د خالد وصيف: الإدارة علم وفن لخدمة الدولة المصرية
خبير موارد مائية – مصر
الجهاز الادارى المصرى جهاز عتيق عمره يتجاوز المائة وخمسين عاما، ويحتاج الى جراحات عاجلة لانقاذه وتجديد شبابه، ومع تلك الجراحات مجموعة كبيرة من المقويات التى تساعده فى تلك السن المتقدمة، حتى يستطيع استيعاب الافكار الادارية الحديثة التى تقود وتسود فى العالم المتقدم، والاهم تغيير السوفت وير الخاص به قبل الاهتمام بالهارد وير، ولذلك فإن الإدارة علم وفن.
علم لانها تعتمد على قوانين ونظريات يتم الوصول اليها باساليب عليمة مثل الملاحظة والتجريب والاستقصاء، وهى فن لانها ترتكز على القدرة الشخصية فى تطبيق تلك النظريات والقوانين بطريقة لبقة وذكية، والادارة مدارس ناجحة وفاشلة، الناجحة تعتمد على تحقيق الاهداف المرسومة بالاستخدام الأمثل للموارد المتاحة، وفق منهج مُحدّد، وضمن بيئة معينة.
السوفت وير مختص بالافكار والمبادئ التى تحكم عقلية الموظف من اصغر درجة الى اكبرها. تلك الافكار هى العقبة الكؤود التى تقف امام كل محاولات التطوير، وهنا سأطرف مبدأين اثنين فقط مطلوب تعديلهما، الاول مبدأ حافة الكرسى، والثانى مفهوم السلطة والمهمة.
المدرسة الادارية الفاشلة هى التى تعتمد على سياسة حافة الكرسى التى تعود جذورها للاحتلال العثمانى لمصر، وهذه السياسة تعتمد على حرمان القيادة من الشعور بالراحة او الاطمئنان. تبث الشعور بالخوف وتسلط سيف الاقالة فوق رأسه يوميا. ان تجلس القيادة نصف جلسة وبالتالى يصعب عليها فرد ظهرها لينكفئ للامام وينحنى الرأس ليتوازن مع وضع الجلسة غير المريحة.
هل يمكن ان تفكر تلك القيادات فى خطة او معدلات او اهداف ؟، ام ستتخذ كل الاحتياطات التى تؤمن بقائها على الحافة لاكبر وقت ممكن، حتى ولو كانت الجلسة غير مريحة؟. تنتظر مرور الايام على خير بدون تحويل للنيابة او صدور نشرة مفاجئة تتضمن نقلها فى احد مساءات الخميس.
ادارة حافة الكرسى مدمرة وعواقبها وخيمة. نتيجتها قيادات في السلم الإداري خائفة مرتعشة محبطة تبدى ولاءا ظاهريا وكرها باطنيا.
قيادات تضطر لتقديم بيانات مضروبة وتعرض انجازات مزيفة وتخشى من طرح آراء تختلف مع التوجهات حتى ولو كانت صائبة. قيادات سينزلق بعضها لمستنقع الوشاية وكتابة التقارير فى الزملاء والمنافسين، وستسعى لتقديم كل مظاهر التزلف والنفاق لمن يملك سلطة الاقامة او الاقالة..
والادارة الناجحة هى التى تعتمد على التفويض والتكليف بالمهمة ومتابعتها، ثم محاسبة على النتائج. والقيام بالمهمة يختلف تماما عن ممارسة السلطة التى هى اختبار دقيق لمن يشغلها
فى التاريخ الاسلامى واقعة مشهورة ذكرها ابن قتيبة فى عيون الاخبار.
اراد الخليفة عمر بن الخطاب ان يسأل عن شخص قبل ان يوليه منصبا ما. طرح السؤال على الحضور فى مجلسه، وقف احد الحاضرين وقال: انا اعرفه. سأله بن الخطاب عن درجة معرفته به. هل هى جيرة وصداقة ام معاملة تجارية. قال الرجل: هو دائم التردد على المسجد.
رد عليه الخليفة الفاروق فى حسم: اجلس فانت لا تعرفه؟
حينما يتناول الناس شخصا بالمدح فى تدينه او اخلاقه. سيكون ردى هو: هل عاشرته وهو يشغل منصبا ويمارس سلطة؟
السلطة مثل جهاز الاشعة تحت الحمراء. يكشف خلجات النفس وما تحت الجلد. وهى اقوى الغرائز البشرية وأشدها اغراء وغواية، تتفوق عن باقى اضلاع المثلث المتمثل فى المال والجنس.
السلطة حين تسكر صاحبها يمكنها ان تحول الوجه الناعم لآخر حاد الملامح نافر العروق، والعيون السوداء لعيون حمراء تقدح شررا. ويمكنها ان تفقد صاحبها اتزانه وهو يسعى بكل الوسائل للمحافظة عليها من المنافسين.
لذلك قرن العرب قديما السلطة بالخمر، فقالوا خمر السلطة. حيث تذهب بالعقل مثلما تفعل الخمر، وحيث تؤدى للادمان مثل تفعل الخمر، وحيث تمنح صاحبها شعورا مزيفا بالسعادة، كما تمده باحساس زائف بالتفوق (انا جدع) الذى يجعله يصم الاذان سوى عن صوته..
لا تعرف الرجل قبل ان تسند اليه سلطة وتراقب عن كثب كيف يتصرف بها، كيف سيتعامل مع من حوله اثناء الجلوس على الكرسى، ثم كيف ستكون احواله بعد زوال السلطة عنه.
هل سيتقبل الامر ببساطة؟ هل سيعتريه الحزن على المنصب والحرس ووثيقة السفر الدبلوماسية وقاعة كبار الزوار؟
هل سيعتبر فترة السلطة مهمة مؤقتة أداها وانصرف، ام سيعانى من اثار انسحابية نتيجة ادمان الجلوس على الكرسى الوثير؟
ثم نظرته لمن حوله، ماهى نسبة من احتفظوا له بالود بعد ترك المنصب ؟ النصف. الثلث. الربع ؟. هل يشعر بالجحود من الجميع؟ هل خانوا الجميل ام خانه هو تقديره وثقته فى غير موضعها.