د علي إسماعيل يكتب: الزراعة المصرية.. ومنظمة «البريكس»
أستاذ إدارة الاراضي و المياه – مركز البحوث الزراعية … مصر
اذا نطرنا الي الواقع وما يحيط بالمنطقة العربية من متغيرات دولية في ظل المستجدات العالمية ومحاولات تغيير موازين القوي الدولية للوقوف في مواجهة الهيمنة الامريكية وسطوة الدولار علي العالم يكشف أهمية الزراعة المصرية في دعم الإقتصاد للدولة المصرية، وبعد زيارة الرئيس الصيني للمملكة العربية السعودية وعقد مجموعه من القمم مع القيادة الصينية التي تسعي الي الدفع بتوازن اقليمي ودولي جديد واتفاقيات اقتصادية مع دول المنطقة العربية ومحولات الدخول في منظمة «البريكس» الذي تم تأسيسها ككيان اقتصادي يقلل من هيمنة الدولار علي الاسواق والمعاملات التجارية التبادلية والتي سوف تقلل الضغط علي الدولار مستقبلا في ظل متطلبات صندوق النقد وزيادة الواردات الي اكثر من ٨٠ مليار دولار من السلع ومستلزمات الصناعة والحبوب واللحوم وغيرها من المواد الغذائية.
الزراعة المصرية والصادرات وتجمع «البريكس»
الزراعة المصرية قد تكون احد ركائز الصادرات السلعية خلال الفترة المقبلة من الخضر والفاكهة والصناعات الغذائية في محاور التبادل التجاري لمجموعة دول «البريكس» وتسعى مصر للانضمام إلى مجموعة بريكس للاقتصادات الناشئة الرئيسية التي يسيطر أعضاؤها على ربع الاقتصاد العالمي بانضمامها إلى البنك التنمية الجديد “NDB” الذي يمثل خطوة مهمة نحو الانضمام المجموعة الاقتصادية الهامة وبناء شراكة قوية مع بنك التنمية الجديد الذى يمتلك قدرات تمويلية هائلة، وخبرات دولية متقدمة يمكن أن تساعد مصر في تلبية احتياجاتها التمويلية.
تحديث منظومة الزراعة وتطوير البنية التحتية
كما تستهدف الدولة المصرية في تعظيم جهودها فى تطوير البنية التحتية، على نحو يسهم في تحقيق الأهداف الطموحة لمصر فى مجال التنمية المستدامة، خاصة أن البنك يعد بمثابة منصة جديدة لمصر لتعزيز التعاون مع دول تجمع “بريكس” وغيرها من الاقتصادات الناشئة والبلدان النامية في مجال البنية التحتية والتنمية المستدامة.
وتعزز التغيرات الاقتصادية التي يشهدها العالم حاليًا، فرص مصر في الانضمام لمجموعة “بريكس” للاقتصادات الناشئة، ويعتبرها البعض التحالف المضاد والمنافس المستقبلي لمجموعة السبع الصناعية الكبرى.
وتمثل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا ما يقرب من ربع الاقتصاد العالمي وساهمت بأكثر من نصف النمو العالمي في عام 2016، وتنتج تلك الدول 30% من ما يحتاجه العالم من السلع والمنتجات فيما يمثل تعداد مواطنيها 40% من تعداد العالم.
تمتاز تلك الدول بمساحة جغرافية كبيرة تزيد على 39 مليون كيلومتر مربع تعادل 29.3% من إجمالي اليابسة مع تنوع في الإنتاج، ففيها أكبر منتجين للقمح والحبوب واللحوم والغاز، علاوة على أن الناتج المحلي لها أكبر من الناتج المحلي لدول مجموعة السبع الصناعية الكبرى.
وانضمت مصر إلى بنك التنمية الجديد “NDB” الخاص بدول تجمع بريكس، واعتبرها ماركوس ترويخو رئيس البنك، واحدة من أسرع دول العالم نموًا، كما تمتلك اقتصادًا رائدًا بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
مصر أكبر نافذة لتجمع «البريكس» في تبادل الصادرات
بالنسبة للتحالف فإن مصر نافذة أكبر على منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما أنها محطة أساسية لطريق الحرير الصيني، علاوة على موقعها الذي يؤهلها للقيام بأدوار أكبر لتصريف منتجات دول بريكس في أفريقيا خاصة أن جنوب أفريقيا بحكم موقعها الجغرافي المتطرف، لا يمكنها القيام بذلك الدور في القارة السمراء.
