د محمد مصباح يكتب: كيف يمكن تحليل لغة وسلوكيات الأبقار في مزارع التربية؟
خبير بيطري – إستاذ في معهد بحوث الصحة الحيوانية المنصورة – مركز البحوث الزراعية – مصر
الكثير منا يتعجب هل الأبقار تتواصل مع بعضها البعض و هل تملك وسائل للتواصل الإجابة بكل وضوح تتمثل في قول الله عز وجل في سورة الأنعام و الآية رقم 38 حيث قال بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ ﴾
فجميع المخلوقات الحية ومنها الأبقار أمة و هي مثل أمة البشر فالطير له لغة و النمل له لغة قد علمها الله و فهمها لنبي الله سليمان عليه السلام ولا ننسى كيف اشتكت الجمل لرسول الله محمد صلي الله عليه و سلم سوء معاملة صاحبه له و من ثم فإن كل حيوان له لغته الخاصة به و احترافية من يعمل في علاج و تربية الأبقار أن يستطيع ترجمة تلك اللغة و فهمها و يتعلم جيدا ما هي سلوكيات و طبائع تلك الأبقار.
ويبدو أن بعض هذه المخلوقات ومنها الأبقار أيضا، تمتلك أيضاً بعض المهارات التواصلية، التي يعتقد الإنسان منذ مدة طويلة أنها حكر عليه دون غيره، فقد توصلت دراسة حديثة إلى أن الأبقار تستعمل خوارها (صوت البقر)، من أجل أن تخبر بعضها عن شعورها وتتواصل فيما بينها، وفق ما أوردت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية.
وأشارت الدراسة، الصادرة عن جامعة “سيدني” الأسترالية، إلى أن الحيوانات لديها خصائص صوتية فريدة، وتغير طبقة صوتها وفقاً لحالتها الشعورية، وأضافت أن الأبقار تستخدم الصوت لمساعدتها في التواصل مع أقرانها، والتعبير أيضاً عن الحماس أو الارتباط أو الضيق وغيرها.
وقالت المشرفة على الدراسة، ألكسندرا غرين: “الأبقار حيوانات اجتماعية…وهذه هي المرة الأولى التي تمكنا فيها من تحليل صوتها للحصول على أدلة قاطعة بشأن هذه الصفة”، وأضافت: “لديها أصوات خاصة جداً. وحتى من دون النظر إلى القطيع يمكن أن أحدد البقرة، التي تصدر ضوضاء وذلك بالاعتماد على صوتها”، وأردفت: “كل هذا يعود إلى عواطف البقرة وما تشعر به في ذلك الوقت”.
وأفادت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية أن النتائج، اعتمدت على دراسة أجراها خبراء من جامعة “سيدني”، حيث ابتكروا برنامجاً يُطلق عليه “Google Translate for cows”، وذلك بهدف الحصول على فكرة أفضل عما تقوله الأبقار عند خوارها.
وتابع نفس المصدر أن الخبراء استخدموا جهاز ميكرفون وحللوا أيضاً طبقة صوت أبقار هولشتاين أو بقرة الفريزيان (سلالة أبقار من أوروبا). ولاحظ الخبراء أن كل بقرة تحتفظ بخوار خاص بها وتستعمله في مواقف معينة، ما يساعد على التواصل بينها، والتعبير كذلك عن مشاعرها. فعلى سبيل المثال الأبقار التي تتزاوج بإخراج أصوات متناسقة تدل على التناغم فيما بينها، ويظهر مشاعر الكره لمجموعة أخرى
تعتبر الأبقار من الحيوانات الاجتماعية التي تعيش مع بعضها البعض على شكل مجموعات، وتقوم الأبقار بالترابط فيما بينها وبين صغارها بصورة كبيرة، فهي من الحيوانات التي تمتلك عاطفة كبيرة إذ أنها تتواصل مع صغارها بصورة رائعة منذ فترة الولادة، وعندما يؤخذ منها صغيرها تحزن كثيراً وتخرج أصواتاً تشير إلى مقدار هذا الحزن. عادة ما تعتني الأبقار بصغارها وتقوم بتدريب العجل الصغير على كيفية التعامل مع الأبقار الأخرى، وعادة ما تراقب الأبقار صغارها لمعرفة مدى سعادتهم وطريقتهم في اللعب والتحرك، وتستمر هذه العملية حتى يتمكن الصغير من الرعي والاعتماد على نفسه في التعامل مع الأبقار الأخرى.
