«ندرة المياه» أزمة تواجه الامن الغذائي العالمي…الدكتور علي إسماعيل يكشف تفاصيلها
ندرة المياه ترتبط بكمية المياه العذبة علي مستوي الكرة الارضية التي تغطيها البحار والمحيطات 71 % من مسطح الكرة الارضية بينما تبلغ المياه العذبة منها 2.7% منها وهذا يوضح مدي صعوبة توفر المياه العذبة وخاصة ان 68 % من هذه المياه تكون في الصورة الجليدية وان المياه الموجودة في الانهار والمستنقعات التي يمكن ان تمثل اقل من واحد بالمائة % .
ما يستفاد منه من هذه المياه العذبة التي تمثل 2.7% تمثل فقط 3 بالمائة من هذه المياه علي مستوي العالم والتي تعتبر عصب التنمية واساس الحيه في كل البلدان سواء كانت متقدمة او ناميه وان مصادر المياه المختلفة والتي تأتي من مصادر متعددة سواء كانت الامطار او الانهار او المياه الجوفية التي تمثل 76 و.% من اجمالي المياه العذبة والمياه العابرة للحدود في الانهار والمياه الناتجة من التحلية واعادة الاستخدام، وهو ما يكشف حقيقة تأثير ندرة المياه.
ونظرا لان المياه هي شريان الحياه علي سطح الارض وهي تلعب دورا هاما في الأمن الغذائي و تمثل الزراعة المروية 20 في المائة من إجمالي الأراضي المزروعة وتساهم بنسبة 40 في المائة من إجمالي الغذاء المنتج في جميع أنحاء العالم. تعد الزراعة المروية ، في المتوسط ، ضعف إنتاجية وحدة الأرض على الأقل مقارنة بالزراعة البعلية مما يسمح بمزيد من تكثيف الإنتاج وتنويع المحاصيل، بما يؤكد أهمية مواجهة تحديات ندرة المياه.
تشكل المخاطر التي تواجه الأمن المائي أكبر تهديد بعدم تحقيق أهداف الاستدامة العالمية. ويفتقر العديد من البلدان إلى البنية التحتية للمياه – بما في ذلك المياه المخزنة – كي تتمكن من توفير المياه متى وحيثما تشتد الحاجة إليها.
وبسبب النمو السكاني والتحضر وتغير المناخ من المتوقع أن تزداد المنافسة على موارد المياه مع تأثير خاص على الزراعة. فمن المتوقع أن يزيد عدد السكان إلى أكثر من 10 مليارات بحلول عام 2050 وسواء أكانوا حضريين أم ريفيين سيحتاج هؤلاء السكان إلى الغذاء والألياف لتلبية احتياجاتهم الأساسية إلى جانب زيادة استهلاك السعرات الحرارية والأطعمة الأكثر تعقيدًا والتي تصاحب نمو الدخل في العالم النامي ومن هنا تشير التقديرات إلى أن الإنتاج الزراعي سيحتاج إلى التوسع بنحو 70٪ بحلول عام 2050.
ومع ذلك فإن الطلب المستقبلي على المياه من قبل جميع القطاعات سيتطلب ما يصل إلى 25 إلى 40٪ من المياه لإعادة تخصيصها من أنشطة إنتاجية . ففي معظم الحالات من المتوقع أن تأتي إعادة التخصيص من الزراعة بسبب حصتها العالية من استخدام المياه حاليًا و تمثل الزراعة (في المتوسط) 70 في المائة من جميع عمليات سحب المياه العذبة على مستوى العالم (وحصة أعلى من “استخدام المياه الاستهلاكية” بسبب البخر نتح للمحاصيل).ويجب أن تكون حركة الماء مادية وافتراضية حيث يمكن أن تحدث الحركة المادية للمياه من خلال التغييرات في التخصيصات الأولية لموارد المياه السطحية والجوفية بشكل أساسي من المستخدمين الزراعيين إلى المستخدمين الحضريين والبيئيين والصناعيين. ويمكن أن تنتقل المياه أيضًا تقريبًا حيث يتركز إنتاج المواد الغذائية والسلع والخدمات التي تتطلب كميات كبيرة من المياه في مناطق وفيرة بالمياه ويتم تداولها في المناطق التي تعاني من ندرة المياه.