وتستورد مصر من دول التحالف الحبوب واللحوم والسيارات والأجهزة الإلكترونية وقطع الغيار، وتصدر جلودا وأثاث وخضروات وفاكهة وقطنا خاما وكيماويات وأسمدة نيتروجينية، والأخيرة من الأمور المهمة لدول بريكس خاصة البرازيل التي تمثل الأسمدة نصف وارداتها من مصر، أما الهند فاستوردت العام الماضي بنحو 312 مليون دولار أسمدة كيماوية ونشادر .لكن توجد عدة تحديات يجب حلها لتحقيق أكبر استفادة من دول بريكس على مستوى تصدير الحاصلات الزراعية أهمها وجود عجز ملموس في الموازين التجارية الكلية والزراعية بين مصر وتلك الدول.
أنظمة التبادل التجاري وتقليل الإعتماد علي الدولار
ان التحول لنظام المقايضة والاتفاقيات المباشرة مع الدول المصدرة ضرورة لتقليل الطلب على العملات الأجنبية، حيث يبلغ سوق اتفاقيات المقايضة حوالي 6 تريليون دولار بين مختلف دول العالم أن الحل يكمن بداية في محاولة تقليل الطلب على الدولار في السوق المحلية باتفاقيات المقايضة barter trad مع الدول المختلفة، واتفاقيات الدفع بالعملات المحلية لهذه الدول يمثل اهم خطوة لأنهاء سيطرة الدولار وبالتالي يتم إخراج تلك الواردات خارج منظومة الدفع بالدولار .
الهدف الأساسي من تطوير منظومة تحديث الزراعة المصرية وزيادة الصادرات الزراعية هو تقليل الطلب على الدولار نتيجة زيادة الاستهلاك والاستيراد وفيما يتعلق بفاتورة الواردات فأن الشق الخاص باستيراد مستلزمات الإنتاج لا يمكن المساس به، لارتباطه بالتصنيع المحلي والهدف القومي الذي وضعه رئيس الجمهورية بزيادة الصادرات إلى 100 مليار دولار، في حين تكمن المشكلة الحقيقية في السلع الغذائية وخاصة القمح والزيوت.
الزراعة المصرية والسوق الأفريقية
وتعد الزراعة المصرية من أفضل الزراعات في المنطقة العربية وشمال افريقيا لتنوع مواردها الطبيعية ، وخبرات مزارعيها ، والثراء الفني والتكامل المؤسسي لما تمتلكه من أجهزة البحث والتطوير التقني القادر علي تطويرها وتحسينها خلال فتره وجيزة قد لا تتعدي الخمس سنوات .
ويتم ذلك بالتعاون مع القطاع الخاص الاستثماري المصري وجهود القوات المسلحة المصرية من خلال جهاز مشروعات الخدمة الوطنية ومجموعة شركاته العاملة في مجالات الزراعة المتكاملة والتي يمكن من خلالها القفز بمعدلات تنموية داعمه للاقتصاد القومي وتقليل الفجوة الغذائية وتخفيض فاتورة الواردات الزراعية التي تشكل عبئ اساسي علي ميزان المدفوعات في ظل نقص الموارد الدولارية للدولة ومع المتغيرات العالمية في ظل ازمة كورونا والازمة الاقتصادية العالمية ونقص سلاسل الامداد بعد الحرب الروسية الاوكرانية.
الزراعة المصرية ومرونة المشروعات الزراعية
القطاع الزراعي هو القطاع الاكثر ديناميكية وحيوية و القادر علي النمو واستيعاب القدر الاكبر من الاستثمارات المتنوعة في استصلاح الاراضي وزيادة الرقعة الزراعية وما يتطلب ذلك في مشروعات الانتاج الزراعي المكشوف وتحت الصوب الزراعية والانتاج الحيواني والداجني و الانتاج السمكي ومتطلبات ذلك من مصانع اعلاف ومحطات فرز وتعبئة ومراكز لتجميع الالبان والتي تصب كلها في عمليات التصنيع الزراعي والاستفادة من المنتج الزراعي ورفع القيمة المضافة لهذه المخرجات الزراعية والتي ثر علي جهود التنمية الحقيقية التي تبذلها الدولة المصرية مع زيادة مضطردة في النمو السكاني ومع ازمة الغذاء العالمية.
ونري اهمية الزراعة المصرية وميزتها النسبية بحكم الكتلة السكانية المصرية الكبيرة ، والموقع الاستراتيجي لمصر بتوسطها بين قارات ثلاث ، وبانضمامها للعديد من الاتفاقيات الدولية التي تزيد من قدرة منتجاتها على النفاذ الى الاسواق الخارجية وجهود القيادة السياسية الداعمة للقطاع الزراعي كل ذلك يتيح للمنتجات الزراعية المصرية سوقا واسعة في الدخل والخارج ، طالما تحصنت منتجاتها بمقومات القدرة التنافسية المتعارف عليها ، وطالما تزايدت قدرة المنتجين الزراعيين على التجاوب مع متطلبات الاسواق الخارجية الدولية.