تعتبر الأبقار من الثدييات المستأنسة التي اهتم الإنسان بتربيتها والاستفادة من خدماتها منذ قديم الزمن، فعلى الرغم من حجمها الهائل إلا أنها من الحيوانات ذات السلوكيات الأليفة التي لا تشكّل أي تهديد على حياة أي حيوان آخر، وتعتبر الأبقار من الحيوانات التي تعيش في مختلف بلدان العالم، وهي تعيش إلى مدّة تصل إلى خمسة وعشرين عاماً، ولها العديد من السلوكيات الخاصة بها، فما هي أبرز السلوكيات الخاصة بالأبقار؟
عادة ما تعيش الأبقار في مزارع خاصة يقوم الإنسان من خلالها برعايتها بصورة طبيعية، وهي تتغذى على الأعشاب بصورة دائمة وتأكل كميات كبيرة من الطعام و تأكل من بين قدميها أي أن الله سبحانه وتعالي خلقها لتأكل منالأرض ليتم إفراز أكثر من 250 لترا من اللعاب الذي يساعد علي الهضم و ظبط حموضة الكرش و بالتالي تفادي أعراض اللكمة و الانتفاخ ومن ثم بناء الطوايل بشكل مرتفع ليأكل الأبقار من مسستوى مرتفع عن الأرض يقلل من إفراز اللعاب و بالتالي زيادة المشاكل الهضمية المختلفة، وتعتبرالأبقار من أكثر الثدييات أكلاً للعشب سواء كان في مزارع خاصة أو في المراعي الطبيعية، ولها (32) سن في فمها تساعدها على تناول الأعشاب.
حيث تعتبر الأبقار من الحيوانات التي تقوم بأكل الأعشاب، وفي أوقات القيلولة تقووم باجترار الطعام مرّة أخرى وتقطيعه وهضمه مرة أخرى في المعدة، وبطن البقر يحتوي على أنواع من البكتيريا تساعدها على عملية الهضم، وتقوم الأبقار بهضم الطعام ستين مرة حتى يتم ابتلاعه بصورة صحيحة.
البقر حيوان روتيني جدا و لا يحب التجديد يلتزم بمواعيده إلى أقصى درجة يلتزم بمواعيد المحلب و يلتزم بمواعيد الأكل و أي خلل يسبب له إضرابات نفسية تؤثر تأثير مباشر على انتاجيته و بالأخص اللبن فعلى سبيل المثال التأخير عن مواعيد الحلابة, نقل الأبقار بين الحظائر بشكل مستمر يؤثر أيضا علي انتاجية اللبن حيث أن الأبقار حيوانات اجتماعية هادئة تتعايش في مجاميع مرتبطة و إذا أحست بالخوف والاضطراب فإنها تستغرق علي الأقل 20 دقيقة حتى تهدأ و تعود لطبيعتها, كما أنها تملك ذاكرة قوية تستطيع أن تفرق بين من يعاملها بهدوء أو من يؤذيها بالضرب و النهر فهي تعرف من يتعامل معها جيدا و تحتفظ بذاكرتها لسنين طويلة. و الأبقار حيوان عنيد لا يمكن إجباره علي فعل شيء لا يريده ودائما محاولة إجباره علي فعل شيء كالضرب بالعصى أو الصراخ تبوء بالفشل وإذا نجحت المحاولة فإن الحيوان يصبح خائف و مضطرب و يشعر بالتشوش والارتباك و بالتاكيد يؤثر بشكل مباشر أيضا علي انتاجيته.
والكثير من التجارب تمت لمقارنة انتاج اللبن بين الحيوانات المساقة للمحلب بهدوء داخل و خارج المحلب و بين الحيوانات التي تم التعامل معها بعنف و لوحظ الفرق الشديد في انتاج اللبن لصالح الحيوانات الهادئة وصل الفرق في بعض الدراسات إلى 10 لتر لبن بين المجموعتين.
الرؤية عند الأبقار هي من أهم وسائل التواصل مع محيطها و تتلقى أكثر من نصف المعلومات الحسية من البيئة المحيطة عن طريق البصرحيث أنها تستطيع أن ترى بزاوية 330 درجة كما أن لها رؤية مجهرية لمنطقة محدودة أمامها كما أنها لتحصل على رؤية واضحة لتحدد المسافة و العمق فإنها تخفض رأسها للأمام في اتجاه الهدف ورغم ذلك فإن الأبقار من الحيوانات الضعيفة في تحديد العمق و المسافة و من ثم عند الاقتراب من الأبقار لابد أن يكون من الجنب و ببطء وليس من الأمام حتى لا تخيف الحيوان. و هناك نقطة تعرف بالنقطة العمياء (Blind spot) و التي تقع خلف ذيل البقرة مباشرة والتي لا تستطيع البقرة رؤية من خلفها.
