د خالد وصيف يكتب: القاهرة شرم نيويورك…المياه فى القلب
خبير موارد مائية – مصر
عنوان لافت الذى انعقد تحته هذا العام اسبوع القاهرة للمياه، المياه فى قلب العمل المناخى. الحقيقة ان المياه ستظل لفترة طويلة قادمة فى قلب الاحداث، فى العمل المناخى، وفى السياسات المائية والزراعية، وستكون فى قلب المعالجة الاقتصادية لتداعيات الازمات العالمية علينا. هى فى قلب القلب بلا ادنى مبالغة.
يأتى اسبوع القاهرة للمياه محطة اعداد وعتبة نتخطاها لسفرتين مهمتين. الاولى بعد اسابيع قليلة فى مدينة شرم الشيخ، حيث تنعقد قمة الكرة الارضية السابعة والعشرين.
كوب الذى تتجه اليه انظار العالم كله فى ظرف استثنائى بامتياز. لحظة اضطراب كونى بدلت اولويات دول العالم، طبقا لانخراطها بدرجات متفاوته فى الصراع الروسى الاوكرانى، وصراعات اخرى جاهزة للاشتعال فى اماكن متعددة فى العالم. تحدى كبير تواجهه قمة شرم الشيخ حتى تظل قضية الاحتباس الحرارى وتداعياتها فى الصدارة، كما قال الشاعر العربى: فان لم يطفئوها عقلاء قوم. يكون وقودها جثث وهام.
وعقلاء القوم الان هم قادة الدول الصناعية الكبرى، المصدر الاساسى للتلوث البيئى والاحتباس الحرارى، والمطالبة العادلة لهم بتحمل كلفة تأثير تلك الانبعاثات على بقية دول العالم واولها القارة الافريقية الاكثر تأثرا بالرغم من مساهمتها الضئيلة فى مسببات الاحتباس الحرارى. خبراء دوليون يترقبون يوم المياه فى قمة شرم الشيخ، والمبادرة المصرية التى ستطرحها مصر فى المؤتمر.
السفرة الثانية موعدها فى مارس القادم، حيث يلتئم مؤتمر المياه لتحقيق اهداف التنمية المستدامة والذى تعقده الامم المتحدة فى نيويورك لتقييم انشطة منتصف المدة (2018-2028) منذ انطلقت اهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالمياه، حيث يعانى 40% من سكان الكرة الارضية من ندرة المياه، بينما ترتفع نسبة الحرمان من خدمات الصرف الصحى لتصل الى 80% من سكان كرتنا الارضية.
وحينما توجه منسق احدى جلسات اسبوع القاهرة بسؤال للحضور، عم يرغب كل واحد منهم فى اصطحابه معه الى مؤتمر نيويورك، سواء زميل فى مقعد الطائرة او موضوع فى حقيبة السفر، كانت اجابة الدكتور هانى سويلم واضحة: عشرة مقاعد فى الطائرة لممثلى دول حوض النيل العشر كزملاء يرى اولوية وجودهم معه فى المؤتمر ويصطحبهم فى الطائرة،
اما الملف فكان ندرة المياه والتصحر والزيادة السكانية، وأظنها اجابة نموذجية من واقع شواغل الرى المصرى الحالية، فجوة تتوسع باضطراد بين موارد المياه واحتياجاتها حتى بلغت 21 مليار متر فى العام الواحد، تلك الفجوة مرشحة للاتساع طالما لم يتم التعامل معها بسياسات واضحة وخطط تنفيذ يتم الاتلزما بها بكل دقة، وتوعية جماهيرية واسعة.
وغنى عن البيان ان اصطحاب اشقائنا، وهو المصطلح الذى استخدمه وزير الموارد المائية المصرى، والذى يعبر بدقة عن العلاقة العضوية مع دول الحوض، والتى يمكن ان تمثل نموذجا لتحقيق مبدأ الاستفادة المشتركة وحل النزاعات المائية طبقا لقاعدة عدم الاضرار.
المياه فى قلب الاحداث خلال الستة شهور القادمة، والجهد الدبلوماسى المصرى لا يجب ان يركز فقط على ملف سد النهضة، بل تعميم نموذج التعاون المشترك من خلال ضرورة احترام قواعد القانون الدولى، وتطبيق مبادئ الاستخدام المنصف والعادل للدول المتشاطئة على مجارى الانهار.
أعود مجددا الى اسبوع القاهرة الذى شهد تواجد 66 منظمة دولية وأكثر من الف وخمسمائة مشارك، والى وثيقة القاهرة التى اعلنها السيد الوزير لدعم البلاد التى تعانى من ندرة المياه للوفاء بالتزاماتها لعام 2030.