تحديات تواجه تحديث الزراعة المصرية
ومن هنا لابد ان يتوافر للزراعة المصرية شقا هاما من استكمال المنظومة التشريعية واصدار قانون الزراعة الموحد والتعاونيات الزراعية وهيكلة المكونات المؤسسية للقطاعات الزراعية في ظل عدم توفر التعينات اللازمة لإحراز معدلات عالية من الانجاز واعادة الديناميكية لها في تحسين مخرجات التنمية الزراعية والمساعدة علي ضخ استثمارات اضافيه لهذا القطاع لتنشيطه وتحسين الفرصة التنافسية به وخصخصة كثيرا من خدماته الجماهيرية .
وان تكون الاولوية في تحسين إنتاجية العديد من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية من خلال برنامج وطني فى مدة خمس سنوات لمضاعفة هذه الانتاجية لبعض المحاصيل الرئيسية مثل القمح – الذرة – القطن – الارز والزيتون لإنتاج الزيوت والتمور لإنتاج الاصناف العالية الجودة والاستفادة منه في انتاج السكر والاعلاف ولا شك ان اهتمام القيادة السياسية بمحور استصلاح الاراضي وتحديث منظومة الري الحقلي يعتبر من هم المحاور التي ممكن ان تعتمد عليها التنمية الزراعية المستدامة لما لها من مردود قوي في زيادة الرقعة الزراعية بإضافة واستصلاح ما يزيد عن نحو ٥.٢ مليون فدان خلال من خمس سنوات بهدف الوصول الي مساحة زراعيه ١٢ مليون فدان ومساحة محصوليه ٢٠ مليون فدان واعادة تدوير مياه الصرف الزراعي لما يقرب من ٨ مليارات متر مكعب سنوياً في محطة المحسمة وبحر البقر والعلمين .
الزراعة المصرية والتصنيع الزراعي
وزيادة الفرص المتاحة للتصنيع الزراعي لزيادة القيمة المضافة للخضر والفاكهة وتقليل الفاقد منها ووفرة المعروض منها على مدار العام فهل يمكن ان نصل بها الي مساهمه في الناتج القومي يذيد عن ٢٠ بالمائة بدلا من ١٤ بالمائة حاليا والوصول بالصادرات الزراعية لعشرة مليارات دولار للطازجة والمصنعة وتوفير ما يقرب من خمسة مليارات دولار للقمح والذرة الصفراء والزيوت والوصول بالناتج المحلي الزراعي الي اكثر من ١.٥ تريليون جنية مصري .
الأمل لايزال منعقدا والطموح لايزال قائما بما تملكه الزراعة من مقومات واليات ودعم سياسي من السيد الرئيس واهتمامه بهذا الملف ان يتحقق المستهدف منها خلال الخمس سنوات القادمة ودعم الصادرات الزراعية للدول العربية والمصنعة للدول الافريقية في اطار الشراكة من اجل التنمية.
واذا نظرنا بنظرة موضوعيه الوضع الحالي الذي نراه ان العالم بعاني من مشاكل امدادات الغذاء وارتفاع اسعاره ونحن تظهر بلدينا مشكلة انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار والتي ربما يكون لها مردود ايجابي علي زيادة الصادرات الزراعية وقدرتها التنافسية في الاسواق العالمية مما يزيد الطلب عليها .
زيادة الصادرات الزراعية يستهدف الاستفادة منها بزياده القيمة المضافة لها بتصنيعها والاستفادة من القدرات التسويقية لها سواء بالسوق المحلي او الخارجي بزياده حجم الصادرات الزراعية للمنتجات الطازجة للخضر والفاكهة والزهور والمنتجات المصنعة مثل المنسوجات ومنتجات الصناعات الغذائية والالبان وغيرها.
ضمانات تطوير الزراعة المصرية
هذه الملفات تحتاج الي دراسات شاملة ومتكاملة وتفعيل صندوق التأمين علي السلع والمنتجات الزراعية من خلال عودة الاليات المناسبة لصندوق الموازنة الزراعية ودعم موارده برسم الوارد والصادر من المنتجات الزراعية المصدرة والمستوردة بصورها المختلفة ونسبة من ضريبة الاطيان الزراعية بعد تعديلها ، علي أن تخصص هذه الموارد لدعم هذا الصندوق وتمويله لدعم ومجابهة المخاطر والكوارث وانخفاض الاسعار ليتم اعادة الدعم دون تحمل الدولة وموازنتها اعباء ماليه والاستفادة منها في التجميع الزراعي مع الحيازات المفتتة والزراعات التعاقدية .