د علي إسماعيل يكتب: ماهي علاقة ندرة المياه والانتاج الزراعي العالمي؟
استاذ ادارة الاراضي والمياه – مركز البحوث الزراعية -مصر
تعتبر المياه مدخلا حاسما للإنتاج الزراعي وتلعب دورا هاما في الأمن الغذائي. تمثل الزراعة المروية في العالم 20 % من إجمالي الأراضي المنزرعة طبقا لتقارير البنك الدولي ومنظمة الغذاء العالمية ( الفاو) وتساهم بنسبة 40 في المائة من إجمالي الغذاء المنتج في جميع أنحاء العالم بينما يأتي اكثر من 50 % من الغذاء من الزراعات المطرية والباقي من المياه الجوفية والمعالجة مما يعني أن ملياري شخص في جميع أنحاء العالم يعتمدون على المياه الجوفية اعتمادا كليا.
وتعد الزراعة المروية في المتوسط ضعف إنتاجية وحدة الأرض على الأقل مقارنة بالزراعة المطرية والبعلية وبما يدعم الانتاج الزراعي المكثف مع نظم الري الحديثة واستخدام التكنولوجيا والاسمدة في ظل التقدم العلمي والزراعة الذكية مما يسمح بمزيد من تكثيف الإنتاج وتنويع المحاصيل.
وسيتطلب توفير الغذاء لعشرة مليارات نسمة بحلول عام 2050 زيادة الإنتاج الزراعي بنسبة 60% وزيادة استهلاك المياه بنسبة 15%.
وإلى جانب هذا الطلب المتزايد، فإن الموارد نادرة بالفعل في أجزاء كثيرة من العالم إذ تشير التقديرات إلى أن 40٪ من سكان العالم يعيشون في مناطق نادرة المياه وأن حوالي ربع الناتج المحلي الإجمالي العالمي معرض لهذا التحدي. وبحلول عام 2025، سيعيش حوالي 1.8 مليار شخص في مناطق أو بلدان تعاني ندرة مطلقة في المياه. إن الأمن المائي يمثل تحديا رئيسيا – إن لم يكن متناميا – أمام كثير من البلدان في الوقت الراهن.
أهم التحديات التي تواجة العالم:
هو النمو السكاني والتحضر وتغير المناخ ونقص سلاسل الامداد في ظل الحرب الروسية الاوكرانية وارتفاع اسعار الطاقة و من المتوقع أن تزداد المنافسة على موارد المياه مع تأثير خاص على الزراعة المروية علي المستوي العالمي .
فمن المتوقع أن يزيد عدد السكان إلى أكثر من 10 مليارات بحلول عام 2050 والذي وصل لاكثر من 8 مليارات حاليا في نهاية 2022 وبنظرة سريعة فاننا نجد ان هناك تحديات كبيرة وخاصة ما يتطلبة هؤلاء السكان من الغذاء والألياف لتلبية احتياجاتهم الأساسيةمع زيادة استهلاك السعرات الحرارية والأطعمة الأكثر رفاهية والتي تصاحب نمو الدخل في الدول النامية عنها في الدول المتقدمة.
ومن هنا نجد ان التقديرات التي اوضحتها المؤسسات الدولية أن الإنتاج الزراعي يجب ان يزداد ويتوسع بنحو 70٪ بحلول عام 2050.
و من الاهمية تعزيز الأمن المائي على خلفية تزايد الطلب وندرة المياه وتزايد عدم اليقين وزيادة الظواهر الجوية الشديدة العنف ستحتاج البلدان إلى الاستثمار في تعزيز المؤسسات وإدارة المعلومات وتطوير البنية التحتية لتطوير وتحديث منظومة ادارة المياه واستغلالها بالصورة المثلي والاقتصادية .
وهناك حاجة إلى أدوات مؤسسية كالأطر القانونية والتنظيمية والحوافز الايجابية والسلبية لتحسين تخصيص الموارد المائية وتنظيمها والحفاظ عليها. ومن الضروري إنشاء نظم للمعلومات من أجل رصد
الموارد وتوزيعها وادارتها واتخاذ القرارات في ظل عدم اليقين وتحليل الأنظمة وإنشاء انظمة الرصد والإنذار المبكر الخاص بالأرصاد الجوية الهيدرولوجية.
مما ينبغي معه دراسة ضخ استثمارات في التكنولوجيات المبتكرة لتعزيز الإنتاجية والحفاظ على الموارد وحمايتها وإعادة تدوير مياه العواصف ومياه الصرف وتطوير مصادر المياه غير التقليدية بالإضافة إلى البحث عن فرص لتعزيز تخزين المياه واعادة الاستخدم وقت الحاجة مثل اعادة شحن الخزنات الجوفيه بما في ذلك إعادة تغذية مكامن المياه الجوفية وتحسين نوعية مياها و إن ضمان النشر السريع والتكيّف الملائم و تطبيق مثل هذه التطورات سيكون أساسا لتعزيز الأمن المائي العالمي.
