي انتاجية عالية أو مقبولة من محصول الحبوب سوف تكون احتياجاتها المائية منخفضة ولديها القدرة والمرونة على التكيف والأقلمة على تغير المناخ وتحقق المميزات المتعددة والمذكورة سابقا للأصناف المبكرة النضج.