حوارات و مقالات

د علي اسماعيل يكتب : سد الفجوة الغذائية وسياسة الإصلاح الإقتصادي

استاذ اداره الموارد الأرضية والمائية – مركز البحوث الزراعية – مصر

لاشك ان سد الفجوة الغذائية هي مفهوم مرن يمكن من خلاله تحقيق قدر مناسب من الاكتفاء الذاتي للمحاصيل الغذائية والانتاج الحيواني والسمكي لما يلبي حاجة المواطنين من هذه السلع الغذائية المتنوعة في ظل الموارد الارضية والمائية المتاحة وطبقا للأولويات و الاحتياجات الضرورية في اطار الخطة والاستراتيجية التي تحددها الدولة وبرامج التنمية المستدامة في ظل التغيرات المناخية و معدلات النمو السكاني.

ولا ننسي ان التنمية الزراعية وتطوير الزراعة المصرية يلقي اهتمام القيادة السياسية بالملف الزراعي والبرنامج القومي لاستصلاح لما يقرب من أربعة ملاين فدان منذ من ٢٠١٤ وحتي ٢٠٢٤ والوصول بالمساحة المنزرعة الي ١٢ مليون فدان ومساحة محصوليه لأكثر من ١٩ مليون فدان حاليا تصل الي ٢١ مليون فدان بنهاية ٢٠٢٤ .

اصبحت التنمية الزراعية مطلبا قوميا واستراتيجي لسد الفجوة الغذائية من المحاصيل الاستراتيجية التي قد تكون الداعم الرئيسي للصناعة المصرية في توفير احتياجاتها من المواد الخام اللازمة لها والتي تلبي حاجة السكان وتوفر جزء من الصادرات المصرية التي تساعد في نمو الدخل القومي وزياده حصيلة العملة الصعبة او توفير النقد الاجنبي اللازم لاستيراد هذه المحاصيل الاستراتيجية كالذرة الصفراء وفول الصويا وبذور دوار الشمس ومركزات الأعلاف.

وضح من هذا السرد اهمية سد هذه الفجوة الكبير منها من خلال الانتاج المحلي في ظل ارتفاع اسعارها ونقص الامدادات منها بعد الصعوبات التي تواجه العالم بعد الغاء اتفاقية الحبوب من الجانب الروسي في اطار الحرب الروسية الاوكرانية وغلق البحر الاسود امام السفن التجارية لنقل الحبوب من الموانئ الاوكرانية.

من هنا يجب ان يتوافر للزراعة المصرية شقا هاما من الحماية والسياسات السعرية في اطار الزراعة التعاقدية واطار من الضرورات التشريعية بتعديل قانون الزراعة المصرية بإصدار قانون متكامل وليس تعديل مواد لا تثمن ولا تغني من جوع.

يتم ذلك من خلال دعم المكونات المؤسسية اللازمة لإحراز معدلات عالية من التنمية الزراعية وضخ استثمارات اضافيه لهذا القطاع لتنشيطه وتحسين الفرصة التنافسية به وتحسين إنتاجية العديد من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية من خلال برنامج وطني في مدة زمنية محددة لمضاعفة هذه الانتاجية لبعض المحاصيل الرئيسية مثل القمح – الذرة – القطن – الارز فالطفرة التي حدثت في هذا القطاع مع بداية الثمانينات والتسعينات لمعظم المحاصيل كانت مرتبطة بمدي الاهتمام بهذا القطاع فالقمح كان متوسط الانتاج 8 اردب للفدان والذرة 12 اردب للفدان.

وتضاعفت الانتاجية لمعظم المحاصيل ولكنها لم تواكب معدلات النمو العالية في السكان التي وصلت الي تضخم سرطاني يلتهم كل عوائد التنمية وتزداد الانتاجية للمحاصيل الاستراتيجية حاليا بمعدلات اقل سرعة من المفترض لها لنقص الامكانات والمخصصات البحثية لدعم برامج التربية بالشكل الكافي رغم تبني برنامج تربية واكثار لنباتات الخضر وغياب الرؤيا الاستراتيجية بعيدة المدي مما يشكل خطرا جسيما علي الوضع الحالي والمستقبلي للدولة مع زيادة السكان الحالية والتي بلغت ١٠٤ مليون نسمه واكثر من عشرة ملاين ضيف مقيم علي الاراضي المصرية مما يشكل طلبا زائدا علي الاحتياجات الغذائية وهذه المحاصيل الاستراتيجية .

لاشك ان الازمة الاقتصادية التي يتعرض لها العالم ستظل تطل براسها علي العالم بعد جائحة كورونا والحرب الروسية الاوكرانية وسوف تستمر الي ان تضع هذه الحرب اوزارها وربما تستمر لبعض الوقت حتي تنضبط معها سلاسل الامداد والتوريد حول العالم .

