د عاطف كامل يكتب: أهمية نظم الإنذار المبكر للحد من مخاطر الكوارث البيئية والتكيف مع تغير المناخ
خبير دولي في الحياة البرية وشؤون البيئة
يكتسب إنشاء آلية الإنذار البيئى المبكر والإعلان عنها فى “كوب 27” بشرم الشيخ أهميته من واقع تقارير مكتب الأمم المتحدة للحد من الكوارث البيئية التى تحذر من أن نصف دول العالم على الأقل غير محصنة ضد الأضرار البيئية الناجمة عن التغيرات المناخية وأن أسوأها وضعا وأكثرها انكشافا هى البلدان الأقل دخلا.
ويأتى إنشاء تلك الآلية على ضوء استراتيجية الأمم المتحدة للحد من آثار الكوارث 2015 – 2030، ويؤكد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش أهمية استثمار دول العالم الغنية فى إنشاء وتشغيل تلك الآلية للإنذار البيئي المبكر واعتبار استثمارها فيها استثمار في المستقبل وسيكون له مردوده الاقتصادى لدول العالم كافة الغنية و الفقيرة على المدى الطويل .
أنظمة الإنذار المبكر في حماية البيئة
نظام الإنذار المبكر هو إجراء تكيفي لتغير المناخ، باستخدام أنظمة الاتصال المتكاملة لمساعدة المجتمعات على الاستعداد للأحداث الخطرة المتعلقة بالمناخ. ينقذ نظام الإنذار المبكر الناجح الأرواح والوظائف والأراضي والبنى التحتية ويدعم الاستدامة على المدى الطويل. ستساعد أنظمة الإنذار المبكر المسؤولين والإداريين الحكوميين في تخطيطهم، وتوفير الأموال على المدى الطويل وحماية اقتصادات الدول. قدمت الأمم المتحدة، التي تعمل في شراكات متنوعة، عدداً من مبادرات أنظمة الإنذار المبكر المبتكرة في المناطق المعرضة للخطر حول العالم.
إن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المميز “تعزيز نظم المعلومات المناخية والإنذار المبكر من أجل التنمية المرنة تجاه المناخ والتكيف مع تغير المناخ” هو برنامج شامل يعمل في جميع أنحاء أفريقيا وآسيا والمحيط الهادئ. تضمن الأنظمة المطبقة على المستويين الإقليمي الفرعي والإقليمي التأهب والاستجابة السريعة للكوارث الطبيعية، باستخدام نموذج يدمج مكونات المعرفة بالمخاطر، والرصد والتنبؤ، ونشر المعلومات والاستجابة للتحذيرات.
كما تقدم كيانات الأمم المتحدة الدعم كشركاء منفذين لمبادرة أنظمة المخاطر المناخية والإنذار المبكر، التي تم إطلاقها في مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ في باريس في عام 2015. تعزز هذه المبادرة قدرة أنظمة الإنذار المبكر للأخطار المتعددة، وتعمل في 19 دولة في إفريقيا والمحيط الهادئ، بما في ذلك أقل البلدان نمواًوالدول الجزرية الصغيرة النامية ، الأكثر عرضةً للأعاصير والفيضانات الاستوائية.
في يونيو 2018، أعلنت مبادرة أنه سيتم إدخال البرنامج تدريجياً في كلٍ من جمهورية الكونغو الديمقراطية وبوركينا فاسو ومالي والنيجر.
وتواصل اللجنة التوجيهية لمبادرة تحديد الدول الجديدة في أفريقيا وآسيا التي يمكن تمويل البرامج فيها. وتشير التقارير الأممية إلى أن نصف بلدان العالم النامية وثلث جزر العالم تواجه الآن تهديدات بيئية خطرة، وأن معامل الخطر البيئي فيها يزيد على ثمانية أضعاف معامل الخطر البيئى فى الدول الأكثر تقدما .
وقد شدد الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو جوتيريش فى مداخلاته على هامش قمة المناح المنعقدة حاليا فى شرم الشيخ على أهمية تلك الآلية، معتبرا أنها أحد وسائل نقل مفاهيم الوقاية البيئية من حيز الدراسات النظرية إلى حيز التطبيق العملى المفيد للبشرية.
