د عبدالسلام منشاوي يكتب: ماهي أسباب ظاهرة طرد السنابل المبكر في القمح؟
رئيس بحوث متفرغ -قسم بحوث القمح- معهد المحاصيل الحقلية- مركز البحوث الزراعية – مصر
المتابع على مواقع التواصل الاجتماعي وعلى الساحة الزراعية يرى حاليا شكوى من البعض بسبب ظاهرة طرد السنابل المبكر في محصول القمح.
والكثير من الأصدقاء تواصل معي أو كتب تعليقا ووصف الوضع عنده أن القمح في مرحة طرد السنابل أو الحبلان المتأخر. وهذا يدل على أن النبات أنهى مرحلة التفريع وتكوين الأزهار، وحاليا في نهاية الاستطالة وطرد السنابل.
وبذلك، فقد أصبحت السعة التخزينية للنبات محدودة كما حذرنا في السابق. أضف إلى ذلك أن القمح الذي يطرد السنابل حاليا أو قبل ذلك ومستمرا خلال شهر يناير تكون الظروف الجوية ليست الظروف المثلى لعملية التلقيح والإخصاب، وبالتالي يوجد نسبة من لأزهار العقيمة مما يؤثر على عدد الحبوب في السنبلة وكل ذلك يؤثر على الإنتاجية النهائية للمحصول.
والمشكلة أن التعليقات والردود المكتوبة والإجابة عن الأسئلة المطروحة، سواء عن سبب المشكلة أو علاجها معظمها في الغالب مخالف للحقيقة ومتباين ومتنوع جدا من شخص لآخر.
ولا تستغرب أنك تجد كل العجب في التعليقات، وكلام ليس له أي أساس علمي ولا يقدم أو يؤخر ولا يفيد إطلاقا في شيء ولكن يزيد الخسائر ويضيف أعباء أكثر ويرهق كاهل المزارعين. حيث يترتب عليه زيادة المصروفات دون إضافة أدنى مردود على الإنتاجية. وعلى الجانب الآخر نجد نسبة نادرة من التعليقات تقترب من الحقيقة.
أسباب ظاهرة طرد السنابل المبكر في محصول القمح
اختلفت تفسيرات البعض عن الأسباب التي أدت إلى وصول القمح إلى تلك المراحل المتقدمة في ذلك الوقت. فمنهم من قال أن تعطيش النبات ونقص التسميد هما السبب.
في حين قال البعض أن السبب الرئيس هو العوامل الجوية، بينما عزى البعض ذلك إلى نوعية الأراضي شديدة الملوحة والقلوية.
وقال أحدهم أن السبب هو قلة خدمة الأرض أو ممكن يكون نوع التقاوي والصنف. بل ذهب البعض إلى أبعد من ذلك وقال أن سبب الطرد المبكر هو الإصابة بالآفات الحشرية والمرضية والنيماتودا وتأخر عمليات المكافحة.
وفي الواقع السبب الرئيسي لطرد السنابل المبكر هو الزراعة المبكرة، ولو اجتمعت كل الأسباب السابقة معا لن تؤثر إلا تأثيراً بسيطاً. فطرد السنابل في القمح صفة وراثية بسيطة يحكمها فعل الجينات ودرجة التوريث فيها عالية جدا ومرتبطة بدرجة الحرارة وطول الفترة الضوئية، أما تأثرها بالمعاملات الزراعية كلها ولو كانت مجتمعة فمحدود جدا.
والسبب الحقيقي هو الزراعة المبكرة، والواقع أن كل من زرع قبل الثلث الأول من شهر نوفمبر فهو في حكم الزراعة المبكرة للقمح. ويختلف الضرر حسب درجة التبكير في الزراعة فمن زرع نصف أكتوبر يكون الضرر أكبر بكثير عن من زرع في الثلث الأول من نوفمبر وخصوصا أن الموسم هذا العام تعتبر الحرارة أعلى من معدلها الطبيعي في بداية موسم نمو القمح.
ومن المعلوم أنه إذا تمت زراعة القمح مبكرا (عندما تكون درجات الحرارة مرتفعة والنهار مازال طويل)، فسوف ينمو القمح ويتطور بسرعة وسيحدث التزهير في وقت مبكر عن الحد الأمثل وهذا ما حدث بالفعل.
والمشكلة الناتجة عن ذلك هي قصر فترة النمو الخضري وبالتالي قصر ارتفاع النبات وقلة التفريع وصغر السنبلة. فمرحلة النمو الخضري هي مرحلة الإعداد وبنا المستودع التخزيني وتحديد السعة التخزينية للنبات، متمثلة في التفريع الذي يترتب علية عدد السنابل لوحدة المساحة حجم السنبلة، وبالتالي يتوقع نقص عدد السنابل وعدد الحبوب للسنبلة.