ومع هذه المستجدات الدولية نجد ان التأثيرات علي مصر كانت اكثر شدة بشكل اساسي مع ما تقوم به الولايات المتحدة الامريكية من رفع اسعار الفائدة وارتفاع سعر الدولار مقابل باقي العملات بعد بدء الكونجرس حل ازمة سقف الدين وتأثيراتها السلبية علي الاسواق الناشئة وما تسببه من خروج الاموال الساخنة وهروب الاستثمارات من هذه الدول الناشئة.

إمتدت هذا التأثيرات إلي رفع مستويات التضخم ونقص الاحتياطات الدولارية للبعض منها وخاصة التي تكون واردتها اكثر من صادرتها وتدخل صندوق النقد والبنك الدولي لحل بعض أزمات هذه الدول النامية وربما تكون روشته العلاج قاسية لا تفهم الابعاد السياسية الاقتصادية علي الفئات البسيطة ومحدودة الدخل فالصندوق لا ينظر سوي للمنظور الاقتصادي مع تحقيق مصالح الشركاء والداعمين بغض النظر عن مصالح الدول نفسها وقد تظل هذه الدول في دائرة الطرد المركزي دون توقف ..

واذا نظرنا الي ضمان نجاح الاستثمار ودعم الاقتصاد المصري فالإنتاج والتصدير هما راس الحربة القادرين على تحقيق هذه المعادلة وليس الخدمات والسمسرة والانتاج الاستهلاكي الداخلي الذي يحقق أرباح محليه تتطلب تحويل هذه العوائد الي دولارات يتم تحويلها الي الخارج طبقا للقوانين الاستثمارية .

ويظهر ذلك واضحا من شركات عديدة تحمل علامات تجارية عالميه. فالأمر لابد أن يعاد النظر فيه وان يتم تحديد نسب التحويل وخروج الدولارات طبقا لما تحققه هذه الأنشطة من عوائد دولاريه للاقتصاد .

ليس من المعقول ان شركة تبيع مياه معبأة واخرى عقارية في السوق المصري وتحول ارباحها بالدولار الي الخارج فالأمر يحتاج إعادة ضبط للسوق لتحديد الأولويات الاستثمارية التي تكون قادرة علي لضافة الدولار للاقتصاد وليس لخروجه من الدولة دون مبرر فليس من المعقول ان الدولة المصرية تبذل الكثير من الجهد في دعم منظومة التصدير وتشجيع الاستثمار للحصول على العملة الصعبة من الأنشطة المختلفة الصادرات المصرية الصناعية والزراعية البترولية وقناه السويس تحويلات المصريين بالخارج .

لاشك ان عملية الإصلاح. الاقتصادي وتعديل اسعار. الحاصلات الزراعية بعد تحرير. اسعار الصرف تعتبر من أهم وأخطر العمليات الجراحية التي تجري في ظل اليات السوق ولا. نغفل ان الانتاج المحلي من هذه المحاصيل الاستراتيجية ربما تكون اعلي سعرا مقارنة بالأسعار العالمية الا انها ستظل افضل نسبيا عن. استيرادها وتدبير عملة صعبة لاستيرادها ربما لا تكون متاحة بالشكل الكافي في ظل نقص الموارد الدولارية والضغوط العالمية علي الاقتصاد المصري.

اعادة التوازن السعري للمنتجات الزراعية المصرية ربما تكون عملية ضرورية وحتمية لكي يعاد الثقة والحافز لدي المنتج الزراعي المصري علي الانتاج في ظل ارتفاع اسعار مدخلات الانتاج وزيادة قدرته علي مواجهة. التحديات التي تواجه حياته اليومية والمستقبلية.

ولذلك كان من الاهمية مراعاة الابعاد الاقتصادية.والاجتماعية في ظل سياسات الإصلاح الاقتصادي علي القطاع الزراعي واعطاءه المرونة الكافية لتحقيق أهداف وطموحات الدولة المصرية لسد جانب كبير من الفجوة الغذائية للمحاصيل الاستراتيجية.

وتم  ذلك من خلال تحقيق فائض الزراعيين المتعاقدين علي هذه المحاصيل وكما يتم بمحاصيل تعاقدية تصنيعية كالبنجر والقصب وان تعلن الاسعار العادلة بوقت كافي قبل الموسم الزراعي لتشجيع الزراع علي تحديد اهدافهم طبقا لخريطة احتياجات الدولة من هذه المحاصيل الاستراتيجية ومدي تدبير. العملة الصعبة لدي البنك المركزي. بوقت كافي يسمح بتنفيذ هذه السياسات الهامة لتأثيرها المباشر علي ديناميكية قطاع الزراعة. المصرية لتلبية حاجة الدولة وسد الفجوة الغذائية.

