د صلاح سليمان يكتب: بالعقل شيء يُحْزِنُ، وبِحَق
أستاذ بكلية الزراعة جامعة الأسكندرية – مصر
اليوم، كنت أحضر لقاءً مع طلاب من السنة الأولى بكلية السياحة والآثار، كنت أنا المتحدث فيه.
تحدثت عن حب واحترام أجدادنا لبيئتهم وتقديسهم لنهرهم والمحافظة على البيئة وصون الموارد الطبيعية، ثم رحت أحكي لهم عن عمتي “نفرتيتي” وشوقي إليها وعن الأزرق المصري الذي يلون معظم معابد ومقابر وآثار أجدادنا القدماء وكيف أثبتت هذه الصبغة أن مصر هي أصل ومهد علم الكيمياء، كما هي لغيرها من علوم الحساب والهندسة والفلك، ثم تحدثت عن علماء مصريون قادوا العالم مؤخرا في مجالات علوم البيئة في مقدمتهم مصطفى طُلبة وعبدالفتاح القصاص وغيرهما.
كان لقاءً مع طلاب وطالبات، هم شباب تتراوح أعمارهم بين ١٨-٢٠ سنة، طلاب في الجامعة، وفي كلية السياحة والآثار، لكن الذهول أصابني عندما عرضت عليهم صورة للتمثال النصفي الأشهرُ عالميًا لنفرتيتي، وأخرى للقناع الذهبي لتوت عنخ آمون، وعندما سألت، لم يجبني أحدهم عن اسم صاحبة التمثال أو صاحب القناع، وشعرت بالخوف.
كيف وصل الحال بنظام تعليمنا إلى هذا الوضع؟ أربعة عشرة عامًا من التعليم قبل الجامعي ونحو عامِِ فيه، ومع ذلك لا يعرف ابناؤنا وبناتنا من هم أشهر مشاهير أجدادنا.
لنا أن نبكي دمًا على ضياع هويتنا وضياع جيل، إن لم تكن أجيالًا كثيرةِِ غيره.
تساءلت وصُدِمت بالإجابة أن هؤلاء الطلاب والطالبات دخلوا إلى هذه الكلية وهذا التخصص ليس فقط بمجموع درجاتهم في الثانوية العامة وإنما أيضا، بعد اجتيازهم لاختبارات قدرات للقبول في هذه الكلية وفي هذا المجال.
نحن في مأزق، ولن تْفلح الجامعة في إصلاح فساد استشرى في الأساس، ونحن في حاجة إلى وقفة، وإلى صدق مع النفس، وإلى تجرد، وإلى أن نبحث عن علاج نحن في أشد الاحتياج اليه.
مرة أخرى: نظام تعليمنا الحالي يقتل التفكير خارج المألوف، يقتل الإبداع والابتكار، ويُغَيِّبُ العقل. نحن في حاجة إلى تغيير حقيقي يحرر عقول الأطفال والشباب ويهيئ لهم فقط الظروف التي تطلق لهم العنان في التخيل والتساؤل والتجريب والمحاولة حتى وإن كنا نعتقد نحن بخطئها أو عدم جدواها، لنترك لهم الخيار كاملا ونكف عن مبدأ “إللي أكبر منك بيوم يعرف أكثر منك بسنة”، هذا غير صحيح بالمرة. والاستدامة لن تتحقق من تنمية الموارد والمحافظة عليها فقط، الاستدامة تتحقق من إعداد وتربية أجيال قادرة ومستعدة أن تقوم غدًا بذلك.
صلاح سليمان
١٤ نوفمبر 2022