الأبقار لا تستطيع أن ترى اللون الأحمر و قدرتها علي التمييز بين الألوان أقل بكثير من البشر كما أن انعكاس ظلها علي الأرض يسبب لها بعض الاضرابات حيث أنها تعتقد أن هذا الظل ثقب في الأرض فتظل فترة من الزمن تتحسس المكان حتى تطمئن وتهدأ و الأبقار لا تحب الأماكن المظلمة أو خافتة الإضاءة فطالما تسعى إلى الأماكن المضيئة عن الأماكن المظلمة أو خافتة الإضاءة ومن هذا فإن الأبقار تعشق الشروق و أسعد أوقاتها عند شروق الشمس حيث أنها أمتع الأوقات لها لتناول غذاؤها و تهرول سريعا قبل الغروب لتستمتع بوجبات الغذاء قبل حلول الظلام لذا فإن متعة الأبقار في تناول الطعام بعد الشروق و قبل الغروب و ترقد يوميا من 12: 14 ساعة لتقوم بعملية الاجترار و تصنيع اللبن.
حاسة السمع قوية جدا عند الأبقار و لديها نطاق أوسع من السمع عند البشر (النطاق السمعي للإنسان من 64 إلى 23000 هرتز ، الماشية من 23 إلى 35000 هرتز) ولكنها لا تستطيع تحديد أصل الصوت و تستخدم بصرها لمساعدتها لتحديد المصدر والأصوات العالية من صراخ و صفير و طرق المعادن تثير الأبقار بشكل مستفز و علي النقيض تماما فإن الأصوات الهادئة تؤثر مباشرة علي سلوك الأبقار و يصبح البقر أكثر هدوءا و انتاجا.
الماشية لديها حاسة شم حادة جدًا وتستطيع أن تتعرف علي الأشياء من رائحتها دون أن تراها ليس هذا فحسب بل تستطيع اكتشاف الروائح لعدة كيلومترات و تعرف جيدا رائحة الأشخاص اللذين تتعامل معهم بل وتختار طعامها أيضا على أساس الرائحة فالطعام الذي يححتوي على روائح نفاذة او غير مقبولة لا تقربه الأبقار سواء كان في الماء أو العلف. و إليك المزيد فمن قوة حاسة الشم عند الأبقار فإنها تتردد في دخول أماكن استشعرت فيها رائحة بول أبقار تم التعامل معها بعنف او بطريقة سيئة وينتقل إحساس الخوف إليها أيضا. الأبقار حيوانات راقية نظيفة تكره روائح الروث و الإفرازات ذو الرائحة الكريهة من الأبقار الأخرى و لا تأكل أي علف علية روث و تحب دائما الأماكن المفتوحة ذو الهواء المتجدد.
ولا تقف حاسة الشم على الأنف عند الأبقار ولكن يهب الله لها جهاز آخر يوجد في سقف الأنف يستقبل الروائح و بالأخص الفيرمونات التي تفرز أثناء مرحلة الشياع الجنسي عند الأبقار ومن ثم فإن هذا الجهاز يستخدم لتقوية و الحفاظ علي المتعة الجنسية عند الأبقار و يسمى هذا الجهاز الكئي الأنفي (vomeronasal organ) و أيضا تميز الفيرمونات التي تفرز أثناء المواقف المخيفة و تتغير سلوكياتها و تقضي وقت أطول لاستنشاق الهواء بحذر في مثل هذه المواقف. ومن هنا نستطيع تفسير لماذا بعد إصابات الطلائق بمرض الحمى القلاعية تقل قدراتها في تحديد الأبقار التي في فترة الشياع وذلك نتيجة إصابة و تدمير هذا العضو بالقرح.
أما بالنسبة لحاسة التذوق لدي الأبقار، فلديها ضعف إلى ثلاثة أضعاف براعم تذوق في الإنسان فتستطيع الأبقار في التعرف علي المذاق الحلو خاصة في الإضافات الخاصة بالطاقة و أيضا الملوحة التي ترتبط بإضافات الأملاح ة البريمكسات و تستطيع أيضا تذوق المرارة وتجنب العلف العفن و السموم الفطرية بالإضافة إلي تحديد حموضة العلف عن طريق التذوق و تتجنب العلف الحامضي و الأبقار إذا أصيبت باللكمة أو الانتفاخ فإنها تتجنب تلقائيا مصدر العلف الذي كان سبب مرضها و ترجع له تدريجيا في حال إحساسها بالتعافي و من العجيب أيضا أنها إذا أصيبت بأعراض مرضية للديدان الكبدية فإنها تتجنب البرسيم أو مصدر العلف الأخضر الذي كان سبب في مرضها.