نظرا لأن الإصلاح الاقتصادي الذي يتم مع تحرير سعر صرف الجنية أمام الدولار الأمريكي وتحرر أسعار الوقود والطاقة مما يعني زياده أسعار مدخلات الإنتاج الزراعية مثل الأسمدة والتقاوي وغيرها وارتفاع أسعار الخدمات الزراعية مثل العمالة. والميكنه الزراعية وتكاليف النقل وغيرها من العناصر. الرئيسية التي تؤثر بشكل. مباشر علي إنتاج المحاصيل الزراعية وأسعارها بالأسواق وكذلك مستلزمات الانتاج الحيواني كالأعلاف المحلية والمستوردة كالذرة الصفراء وفول الصويا ومركزات. الاعلاف التي هي صلب إنتاج الدواجن و الماشية والأسماك وبما يشكل عبئ كبير على صغار المربين والمنتجين وخروجهم من المنافسة ما لم تتوفر لهم الحماية التي تساعدهم علي استمرارهم في الإنتاج حتى يظلوا جزء مهم في منظومة توازن الأسعار بالأسواق ووقف الاحتكار.

ويتطلب الإصلاح الاقتصادي وضع أسعار عادلة للمنتج المصري الزراعي يسمح بتحقيق هامش ربح جيد رغم أنه ربما يكون اعلي من الأسعار المستوردة وتنافسيتها المؤقتة لأنها أسعار ربما تكون مدعومة من بلدانها وتكاليف انتاجها أقل لأنها ربما تكون نواتج. زراعة مطرية وليست مروية تدخل الطاقة والعمالة والأسمدة والمكينة في انتاجها.

لذا يجب أن تحرر الأسعار الخاصة بالمنتجات الزراعية وبصفه خاصه المحاصيل الزراعية الاستراتيجية لتشجيع انتاجها بالأسواق المحلية بما يحقق العائد المناسب للمنتجين وتقليل الاستيراد منها ووضع خطط زراعية تهدف إلي إنتاج هذه المحاصيل. والاكتفاء الذاتي منها خلال مده زمنية علي المدى. القصير والمتوسط لأن انتاجها محليا سوف يوفر جزء كبيرا من العملة الصعبة التي تتحملها الخزانة العامة.

ان الاصلاح الاقتصادي. ربما يعكس. وبشكل هام دور فعال في نمو القطاع. الزراعي وزيادة قدرته على. استيعاب العديد من العمالة وفرص الانتاج به المتنوعة. لو تم تحرير اسعار المنتجات الزراعية المنتجة محليا والذي يتطلب اعادة التسعير لها طبقا للتكاليف. الجديدة المدخلات الانتاج والتي تتطلب الشجاعة المطلقة من الحكومة بإعلانه وحتي يجد المنتج والمزارع قدرة عالية على انتاج هذه السلع للسوق المحلي بدلا من قيام الدولة باستيرادها وبأسعار اعلي منها مع تحمل الموازنة اعباء توفير العملة الصعبة التي تدعم بها المزارع الاجنبي .

لان رفع العائد وزيادة دخول المنتجين الزراعيين ربما يساعد علي تشغيل العديد من المشروعات الزراعية وجذب مستثمرين اخرين جدد للدخول في الزراعة وانشطتها ومشاريع الاستصلاح بدلا من استثمار اموالهم بالبنوك والحصول علي عوائد مرتفعة لأسعار الفائدة السائدة دون تحمل المخاطرة في الانتاج الزراعي ومشقته مع توفير دعم كافي لهم وتسهيل الخدمات المقدمة لهم وحمايتهم في ظل تقلب الاسعار والاستفادة من صندوق موازنة الاسعار الزراعية وتفعيل دوره الحقيقي بالتامين علي المحاصيل المنتجة والحصول علي نسبة منها لدعم موازنه هذا الصدوق وصرف الدعم المناسب وقت انخفاض الاسعار او تقديم خدمات لإنتاج محصول معين بدلا من تحمل الدولة هذه الاعباء كما حدث في تسويق محصول القطن خلال السنوات العشرة الماضية ان الوفرة من المحاصيل الزراعية

سوف تساعد علي تراجع الاسعار في السوق المحلي بما يكون له دور هام في توازن الاسعار و تماشيها مع دخول المواطنين مع سياسات الحماية الاجتماعية التي تقوم بها. الحكومة في ظل عمليات الاصلاح الاقتصادي الذي تنفذه الدولة.