ونجد ان الطلب المستقبلي على المياه من قبل جميع القطاعات المستخدمة للمياه سيتطلب ما يصل إلى 25 إلى 40٪ من المياه لإعادة تخصيصها في أنشطة إنتاجية ونوعية واعادة ترشيد وتوظيف بصورة عالية خاصة في المناطق التي تعاني من شح المياه. ففي معظم الحالات من المتوقع أن تأتي إعادة التخصيص من الزراعة الي الانشطة الاخري بسبب حصتها العالية من المياه المستخدمة حاليًا وقد تمثل الزراعة في المتوسط 70 % من جميع عمليات استخدام المياه العذبة على مستوى العالم .
ويري البنك الدولي انه يجب أن تكون حركة الماء مادية وافتراضية من خلال التغييرات في التخصيصات الأولية لموارد المياه السطحية والجوفية بشكل أساسي من المستخدمين الزراعيين إلى المستخدمين الحضريين والبيئيين والصناعيين والتي تمثل الانشطة الاقتصادية والضرورية للسكان في العالم . ويمكن علي المستويات الاقليمية أن تنتقل المياه حيث يتركز إنتاج المواد الغذائية والسلع والخدمات التي تتطلب كميات كبيرة من المياه من مناطق وفيرة بالمياه الي مناطق تداولها واستخدامها التي تعاني من ندرة المياه.
يجب أن تكون عمليات إعادة تخصيص المياه بين القطاعات والتحولات الكبيرة للمياه بعيدًا عن الزراعة مصحوبة بتحسينات في كفاءة استخدام المياه وتحسينات في أنظمة توصيل المياه. وسيعتمد تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة أيضًا على مطابقة تحسينات النظام الرئيسي داخل النظام المزرعي من خلال تحسين المارسات الزراعية وتحسين انظمة الري مع توفير الحوافز المناسبة للاستثمارات في الزراعة وتحديثها و التي تهدف إلى تحسين إدارة التربة والمياه مع انتاج المحاصيل الغذائية الاستراتيجية من الحبوب والزيوت وغيرها .
وقد يتطلب مثل هذه الخيارات أنظمة محسنة لتوصيل المياه لتوفير امدادات كافية عند الطلب لهذه المياه وكذلك استخدام التقنيات المتقدمة (مثل مستشعرات رطوبة التربة وقياسات التبخر بالأقمار الصناعية) لتحسين كفاءة وإنتاجية المياه في الزراعة بشكل اقتصادي ومعنوي.
ولهذا فان الامر يتطلب ايجاد الاساليب والوسائل المناسبة لتحديات المستقبل وإعادة نظر شاملة في كيفية إدارة المياه في القطاع الزراعي وكيف يمكن إعادة وضعها في السياق الأوسع للإدارة الشاملة لموارد المياه والأمن المائي .
لذلك فإننا نري ان الاهتمام بمشاريع الري والصرف سواء كانت كبيرة أو صغيرة تمثل اهمية حيوية وفاعلة في الوصول لهذه المفاهيم والاليات المناسبة من خلال الأشغال العامة المنتشرة في المناطق الريفية بصفة اساسية .
أهم المخاطر التي تواجه الأمن المائي
والتي تمثل في حقيقة الامر أكبر تهديد بعدم تحقيق أهداف الاستدامة العالمية لمشروعات استدامة المياه ونقص الامدادات منه لمعظم الاغراض المطلوبة.
ونجد ان العديد من البلدان تفتقر إلى البنية التحتية للمياه بما في ذلك المياه المخزونة بصورة مؤقتة لتتمكن من توفير هذه المياه متى وحيثما تشتد الحاجة إليها.
وقد أصبحت الكوارث الطبيعية علي مستوي العالم كما نري في شرق اسيا وامريكا واوروبا تقع بوتيرة مثيرة للقلق إذ يتسبب تغير المناخ في تعطيل أنماط الطقس العالمية مما يؤدي إلى ظواهر مناخية بالغة الشدة بصورة متزايدة بما في ذلك ظهور الفيضانات ونوبات الجفاف وموجات الحر والجفاف لتتفاقم بذلك ندرة المياه وتتسبب في معاناة كارثية في كثيرا من البلدان ومنها باكستان و الولايات المتحدة وتصل الي كينيا. ويمكن أن يؤدي الاحتباس الحراري العالمي عند درجتي حرارة تتراوح بين درجتين و4 درجات مئوية إلى تعرض نحو أربعة مليارات شخص لمستوى من نقص وندرة في المياه.
تأثيرات تغير المناخ علي المياه
قد تؤثر على تفاقم الأوضاع عن طريق تغيير دورة الماء فيزداد عدم انتظام إمدادات المياه كما تتزايد وتيرة الفيضانات ونوبات الجفاف وحدتها. وأكثر الناس عرضة للمعاناة هم مليار شخص تقريبا يعيشون في أحواض موسمية و500 مليون يعيشون في دلتا الأنهار. وتقدر الأضرار الناجمة عن الفيضانات بمبلغ 120 مليار دولار سنويا (فقط من الأضرار التي تلحق بالممتلكات) ويمثل الجفاف، من بين أمور أخرى قيدا أمام فقراء الريف الذين يعتمدون اعتمادا شديدا على التغيرات في كميات سقوط الأمطار علي حياتهم ومعيشتهم.
