بالكينوا.. قصة حليمة خالد الجزائرية التي روضت الصحراء القاحلة بهذه النبتية السحرية
>> "الكينوا " تحمل قيمة غذائية عالية ..وتشمل جميع الأحماض الأمينية الأساسية
استطاعت حليمة خالد من خلال تفانيها في خدمة الأرض من تحقيق تجربة رائدة في الزراعة الصحراوية بالجزائر عبر تطوير زراعة نبتة “الكينوا”، محققة نتائج مُشجعة، وهو ما جعل نشاطها يحقق صدى واسعا بين المزارعين.
“من جَدّ وجد ومن زرع حصد”.. بهذه العبارة يمكن وصف مسيرة هذه المرأة المثابرة التي استطاعت ترويض “الكينوا” (نبتة شبيهة بالحبوب) في الصحراء الجزائرية، وهي نبتة غير مستوطنة، إذ يعود موطنها الأصلي إلى جبال الأنديز بأمريكا اللاتينية، وفقا لموقع سكاي نيوز في تقرير له نشره اليوم .
و نجحت حليمة وهي مهندسة زراعية ومديرة مزرعة البرهنة وإنتاج البذور بمحافظة المغير ( جنوب شرق الجزائر ) بمعية العديد من المزارعين في تقديم صورة جديدة للزراعة بالصحراء من أرض معروفة بإنتاج التمور إلى واحات خضراء وسلّة غذاء تدرّ خيرات زراعية متنوعة.
تروي حليمة خالد، علاقتها بخدمة الأرض، قائلة: “ترعرعت في بيت جدي المُزارع بالمقارين في ولاية تقرت، ولطالما كنت أرافقه في طفولتي حينما يتجه إلى الحقل للاشتغال مع المزارعين، فيما لا يمكن أن أنسى طريقي اليومي إلى المدرسة، حيث كنت أذهل من صورة الواحات الكثيرة التي تتوسطها أشجار النخيل، ومن خلال هذه المشاهد بدأت قصتي مع الأرض والزراعة تتكون في مخيلتي”.
واصلت حليمة مسارها التعليمي بعد شهادة البكالوريا سنة 2004، لتختار الدراسات الزراعية حينما انتقلت إلى الجامعة ملتحقة بالمعهد الوطني للفلاحة بالجزائر العاصمة، وتتحصل فيما بعد على شهادة مهندس دولة في الفلاحة، وخلال هذه الفترة أثرت الدراسات الأكاديمية معرفتها بالأرض.
هل يمكن زراعة الكينوا في الصحراء؟
تقول حليمة إن للزراعة الصحراوية شُعباً عديدة، لكنها فضلت خوض تجربة جديدة وهي زراعة “الكينوا” التي أدخلت إلى الجزائر سنة 2013، بمناسبة اليوم العالمي لـ”الكينوا”، من طرف منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) عبر مشروع ضمّ ثماني دول آنذاك.
وتُعول الجزائر على هذه النبتة التي توفر بيئتها ظروفا طبيعية صالحة لزراعتها، كونها مكمل لشعبة الحبوب، لاسيما منها القمح المادة الأساسية للغذاء في العالم.
وبدأت قصة حليمة مع هذه النبتة الجديدة على مستوى مزرعة البرهنة وإنتاج البذور التابعة للمعهد التقني لتنمية الزراعة الصحراوية، وقد حققت وفقها “مردودية إيجابية” سواء في مرحلة التجريب أو الإنتاج، إذ يصل المردود لحوالي 20 قنطارا في الهكتار.
ورغم أنها لا تكلّ ولا تملّ في قطع فيافي الصحراء مرافقة للمزارعين لتزويدهم بالمعرفة التقنية والعلمية اللازمة، إلا أنها تؤكد أن نجاح تطوير زراعة “الكينوا” بعد هذه السنوات، يعود أيضا إلى هؤلاء الفلاحين الذين يخدمون تلك الأراضي بهدف تطويرها وترسيخ ثقافة غذائية متعلقة بـ”الكينوا” وتوفير حبوبها في الأسواق، خاصة أن مرضى السيلياك يبقون في حاجة ماسة إليها.
وسبق أن تم اختبار سبع محطات لزراعتها بالجزائر، خمسة في الشمال واثنين منها في الجنوب مستغلين البيئة الصحراوية، بما أن هذه النبتة تتميز بالقدرة على النمو مع الظروف المناخية القاسية مثل الجفاف وحاجتها المستمرة للمياه المالحة.
ما هي “الكينوا” ؟
تنتمي “الكينوا” إلى فصيلة النباتات القطيفية الورقية مثل السبانخ والبنجر السكري والشمندر، ويتم حصاد بذورها لتستهلك على شكل حبوب وتعتبر طريقة استهلاكها مع الأرز والقمح ويتراوح حجمها ما بين 1 و2 مم.
وبحسب دراسات علمية فإنها تحمل قيمة غذائية عالية، إذ تحوي جميع الأحماض الأمينية الأساسية التي يحتاجها جسم الإنسان، وتخلو من الغلوتين، كما تعتبر مصدرا للبروتينات، وتظل مفيدة لمرضى السيلياك، السكري والضغط الدموي.
جنوب الجزائر.. بوصلة الزراعة
تراهن الجزائر في إطار خطتها لتحقيق الاكتفاء الذاتي على توسيع رقعة الزراعة الصحراوية، وبهذا الخصوص تم إنشاء ديوان تطوير الزراعات الصحراوية سنة 2020، بغرض تطوير هذه المحاصيل الموجهة للتحويل وللاستجابة للاحتياجات المحلية والعمل على تقليص فاتورة الواردات.
ووفق أرقام لوزارة الفلاحة والتنمية الريفية فإن الأراضي القابلة للاستصلاح بالمحافظات الصحراوية تصل لحوالي 1.4 مليون هكتار، بينما تقدر القدرات المائية المتوفرة في الصحراء إلى 6.1 مليار متر مكعب، بحلول 2050.
وفي هذا الشأن، تؤمن حليمة بأن الظروف المناخية الحالية منها تذبذب سقوط الأمطار في الشمال تفرض التوجه نحو الجنوب ذو المساحات الشاسعة والمخزون المائي الباطني لتطوير الزراعات الاستراتيجية والصناعية من (الحبوب والبذور والسكريات والمحاصيل الزيتية).
وأكدت المتحدثة على أنه لإنجاح هذه العملية لا بد من الاهتمام بالمسار التقني بما فيه آليات السقي، وترتيب إدارة متكاملة للشعب الزراعية، وتدوير الزراعات في التربة والعمل بالتسميد العضوي.
يُذكر، أن حليمة خالد حظيت بتكريم من طرف الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، رفقة مجموعة من المستثمرين الفلاحيين خلال الجلسات الوطنية للفلاحة، التي انعقدت الثلاثاء الماضي، بالجزائر العاصمة.