ولا نغفل ان المنتج الزراعي تتعاظم قيمته من خلال الاهتمام التصنيع الزراعي للمنتج وتطوير منظومة الفرز والتعبئة والتغليف لرفع القيمة المضافة له وتقليل الفاقد منه مع تدوير المخلفات الناتجة في انتاج الاعلاف في ادارة دورة متكاملة. للمنتج الزراعي وبما ينعكس علي خفض أسعار بالأسواق المحلية وزيادة الربحية للمنتج الزراعي .

الإصلاح الاقتصادي الذي تم خلال الشهور الماضية والذي تستمر توابعة الفترة القادمة قد رفع تكاليف إنتاج المنتج المحلي وقدرته التنافسية بالأسواق العالمية إلا أن الدولة لابد لها من تشجيع استمرار تواجد المنتجات الزراعية وزياده كميتها بالأسواق الخارجية ومراجعة أساليب وسياسات الدعم المقدم للمنتجات الزراعية رغم أن ارتفاع الدخل منها بالجنية المصري نتيجة تحرر الأسعار.

ولكن القيمة الدولاريه تظل ثابتة أو ربما تتراجع. نسبيا في ظل عدم توفير حماية لها. وقد نري أن الإصلاح الاقتصادي قد أثر بشكل مباشر علي أسعار الأسمدة الكيماوية وبصفه خاصة الازوتية نظرا لارتفاع أسعار الطاقه مثل الغاز والكهرباء وغيرها مما يؤدي إلي تضاعف أسعار الإنتاج الذي ينعكس علي الشركات التي ترغب في جني أرباح اعلي من فروق أسعار التصدير عن بيعها بالأسواق المحلية .

لأن الأسعار الجديدة للسوق المحلي أصبح لا يمثل ربحا لهذة الشركات التي تصدر الطن بأربعة اضعاف السعر للسوق المحلي ان محاولات الدفع في اتجاه التنميه الزراعيه المستدامه بتبني مجموعه السياسات الزراعيه المتكامله المرتبطه بالانتهاء من التشريعات الزراعيه وتشجيع المزارعين والمنتجين الزراعيين بنقل التكنولوجيا اليهم وخفض فوائد الاقراض الزراعي ضمن المشروعات الصغيره والمنتاهيه الصغر سوف تعظم الفرص المتاحه في الانتاج الزراعي وتذيد من الايدي العامله في هذا القطاع من خلال فرص حقيقيه فاعله في الريف المصري الذي يعاني الكثير من المشاكل والبطاله التي تؤثر علي جهود التنمية الحقيقية .

ان القطاع الزراعي لو احسن استخدامه والاستفاده بالامكانيات المتاحه لديه من خلال مخصصات خطه استثماريه طموحه ينفق عليها نصف ما انفق في السياحه او البترول لحققت فائضا يعادل موارد الدوله من هذه القطاعات المختلفه فكم كان القطاع الزراعي يمثل المصدر الرئيسي من العمله الصعبه حتي نهايه السبعينات .

وقد نري ان اهم المشاكل التى تواجة الانشطة الزراعية القائمه وبصفة خاصة الانتاج الزراعي للمحاصيل فليس من المعقول ان يتم بذل جهود وانفاق العديد من الاموال لإنتاج منتجات زراعية يتعذر تسويقها بأسعار مناسبة او الاستفاده منها بزياده القيمه المضافه لها بتصنيعها والاستفاده من القدرات التسويقيه لها سواء بالسوق المحلي او الخارجي بهدف زياده حجم الصادرات الزراعيه للمنتجات الطازجه للخضروالفاكهه والذهور والمنتجات المصنعه مثل المنسوجات ومنتجات الصناعات الغذائيه والالبان.

ان الاهتمام بالإصلاح الاقتصادي وما يستلزمة من اجراءات خصخصه لبعض الشركات او المصانع وغيرها ويمكن ان تتم خصخصة اداراتها وتطبيق مبداء الثواب والعقاب بجانب تسهيل اداء القطاع الخاص الانتاجي وتشجيعه وتوفير حوافز انتاجيه جديده تساعد علي قيام مجتمعات زراعية صناعية وطنية بالشراكة مع القطاع الخاص بتوفير حوافز مناسبة لها وتعديل القوانين التي تسهل من شراكة القطاع الخاص مع الحكومة في الادارة والاستثمار واقتسام العوائد مما يدعم الاقتصاد القومي و يزيد الناتج القومي المحلي ويحسن ميزان المدفوعات المصري مع الاهتمام بالصناعات المرتبطة بالقطاع الزراعي كالغزل والنسيج والتصنع الغذائي للخضر والفاكهة ومنتجات الالبان والزيوت والسكر وغيرها .

 

Back to top button