وأشار الأمين العام للأمم المتحدة فى تقرير ذو صلة إلى أن فكرة إقامة آلية الإنذار المبكر للأنهار والبحيرات العذبة ستناقش فى قمة سيدني للمياه المقرر عقدها برعاية الأمم المتحدة العام القادم، مؤكدا أن قمة شرم الشيخ التى تتخذ شعار “من الوعود إلى التنفيذ” هى منصة انطلاق جيدة لإطلاق آلية الإنذار البيئي المبكر، وأنه سيتم في قمة المناخ القادمة “كوب – 28″ بدولة الإمارات العربية المتحدة مراجعة ما تم تنفيذه فى هذا الصدد وتذليل أية معوقات عملية أمام تشغيل الآلية الجديدة.
ويؤكد الأمين العام للأمم المتحدة أن آلية الإنذار المبكر التي ترعاها الأمم المتحدة ووكالاتها البيئية المتخصصة ستكون جاهزة للعمل والتشغيل فى غضون خمسة أعوام فقط من الآن إذا أوفت دول العالم الغنية بما تعهدت به تمويليا فى قمم المناخ السابقة، وأشار إلى أن آلية الإنذار المبكر من آثار التغيرات المناخية ستكون أداة فعالة فى إدارة الكوارث البيئة ليس فى سواحل العالم فقط بل فى حالات الفيضانات والجفاف الممتد والموجات الحارة والعواصف وجميعها مهددات بيئية تكبد الاقتصاد العالمى خسائرا مليارية فى كل عام .
كما سيلعب مكتب الأمم المتحدة للحد من الكوارث United Nations Office for Disaster Risk Reduction دورا مهما في تنظيم تعاون الجهود الوطنية والدولية لمجابهة آية تهديدات بيئية متعاونا فى تحقيق هذا الهدف مع المجموعة الدولية الاستشارية المشكلة بمعرفة الأمم المتحدة لهذا الغرض وكان ذلك فى اجتماعات استضافتها القارة فى سبتمبر 2022، وتضم تلك المجموعة في عضويتها أكاديميون وخبراء فى المنظمات الإغاثية غير الحكومية ومؤسسات قطاع خاص ومنظمات أعمال كبرى وممثلو حكومات.
ويقول خبراء حماية البيئة في الأمم المتحدة إن عمليات الرصد العلمي للبيانات حول نقاط التهديد البيئي حول العالم قد بدأت بالفعل منذ مارس الماضي بمعرفة المنظمة العالمية للأرصاد ووكالات الأمم المتحدة المتخصصة، وحددت عمليات الرصد متطلبات رفع حالة الجاهزية العالمية لمواجهة الكوارث والأعاصير مع التأكيد على أن حماية الإنسان وإنقاذ الملايين أن الإنسان ” أينما حل” ستكون الهدف الأول والأخير لتلك الآلية.
فى سياق متصل، أوضحت المنظمة الدولية للأرصاد الجوية أن آلية الإنذار البيئى المبكر تهدف إلى رصد واكتشاف الأخطار والتهديدات البيئية الناتجة عن التغير المناخي فى العالم، وأنها ستعمل وفق إطار دولي تقف أجهزة الأمم المتحدة على تنفيذه وتستفيد منها الدول الأقل نموا على كوكب الأرض التى تمتلك شواطئا، وكذلك تستفيد منها الجزر المنتشرة فى العالم والدول الأرخبيلية التى تتكون من جزر متعددة يؤدى ارتفاع مناسيب البحار والمحيطات إلى تآكلها ومن ثم محوها بالكامل من خارطة اليابسة فى العالم .
وبحسب تقرير صادر عن المنظمة الدولية للأرصاد التي تتخذ من باريس مقرا لها- وتشارك حاليا فى ( كوب – 27 ) – ستشتمل منظومة الإنذار المبكر من الكوارث البيئية على مئات الآلاف من المحطات الرصدية الساحلية التى تقوم بمتابعة وقياس ارتفاعات الأمواج وسرعتها واتجاهات الرياح والأثر البيئى الناتج عن ذلك والمتمثل فى عمليات النحر الساحلى للشواطئ وهو أمر يهدد السياحات الشاطئية فى الدول المتضررة من تلك الظاهرة وكذلك يهدد الحياة البحرية ومناطق الصيد فيها .