كما يجب أن تكون عمليات إعادة تخصيص المياه بين القطاعات والتحولات الكبيرة للمياه بعيدًا عن الزراعة مصحوبة بتحسينات في كفاءة استخدام المياه وتحسينات في أنظمة توصيل المياه. سيعتمد تحسين كفاءة استخدام المياه في الزراعة أيضًا على مطابقة تحسينات النظام الرئيسي (خارج المزرعة) مع الحوافز المناسبة للاستثمارات في المزرعة التي تهدف إلى تحسين إدارة التربة والمياه. ومن هنا ستتطلب مثل هذه الخيارات أنظمة محسنة لتوصيل المياه لتوفير خدمة كافية عند الطلب وكذلك استخدام التقنيات المتقدمة (مثل مستشعرات رطوبة التربة وقياسات التبخر بالأقمار الصناعية) لتحسين كفاءة وإنتاجية المياه في الزراعة.
الموارد المائية بالوطن العربي والانتاج الزراعي
تتصدر مسألة التنمية الزراعية في العالم العربي قائمة أولويات التنمية الشاملة لدى أصحاب القرار السياسي والاقتصادي وكذلك اهتمامات الباحثين والمفكرين في الدول العربية وبصفة خاصة مصر ويعزى ذلك إلى تنامي العجز في مستوي الامن الغذائي في الوطن العربي وتفاقمه رغم الإمكانيات والطاقات البشرية والموارد الزراعية والمالية المتاحة حيث يحتل قطاع الزراعة مكانة هامة في اقتصاديات الكثير من الأقطار العربية خاصة في توفير المنتجات الغذائية لإشباع حاجات السكان وخلق فرص عمل لشريحة واسعة من السكان وتوفير المدخلات الوسيطة للعديد من الصناعات التحويلية بالإضافة إلى مساهمته في مصادر النقد الأجنبي من خلال إنتاج سلع قابلة للتصدير بعد توفير احتياجات السكان من الغذاء والمنتجات الزراعية الضرورية .
أن كل مؤشرات الوضع المائي العربي تؤكد على وجود تنافس حقيقي في استخدام المياه للقطاعات الاقتصادية المختلفة واحتياجات السكان الأخرى وأن هذا الأمر سوف يكون له الأثر الأكبر على مستويات الإنتاج الزراعي وبالتالي سيتصدر مهددات الأمن الغذائي العربي وبخاصة أن الجهود الرامية إلى ترشيد الاستخدام للأغراض الزراعية التي ما زالت متواضعة فعلى سبيل المثال لا تزيد المساحة التي تروى باستخدام الأنظمة الحديثة على 6 مليون هكتار وتبلغ المساحة الإجمالية للدول العربية حوالي 1402 مليون هكتار أي حوالي 10.2% من إجمالي مساحة اليابسة في العالم.
الموارد المائية في الدول العربية
أن إجمالي موارد المائية في الوطن العربي يبلغ نحو 257.5 مليار م 3/ سنة، منها 95.4 % مياه تقليدية منها 81.2 % مياه سطحية، و %14.1 مياه جوفية. وتتمثل الموارد غير التقليدية من المياه في إعادة الاستخدام والتحلية بنسبة 3.8 و % 0.9 من الإجمالي على التوالي. وتشير الاستراتيجية العربية للأمن المائي بأن المنطقة العربية في سبيل تحقيق أمنها الغذائي بحاجة إلى توفير ما يقارب 550 مليار متر مكعب من المياه سنوياً في ٢٠٢٥ ٢٠٣٧ في حال استمرار معدلات النمو السكاني الحالية وتعادل كميات تزيد عن ضعف المتاح حالياً من المياه والتي تصل إلى 257.5 مليار متر مكعب سنوياً وتقدر مساحة الأراضي القابلة للزراعة بحوالي 197 مليون هكتار(14.1% من المساحة الإجمالية),وتنتشر الأراضي الزراعية في الوطن العربي حول الأنهار الداخلية الكبرى: النيل والفرات ودجلة، وفي المناطق الساحلية المتوسطية والأطلسية.
الموارد المائية العربية وتطوير الزراعة
ومن جهة أخرى فإن معظم القوة العاملة والموارد البشرية في الوطن العربي تعمل في مجال الزراعة؛ إذ تبلغ نسبتها نحو 65% من إجمالي القوة العاملة و كذلك تشير البيانات المتوافرة إلى أن القوى العاملة في البلدان العربية تمثل حوالي 32% من مجموع السكان أي ما يعادل 92 مليون عامل ويستحوذ قطاع الزراعة على نسبة 30% من مجموع القوى العاملة، وهو ما يعادل 27.4 مليون عامل وكما تنتشر في بعض البلاد العربية: الغابات وبخاصة في دول المغرب العربي والصومال والسعودية .ولا يُنسى دور الرعي في المناطق الصحراوية والداخلية السهلية ومع ذلك فإنه بقراءة لمساحة الأراضي المزروعة يلاحظ أنه رغم الزيادة النسبية في المساحة بسبب مشروعات الري الكبرى على مياه الانهار كنهر النيل والفرات ودجلة إلا أن الزراعة لم تصل إلى حد الوفرة لاحتياجات السكان.