كما أنه حالة الطرد المبكر للسنابل تكون الظروف الجوية غير مناسبة لعملية التلقيح والإخصاب وعلية يزيد عدد الأزهار العقيمة ويقل عدد الحبوب في السنبلة، وفي النهاية ينعكس كل ذلك بالتأثير السلبي على المحصول النهائي وتقل الإنتاجية. إن ما سبق هو الحادث حاليا بالفعل، فهناك زراعات حاليا في تلك المراحل بسبب الزراعة المبكرة ويلاحظ عليها ما سبق من نقص في عدد السنابل وصغر حجم السنابل .
علاج مشكلة طرد السنابل المبكر في محصول القمح
لقد تم اقتراح العديد من الحلول لتأخير طرد السنابل من قبل البعض، وقد كانت أيضا كثيرة جدا ومختلفة، فمن قائل ممكن نعمل عمليه تطويش بمحشه ظهريه للسنابل ومن قائل نبدأ تسميد ونروي، بينما أقترح البعض أن الري والتسميد باليوريا يعالج المشكلة ويوجه النبات للنمو الخضري، وقد قال آخر مفيش حل غير إضافة جرعه أزوت زيادة لتشغل النبات عن الطرد وتأخره بعض الوقت. في حين قال البعض اروي، ولكن نصح شخص برعي القمح وسوف يكون فروع جديدة.
بينما قال أحدهم أن الحل في إضافة طحالب وجبريلك وقد أقترح البعض رش فولفيك وهيومات و نترات وبوتاسيوم وعناصر و……و….الخ. والحقيقة أنه للأسف لا يوجد أي معاملة من شأنها أن تؤخر عملية طرد السنابل أو توقف استطالة النبات حيث أن النبات تجاوز مرحلة النمو الخضري ولا يمكن الرجوع أليها مرة أخرى.
وكما ذكرنا أن صفة طرد السنابل صفة محكومة بفعل الجينات بدرجة كبيرة جدا مع وحدات حرارة مجمعة وطول فترة ضوئية، أما باقي العوامل البيئية من ري وتسميد ورش عناصر ومغذيات وخلافة تأثيرها بسيط جدا، في حين أن تأثيرها كبير على الإنتاجية في النهاية في حالة الزراعة في الميعاد المناسب.
وما حدث من أضرار بسبب الزراعة المبكرة لا يمكن علاجه حيث أصبح كل شيء محدد ومنتهي سواء كانت عدد الأوراق بالنبات وعدد السنابل لوحدة المساحة وعدد الأزهار بالسنبلة، فمهما نعمل لن يزيد شيء من ذلك. المشكلة إن القمح الذي وصل حاليا لطرد السنابل سيظل النبات في مرحلة الامتلاء فترة طويلة جدا حتى نهاية مارس على الأقل.
وفي هذه الحالة يصبح الوضع معكوس فبدل أن تكون مرحلة النمو الخضري طويلة وهي مرحلة الإعداد لبناء الأوراق والسعة التخزينية للنبات مع فترة امتلاء حبوب أقل وهذا هو الوضع الطبيعي. ولكن ما حدث بسبب الزراعة المبكرة فكان العكس، حيث أصبحت مرحلة النمو الخضري قصيرة جداً ومرحلة الامتلاء طويلة جدا دون جدوى منها وليس لها قيمة.
وحتى لو كان المجموع الخضري كبير فقد أصبحت السعة التخزينية للنبات محدودة ولا يمكن زيادتها وبالتالي لا يمكن للنبات أن يخزن لعدم وجود أماكن تخزين جديدة في النبات. وخصوصا أن في هذه الحالة تكون فترة امتلاء الحبوب طويلة جدا حيث يطرد البنات حاليا ولا يدخل مرحلة النضج إلا بعد فترة طويلة جدا. فليس هناك داعي إطلاقا إلى زيادة الخسائر فالمجموع الخضري الحالي والغطاء النباتي مهما كان ضعيف قادر على تعبئة السعة التخزينية المحدودة للنبات وتكوين الحبوب بشكل جيد.
والنصيحة لله أن أي إضافة حاليا لأي مادة مهما كانت لا تضيف إلا عبأ جديدا وتكلفة زيادة على المزارع وليس لها أي مردود على الإنتاجية، ولا يمكن أن تعيد النبات للخلف لتكوين أوراق وفروع وأزهار جديدة.
وحتى المجموع الخضري الحالي والغطاء النباتي مهما كان ضعيفاً فهو قادر على تعبئة السعة التخزينية المحدودة للنبات حالياً، لأن فترة امتلاء الحبوب طويلة جدا فلا داعي لزيادة الاعباء.
والأهم أن نتعلم من ذلك والتأكيد على أن أخطاء الزراعة لا يمكن علاجها اذا حدثت ولكن الأفضل تجنبها من البداية بتنفيذ الممارسات الزراعية بشكل صحيح والالتزام بميعاد الزراعة الموصي به. ودائما ما تكون الزراعة في الميعاد المناسب أقل ضررا في حالة حدوث أي تقلبات في الظروف المناخية عن معدلاتها الطبيعة وأيضا في الظروف المناخية العادية.
أسأل الله أن يكون موسم خير وبركة على الوطن والمزارعين