وستعمل الآلية الجديدة وفق نسق متكامل للإنذار من الكوارث البيئية تبدأ بمرحلة جمع المعلومات والرصد لأية تغيرات مناخية و مناحى الخطر و قوته وتحديد اتساقه مع الأبحاث العلمية التنبؤية المسبقة لمصادر التهديد البيئى ومن ثم تحديد مناطق الانكشاف البيئى المحتمل مبكرا قبل وقوع الكارثة. وتأتي بعد ذلك مرحلة بناء القدرات ذات الطابع الدولي والأخرى ذات الطابع الوطني في نقاط العالم الأشد تعرضا للتهديدات البيئية وذلك بعد حشد التمويل الدولي اللازم لذلك . وأخيرا تأتي مرحلة الإنذار الجماهيرى من خلال التوعية والتواصل عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعى لحماية السكان فى المناطق المهددة بيئيا ومد يد الغوث لهم فى الوقت المناسب .
وسترتبط مراكز الرصد المبكر فى الآلية الجديدة بمحطات استقبال الصور الفضائية التى تلتقطها الأقمار الاصطناعية وتغطى كافة أنحاء كوكب الأرض، وفي هذا الصدد شدد بيان الأمم المتحدة على أهمية إنشاء شبكات الربط وإقامة الشراكات اللازمة بين دول العالم ووكالاته المتخصصة لتحقيق أقصى درجات الاستجابة والجاهزية حالة رصد أية مهددات بيئية فى أى مكان فى العالم، لاسيما النقاط الأعلى خطورة فى أمريكا الجنوبية وإفريقيا والباسيفيك الجنوبى.
وأشار التقرير الجديد، الصادر عن 16 وكالة ومؤسسة تمويل دولية، إلى أن ظواهر الطقس والمناخ المتطرفة زادت في تواترها وشدتها وحدتها نتيجة لتغير المناخ، وأصبحت تضر بالمجتمعات الضعيفة بشدة غير متناسبة. ومع ذلك، يظل واحد من كل ثلاثة أشخاص لا يتمتع بتغطية نظم الإنذار المبكر بالقدر الكافي.
التقرير يشير إلى أن زهاء 108 ملايين شخص على صعيد العالم قد طلبوا المساعدة، في عام 2018، من النظام الإنساني الدولي، نتيجة للعواصف والفيضانات والجفاف وحرائق البراري. وتشير التقديرات إلى أن هذا العدد مرشح للزيادة بحلول عام 2030 بنسبة 50 في المائة تقريبا، بتكلفة تبلغ حوالي 20 مليار دولار سنويا.
ويحدد التقرير أين وكيف يمكن للحكومات أن تستثمر في نظم ناجعة للإنذار المبكر، تعزز قدرة البلدان على الصمود أمام الأخطار المتعددة المتصلة بالطقس والمناخ والماء، كما يقدم التقرير أمثلة ناجحة.
توصيات استراتيجية الإستثمار لتحسين تنفيذ نظم الإنذار المبكر وفعاليتها على نطاق العالم:
- الاستثمار لسد الثغرات في القدرات فيما يتعلق بنظم الإنذار المبكر، لا سيما في أقل البلدان نموا والدول الجزرية الصغيرة النامية.
- تركيز الاستثمار على تحويل معلومات الإنذارات المبكرة إلى إجراءات مبكرة.
- ضمان استدامة التمويل للنظام العالمي للرصد الذي تقوم عليه الإنذارات المبكرة.
- تتبع التدفقات المالية لتحسين فهم أين تُخصص هذه الموارد فيما يتعلق باحتياجات تنفيذ نظم الإنذار المبكر، وتحديد الأثر المترتب على ذلك.
- تحقيق مزيد من الاتساق في المراقبة والتقييم لتحديد فعالية نظم الإنذار المبكر بشكل أفضل.
- سد الفجوات في البيانات، لا سيما في الدول الجزرية الصغيرة النامية.