والى القلب الذى تصدر شعار هذا العام، لاقول بكل ثقة ان مدرسة الرى المصرية قد فتحت قلبها مجددا لابنائها من الرواد والمجتهدين، ولعل الاهتمام والتعاطف الذى شهده حضور المؤتمر نحو المهندس الشاب احمد حسين الذى رحل عشية افتتاح المؤتمر، ثم الوقوف فى الجلسة الافتتاحية حدادا على روحه الطاهرة، ثم تكريم اسمه فى الجلسة الختامية للمؤتمر، هى اشارة واضحة ان الوزارة لا تنسى ابنائها المخلصين. وهى عودة لمبادئ مدرسة الرى العريقة التى لم تنس ابدا ابنائها.
ثم هناك تكريم مشرف لعدد كبير من اساتذة المركز القومى للمياه المتفرغين وغير المتفرغين، وشباب الباحثين، لفته مهمة تشير الى الدور الحيوى الذى يقوم به البحث العلمى والتطبيقى للوصول لنتائج تساعد فى رتق تلك الفجوة التى اشرنا اليها سابقا، بين احتياجاتنا من المياه، وبين مواردنا منها، وهى علامة أرشادية لملامح العمل خلال الفترة القادمة، حيث لا تفرقة بين الكوادر البحثية والتطبيقية، او بين العاملين قى قطاعات الرى المختلفة، الجميع فى مركب واحد، وجهود الجميع مطلوبة لتجاوز تلك الفترة الحرجة التى تشهد تحديات ضخمة
اظن ، بناء على تحليل لا معلومات، ان الهدف العام للسياسة المائية سيظل ثابتا كما هو وكما تم وضعه منذ عام 1997 لعلاج الفجوة بين الموارد والاحتياجات، وسيظل متوافقا مع رؤية مصر لعام 2030، والتى تدور حول محاور التنمية والترشيد، لكن هناك عدد من العلامات الارشادية الجديدة التى ستسهل السير على طريق الوصول لهذا الهدف..
تأهيل الترع سيتم تحت هدفه الاصلى وهو العودة بها الى استعادة وظيفتها الاصلية، نقل وتوزيع المياه باقل قدر من الفواقد، مع اخذ البعد الاقتصادى فى الاعتبار حين اختيار البديل المناسب للتأهيل، القلب هنا سيكون الهدف بذاته والطريق الاقصر لتحقيقه، بلا اهداف جانبية تشغل مساحة لا تستحقها، الترع للرى لا للسباحة، والمياه ضرورة لا ترفيه ولا استجمام..هنا ستحل العلامة الارشادية للتأهيل مكان التبطين الذى شاع خلال الفترة الماضيةِ. وهنا سيكون تطبيق عملى للمثل الشائع (لا يهم لون القطة طالما تستطيع اصطياد الفئران).
هناك علامة ارشادية خاصة باسلوب الادارة نفسه، التوسع فى التفويض ولامركزية اتخاذ القرار مع المتابعة والمحاسبة، وهو امر شديد الاهمية لمنح القيادات على مستوى المحافظات المرونة فى التعامل مع المواقف المختلفة، وهنا سيكون الاحتياج لقيادات تمتلك القدرة على اتخاذ القرار والدفاع عنه وتحمل مسؤوليته، قيادات تمتلك الشجاعة فى الرفض والتعديل والاقتراح للافضل بلا خشية ولا وجل. وتلك هى العلامة الاصعب خلال الفترة القادمة
وعلامة اخرى لاهمية التعاون بين الارض والمياه، او بين الزراعة والرى كمؤسسات، فى ظل مياه شحيحة سيكون التوسع فى محاصيل شرهة الاستخدام للمياه اسلوب بعيد عن الرشد، كما ان سوابق التدخل فى آليات السوق وقواعد العرض والطلب اثبتت كلها ضعف جدواها.
وهذا ليس دور الفلاح وحده، لابد من نشاط بحثى يقدم بدائل تدفع الفلاح لتبنيها، غير معقول ان يظل الفلاح المصرى مداوما على زراعة القمح والشعير والقطن والارز فقط، كما كان اجداداه فى العصر الفرعونى، وكما تثبت الرسوم على جدران المعابد، هنا تأتى اهمية الدور الحيوى لروابط مستخدمى المياه، من خلال وضع قانونى يتيح لها المشاركة بفاعلية فى ادارة المياه على مستوى الترع الفرعية..
المياه فى القلب معنى ومغزى، شعورا ووجودا، عاطفة وحقيقة..