ففي الإحصاءات استنتجت النسب وهي نسبة الأراضي المزروعة التي تشكل 4.9% من مساحة الوطن العربي الإجمالية والغابات تشكل 2.1 % من مساحة الوطن العربي الإجمالية والأراضي المخصصة للرعي تشكل 22.3 من مساحة الوطن العربي الإجمالية والزراعة تساهم بنحو 13% من الإنتاج المحلي للوطن العربي وذلك على الرغم من اشتغال معظم اليد العاملة في المجال الزراعي والمحاصيل الزراعية في الوطن العربي مختلفة ومتنوعة . وتقدر مساحة الأراضي المستغلة للإنتاج الزراعي عام بنحو 64.8 مليون هكتار منها 7.4 مليون هكتار تزرع بالمحاصيل المستديمة.
الزراعة المطرية في الدول العربية
. وتعتبر الزراعة المطرية هي الأكثر انتشارا للدول العربية إذ تبلغ مساحة الأراضي التي تعتمد على الزراعة المطرية نحو 30.4 مليون هكتار، أي ما يعادل 53% من مساحة الأراضي التي تزرع بالمحاصيل الموسمية، كما تبلغ مساحة الأراضي الزراعية المروية حوالي 9.3 مليون هكتار (16%) والأراضي التي تترك بورا بدون زراعة حوالي 17.7 مليون هكتار أي نحو 31% من المساحة الإجمالية للأراضي التي تزرع بالمحاصيل الموسمية و تقدر الموارد المائية المتاحة في الدول العربية من كافة المصادر بنحو 259 مليار م3 ويبلغ متوسط نصيب الفرد من تلك الموارد حوالي 890 م3/ السنة..وتقدر الموارد المائية المستغلة حوالي 193 مليار م3 أي 75% من اجمالي الموارد وتستحوذ الزراعة على 80- 87% من استخدامات المياه.
يتطلب حل تحديات المستقبل إعادة نظر شاملة في كيفية إدارة المياه في القطاع الزراعي وكيف يمكن إعادة وضعها في السياق الأوسع للإدارة الشاملة لموارد المياه والأمن المائي. علاوة على ذلك فإن مشاريع الري والصرف سواء كانت كبيرة أو صغيرة تمثل الأشغال العامة المنتشرة مكانيًا في المناطق الريفية. وبالتالي فإنهم يمثلون وسيلة منطقية لتعبئة فرص العمل في المجتمعات.
مؤتمر المناخ كوب 27 (الأمن المائي والتنمية المستدامة)
خصصت جلسات اليوم الإثنين 14 نوفمبر 2022 من أعمال قمة المناخ لأنظمة المياه ، حيث غطت المناقشات التي انطلقت حول جميع القضايا المتعلقة بالإدارة المستدامة للموارد المائية وكذلك مواضيع مختلفة مثل ندرة المياه والجفاف والتعاون عبر الحدود وتحسين أنظمة الإنذار المبكر وارتفاع منسوب البحر.
وقد ناقشت جلسة أنظمة الإنذار المبكر وإجراءات التكيف المبكر لقطاع المياه المنعقدة ضمن يوم المياه على هامش فعاليات قمة المناخ كيفية المضي قدمًا في تنفيذ المبادرة العالمية للإنذار المبكر فضلا عن مناقشة ندرة المياه إجراءات التكيف مع الجفاف والشراكات بين القطاعين العام والخاص (PPPs) في قطاع المياه، والحماية من الفيضانات المفاجئة وحصاد هطول الأمطار .
وتم أيضا تنظيم عدد من المناقشات حول التأثيرات المختلفة حول ندرة المياه والحلول لارتفاع منسوب سطح البحر والتي ناقشت تأثيرات وحلول ارتفاع منسوب مياه البحر ومنها أحدث الوسائل العلمية حول تأثيرات ارتفاع مستوى سطح البحر، وتحديد الحلول الرئيسية لإجراءات التكيف التي يجب اتخاذها من أجل حماية المناطق الجغرافية والسكان المعرضين للغرق في مناطق مثل الدلتا وفي ظل هذه التحديات فقد حان الوقت للعمل على أرض الواقع من خلال تنفيذ مشروعات للتكيف مع التغيرات المناخية وتنفيذ التعهدات الدولية تجاه قضايا التغيرات المناخية، وزيادة الاهتمام العالمي بقضايا المياه وعلاقتها بالتغيرات المناخية لما ينتج عنها من تحديات تجاه المياه والغذاء.
كاتب المقال الدكتور علي اسماعيل
استاذ ادارة الاراضي والمياه …… مركز البحوث الزراعية