اهم التحديات العملية للمياه في قطاع الزراعة علي المستوي العالمي.
من الواضح وعادة ما تكون القدرة على تحسين إدارة المياه في الزراعة مقيدة بسياسات غير ملائمة ونقص كبير في الأداء المؤسسي لبعض البلدان ومنها قيود التمويل ونقص الامكانيات المالية في الدول النامية والفقيرة . وتفتقر المؤسسات العامة والخاصة الهامة (بما في ذلك وزارات الزراعة والمياه وسلطات الأحواض ووكالات الري ومستخدمي المياه ومنظمات المزارعين في بعض البلدان ) عمومًا إلى البيئة التمكينية والقدرات اللازمة للقيام بوظائفها بفعالية في الوصول الي الادارة المتكاملة والمؤ سسية لمنظومة المياه.
ويري البنك الدولي انه على سبيل المثال غالبًا ما تتمتع سلطات الأحواض بقدرة محدودة على إنفاذ مخصصات المياه ودعوة أصحاب المصلحة. وغالبًا ما تقتصر المؤسسات المكلفة بتطوير منظومة الري واستخدمات المياه نفسها على مخططات واسعة النطاق كثيفة رأس المال وتميل إلى الاعتماد على النهج القائمة على القطاع العام بدلاً من تطوير الفرص للتمويل الخاص الصغير النطاق وإدارة الري.
علاوة على ذلك تفشل معظم الحكومات ومستخدمي المياه في الاستثمار بشكل كافٍ في صيانة أنظمة الري والصرف في حين أن الإدارة والتشغيل غير الملائمين قد يلعبان دورًا في الأداء الضعيف لأنظمة الري والصرف و أن الفشل في الحفاظ على الأنظمة بشكل كافٍ يؤدي إلى انخفاض أدائها والحاجة اللاحقة لإعادة التأهيل.
متطلبات التحديث لقطاع إدارة المياه الزراعية
وقد يتطلب ذلك حالة ديناميكية بقطاعات ادارة المياه في طور إعادة توجيه نفسه نحو توفير خدمات حديثة ومستدامة يجب ان يقترح نهجًا فريدًا لادارة المياه لبناء خدمات مياه مرنة والحفاظ على موارد المياه المتاحة مع القدرة علي إدارة المخاطر المتعلقة بالتأثيرات الاجتماعية والاقتصادية الأوسع المتعلقة بالمياه.
وهذا يشمل تحويل الحوكمة وتقديم الخدمات وكذلك دعم إدارة تجمعات المياه ويمكن تحقيق ذلك من خلال توفير حوافز محسّنة للابتكار والإصلاحات والمساءلة في اطار مؤسسي متكامل بين الادارة والمستخدمين مع استخدام نظم التخطيط المتكاملة ودراسات الحالة الدولية الناجحة.
وتتعرض معظم بلدان العالم حاليا لضغوط غير مسبوقة في مجال الموارد المائية. فزيادة السكان علي مستوي العالم في تزايد سريع وتشير التقديرات إلى أنه بالممارسات الحالية سيواجه العالم نقصا في الامدادات بنسبة 40% بين الطلب المتوقع والإمدادات المتاحة من المياه بحلول عام 2030.
وقد يُنظر إلى ندرة المياه المزمنة وعدم اليقين الهيدرولوجي و تغيرات الأحوال الجوية للتغيرات المناخية العنيفة والقاسية (الفيضانات والجفاف) على أنها من أكبر التهديدات التي تواجه الرخاء والاستقرار العالمي . ومن هنا بمكن إدراك الدور الذي تلعبه ندرة المياه وزيادة الجفاف في تفاقم الهشاشة والصراع الدولي علي المياه بين دول الاحواض والدول المتشاطئة.
كما أن تقسيم هذه المورد المائية يمثل أيضا مُعوقا أمام تحقيق الأمن المائي لمعظم البلدان . فنري ان هناك 276 حوضا عابرا للحدود يشترك فيها 148 بلدا وتمثل 60 ٪ من تدفقات المياه العذبة في العالم. وبالمثل فإن هناك 300 نظام لمكامن المياه الجوفية هي أيضا عابرة للحدود بطبيعتها. لذا فإن التعاون بين الدول امر حتمي ومطلوب لتحقيق أفضل حلول لإدارة الموارد المائية وتنميتها لجميع البلدان المتشاطئة للتعاون والتعامل مع تحديات المياه المعقدة والمترابطة هذه وستحتاج البلدان إلى تحسين طريقة إدارة مواردها المائية والخدمات المرتبطة بها للوصول الي المنفعة المشتركة والتنمية المنشودة التي تخدم وتساعد كافة الاطراف .