«الجفاف يغزو أوروبا» و«الأنهار تنحسر» بسبب التغيرات المناخية
>>بحيرات أوروبا تجف والتنوع البيولوجي يختفي وإيطاليا وفرنسا الأكثر تضررا
الجفاف يغزو أوروبا والأنهار تنحسر بسبب التغيرات المناخية حيث أوضحت التقارير الدولية أن صيف 2022 في أوروبا تم تصنيفه بأنه الأقسى بالقارة الأوروبية منذ 500 عام، وبحسب المؤشرات الحالية لشتاء 2023 الصادرة من المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإن القارة على موعد مع صيف سيكسر الأرقام القياسية من حيث ارتفاع درجات الحرارة والجفاف مع تفاقم الشحة المائية خصوصا بوسط وغرب وجنوب القارة.
شتاء 2022 الأكثر سخونة على مر تاريخ سجلات الأرصاد الجوية بأوروبا، ومن شواهده قلة تساقط الثلوج وتغير أنماط هطول الأمطار نتيجة لارتفاع معدلات درجة الحرارة، بنسب متفاوتة بين دول القارة وتحديدا في جبال الألب، حيث ألحق عام 2022 خسائر فادحة بالأنهار الجليدية في منطقة الألب، مع وجود مؤشرات أولية لحدوث ذوبان حطم الرقم القياسي حيث شهدت جبال الألب ثلوجا أقل بنسبة 63 بالمئة من المعتاد وفق تقرير المركز الدولي للرصد البيئي الإيطالي CIMA .
الجفاف يغزو أوروبا والأنهار تنحسر وتواصل ظاهرة التغير المناخي بما تنطوي عليه من احتباس حراري وجفاف وشحة أمطار، تهديد التوازن البيئي في مختلف قارات العالم ومناطقه وبما فيها أوروبا، وتحولت أوروبا من قارة شهيرة، بوفرة المياه وبطبيعتها الخضراء نتيجة أمطارها وثلوجها الغزيرة، وكثرة أنهارها وبحيراتها ومسطحاتها المائية، إلي قارة تعاني من الشح المائي وتهديد التنوع الحيوي داخل بلدانها.
لكن خلال الأعوام القليلة الماضية بدأت هذه الصورة تتغير إلي الأسوأ، حيث يتم تسجيل درجات حرارة قياسية في مختلف البلدان الأوروبية مع تراجع كبير في هطول الأمطار، وهو ما ينعكس انخفاضا حادا في مناسيب أنهار أوروبا وبحيراتها، كما أن صيف 2023 سيكون أقسى من سابقه، وستتفاقم جراءه أزمة الاحترار العالمي.
وهذا ما رسم ملامحه الأولى تقرير الأمم المتحدة بالاشتراك مع خدمة كوبرنيكوس لتغير المناخ التابعة للاتحاد الأوروبي، والصادر عام 2021.
ووفقا لتقارير الإتحاد الأوروبي تعاني بحيرة مونتبل الفرنسية، وبحيرة جاردا الإيطالية، من جفاف جزئي غير مسبوق بسبب تراجع معدلات تساقط الأمطار، حيث تظهر الصور ومقاطع الفيديو الحديثة التي تبثها الوكالات العالمية لهاتين البحيرتين، انخفاضا كبيرا في مناسيب المياه فيهما لدرجة ظهور قاع البحيرتين.
ولا يقتصر الجفاف الذي تعاني من أوروبا علي هذه الظواهر ولكنه يمتد إلي ظواهر آخري حيث ينذر انخفاض هطول الأمطار في العديد من الدول الأوروبية هذا العام، بموجات جفاف خلال الصيف القادم، بعد المعاناة الكبيرة العام الماضي، مع ارتفاع الحرارة وحرائق الغابات والقيود على المياه نتيجة الجفاف الذي ضرب هذه الدول.
ووفقا للتقارير الدولية انخفضت إثر ذلك مستويات تجهيزها للأنهار الدولية وعلى رأسها نهر الراين المغذي لخمس دول في القارة، مما ينذر بتكرار سيناريو جفاف الراين بشكل أخطر من صيف العام السابق، ما سيؤثر سلبا على القطاعات الاقتصادية، الزراعية والتجارية فضلا عن تأثير انخفاض مناسيبه على تجهيز الطاقة الكهربائية في كل من ألمانيا وفرنسا تحديدا.
العالم يقترب أكثر من حاجز 1.5 درجة مئوية الذي وضعته اتفاقية باريس للمناخ 2015، كمعدل حرج لدرجات الحرارة، ودعت الاتفاقية لخفض انبعاثات غازات الاحترار العالمي منعا للوصول لهذا المعدل وفق برتوكول خاص بحلول عام 2025 .
لكن والكلام للتقارير الدولية المعنية بالتغيرات المناخ أو ما يطلق عليه تغير المناخ ما حدث هو العكس، فمعدل درجة الحرارة خلال صيف 2023 من المتوقع أن يتجاوز 1.2 درجة مئوية أعلى من المتوسط لعصور ما قبل النهضة الصناعية، ولهذا فما يحدث من تقلبات مناخية متطرفة هو نتيجة طبيعية لضرب بنود اتفاقية باريس 2015 عرض الحائط، وعدم الالتزام بضوابطها لمنع حدوث ما حذرت منه.
فرنسا وإيطاليا الأكثر تضررا من الجفاف وقلة الأمطار
بداية العام الدافئة والجافة بشكل استثنائي تؤثر على وسط وجنوب غرب فرنسا وشمال إسبانيا وشمال إيطاليا، بدرجة أكبر من باقي أنحاء القارة بسبب اعتماد هذه المناطق على عاملين رئيسيين لتزويد الأنهار والمسطحات بالمياه، وهما هطول الأمطار وتساقط الثلوج.
فرنسا لها الحصة الأكبر من الأضرار المناخية القادمة كونها سجلت شتاءا هو الأكثر سخونة وجفافا منذ نصف قرن أي منذ بدأ التسجيلات عام 1959، وظهرت ملامح قساوة الصيف القادم بجفاف بحيرة مونتبل جنوب غرب البلاد حيث جفت بنسبة تجاوزت 80 بالمئة هذا الشهر والذي يعد موسم حصاد المياه وفق التقويم المائي، نتيجة انخفاض التجهيز المائي بسبب قلة الهطول المطري وانقطاع تام لتساقط الثلوج على جبال البرانس المطلة على البحيرة.
إيطاليا التي أعلنت حالة الطوارئ صيف العام الماضي بسبب الجفاف، هي أيضا ضمن دائرة الخطر البيئي المناخي، حيث أن نهر بو وهو أطول أنهار البلاد يحتوي على مياه أقل بنسبة 61 بالمئة من المعتاد في هذا الوقت من السنة، والقنوات المائية بمدينة البندقية بأدنى مستوياتها وبعضها جف تماما.
بحيرة جاردا أكبر بحيرة بإيطاليا وتقع في أقصى الشمال تستمد معظم مياهها من ذوبان ثلوج الألب، ومن الساقط المطري، ونتيجة لانقطاع هطول الأمطار شمال ايطاليا و انخفاض تساقط الثلوج بنسبة 70 بالمئة وزيادة معدلات الجفاف انكمشت مساحة هذه البحيرة لتصل لأدنى مستوياتها، حيث بات من الممكن الوصول لجزيرة الزيتون وسط البحيرة، سيرا على الأقدام على طول شريط مكشوف من قاع البحيرة.