د فوزي أبودنيا يكتب: دور البحوث في إستدامة الغذاء
مدير معهد بحوث الإنتاج الحيواني السابق – مركز البحوث الزراعية – مصر
طلت علينا أيام جحاف شاهدنا فيها صنوف الأزمات فما تكاد أزمة أن تنتهي إلا وتبدأ أزمة جديدة وأصبح الناس يكدون خلف البحث عن أرزاقهم وتوفير أقوات أبنائهم وان ضل سعيهم في كثير من الأحايين إما لسوء تصرف البعض منهم أو لسوء أقدارهم وإنعكس ذلك علي حالة الغذاء عالميا ومحليا.
فما بدأت أزمة كورونا تظهر لنا بانها تشد رحالها مخلفة خلفها أثار اقتصادية واجتماعية كارثية إلا وبدأت الحرب الروسية-الأوكرانية وبات العالم مهددا في امنه وغذائه فارتفع التضخم وزادت الأسعار وتوقفت كثير من الأعمال وباتت البطالة والغلاء تطحن عظام العباد وصار الخلق يشتكون ممن لم يمر بهم من قبل.
على الجانب الآخر فان الأنشطة البشرية قد تسببت على مدى آلاف السنين في إحداث تغييرات عميقة في البيئة في تسارع مفاجئ، بدءًا من الثورة الصناعية، مُعرِّفًا حقبة اليوم باسم “الأنثروبوسين”. هذا المصطلح يعني أن الإنسان كان قادرًا على تعديل البيئة لجعلها أكثر ملاءمة لرفاهية البشر.
إلا انه ولسوء الحظ، فإن بعض هذه التعديلات تشكل خطورة على بقاء الإنسان وتضر بشدة بالبيئة للأجيال القادمة. وأصبح الإنسان معرضا لتدهور موارده الطبيعية في ظل تزايد سكاني غير مسيطر عليه خاصة في الدولة التي تفتقر الى توافر موارد طبيعية كالأرض والمياه مع تغير المناخ وبالتالي حدوث نقص في إنتاج الغذاء أو عدم كفايته. وهنا يتساءل البعض “كيف يمكن للأدوات العلمية أن تساعد في قضايا الغذاء والتنوع البيولوجي على كوكب الأرض وصحة سكانه؟”
وهنا سوف نشير في عجالة الى بعض النقاط التي تهدد استدامة إنتاج الغذاء وما هو رأى العلماء في ذلك:
- تغير المناخ، واستهلاك الموارد الطبيعية غير القابلة للتجديد، وفقدان التنوع البيولوجي: كل ذلك ليس سوى بعض من عواقب الأنشطة البشرية التي تضر وأضرت بالبيئة. لتغيير هذا الوضع هناك الكثير مما يتعين القيام به لكن كيفية القيام بذلك، وأيضا تكاليف وفرص التحول البيئي، ليست واضحة بعد.
- وفى هذا الصدد فانه من الممكن أن يكون الحل البسيط هو تقليل الأنشطة البشرية التي لها تأثير على البيئة، والانتقال نحو ما يسمى “بانخفاض النمو أو التراجع السعيد Happy degrowth”. وهو ما يعنى الحد من استهلاك السلع التي يمكن استبدالها بسلع بديلة – وتقليل استهلاك الموارد والهدر والتلوث والتكاليف.
- وهذا لا يعنى “أقل”، ولكن “أقل كلما كان ذلك أفضل”. لكن يتوجب علينا أن نعى أنه يمكن أن يكون النهج الآخر هو الاستمرار على طول مسار النمو، من خلال سلسلة من الثورات العلمية والتكنولوجية، القادرة على محو تأثير الأنشطة البشرية على البيئة أو تخفيف حدتها بشكل كبير. في هذا السيناريو، يكون لإنتاج الغذاء تأثير كبير على تغير المناخ، وعلى استهلاك الموارد الطبيعية غير القابلة للتجديد، وعلى فقدان التنوع البيولوجي، نتيجة الإنتاج الزراعي الأولي بشكل أساسي.
- تواجه الزراعة في الوقت الحاضر تحديًا ثلاثيًا: الأول “إنتاج المزيد”، والثاني “استهلاك أقل”، والثالث “تحسين الخصائص الغذائية للأغذية”. بهذه الطريقة، يمكن أن يكون هناك آثار إيجابية على التغذية والبيئة والصحة حيث أن التكثيف المستدام للزراعة ضروري لتلبية الاحتياجات الغذائية المتزايدة وتقليل التكاليف البيئية لإنتاج الغذاء.
- التقدم العلمي والتكنولوجي يمكن أن يقودنا إلى جعل النباتات والحيوانات قادرة على استخدام عوامل بيئية أفضل، مثل الماء والأسمدة، وزيادة مناعتها بشكل أفضل ضد مسببات الأمراض.
- علينا أن نكون مدركين أن المزيد من الزراعة العضوية لا يمكن أن تتجاهل التقدم العلمي واستخدام التكنولوجيا. يمر الطريق نحو الغذاء والزراعة المستدامين من خلال التقنيات الأكثر تقدمًا في المجالات الوراثية والزراعية، ويحتاج إلى تشريعات فعالة للسماح للابتكارات بالدخول إلى السوق دون قيود أو قيود غير ضرورية، إلى جانب ثقة الناس في العلم والقبول من الابتكارات.