د محمد مصباح يكتب: الجاموس المصري كنز من الألبان واللحوم وتاريخ من المعلومات
بقلم أ.د. محمد مصباح الديسطي – المدير الفني لمعهد بحوث الصحة الحيوانية بالمنصورة
هناك من الحيوانات المستأنسة التي مازالت تحتفظ بشراستها و عنفوانها و مازال الباحثون يطيب بحثهم و يحلو رونق الحديث عندما يبحرون بحثا عن كل ما هو جديد في سلوكيات و طبائع تلك الحيوانات و يأتي علي رأس القائمة الجاموس الذي تم إستئناسه لفترة مضت ما يقرب من 7000 عام .
تعتبر الهند هي الأقدم تاريخيا في إستئناس ومصدر لأصول الجاموس و علي الأراضي المصرية ظل الاهتمام علي مدى عقود عديدة تطوير صناعة الأبقار حيث ارتفع متوسط انتاج اللبن من 12 كجم في اليوم للراس في نهاية الثمانيات ليصل إلي 30 كجم في اليوم و يزيد في مطلع الألفية الجديدة.
تم توسيع رقعة التلقيح الاصطناعي و استيراد سلالات مختلفة أعلي في انتاج اللحم و اللبن عن السلالات المحلية و لكن ظل الجاموس بحظه السيء و لم ينل الاهتمام الكامل في تطوير تلك السلالة التي تلعب دوراً حيوياً في الأمن الغذائي المصري، حيث يساهم في السوق المحلي بنسبة 44% من الحليب و39% للحوم الحمراء.
لماذا يفضل المصريون حليب الجاموس علي حليب الأبقار؟
إلى جانب ذلك، ينتج الجاموس حليبًا عالي المحتوى من الدهون وهو ما يفضله المصريون أكثر من الحليب البقري. وتعد مصر الدولة الإفريقية الرئيسية التي تربي عددا كبيرا من الجاموس بنحو 3.9 مليون رأس و تتفرد في انتاج اللبن في القارة الأفريقية بنحو يزيد عن 2 مليون طن سنويا ويتم تربية حوالي 97% من الجاموس المصري في قطعان صغيرة الحجم عند صغار المربيين حيث تتمركز التربية بحوالي 57% من الجاموس في الدلتا في شمال مصر و43% في وسط مصر وجنوب مصر .
توزيع سلالات الجاموس المصري في المحافظات
و ينقسم الجاموس المصري إلى ثلاثة أنماط يتم تقسيمها جغرافيا و ليس وراثيا:
- جاموس بحيري: في شمال غرب الدلتا كبير الحجم يميل إلي اللون الرمادي الداكن وإنتاجه مقبول جدا من اللبن.
- جاموس منوفي: وينتشر في المنوفية بجنوب الدلتا نفس ارتفاع الجاموس البحيري و لكنه اقل طولا وانتاجا في اللبن
- جاموس صعيدي: في محافظات الصعيد وهو أصغر حجما ولونه غالبا أسود، وله شعر أكثر من النوعين السابقين بعض الشيء، وإنتاجه من اللبن ضعيف
تاريخ الجاموس في العالم
وكان أول تسجيل للجاموس في الأردن سنة 723م، ويبدو أن هذا الجاموس منشأه آسيا، ثم انتقل مع التجار العرب من الهند، ثم إلى الشام، ومنه إلى مصر. وبدأ دخول الجاموس إلى مصر في القرن التاسع الميلادي. واكتسب صفات عديدة مع تأقلمه مع البيئة المصرية (شبه الحارة) التي جعلته ينتشر في ربوع مصر، وأصبح حيوان اللبن الأول حيث أن الجاموس له قدرة عجيبة علي تحيل العلف ذو القيمة الغذائية الضعيفة إلى لبن.
و يبلغ تعداد الجاموس المستأنس في العالم ما يقرب من 209 مليون راس بمعدل نمو 2.7% عن عام 2017 و بمعدل انتاج لبن سنويا ما يقرب من 128 مليون طن و تحتل الهند المرتبة الأولى عالميا في تعداد الجاموس حيث يبلغ تعداد الجاموس في الهند لأكثر من 114 مليون راس بإنتاج لبن بقرابة 92 مليون طن سنويا بينما تحتل باكستان المرتبة الثانية عالميا بقرابة 42 مليون راس ومن ثم فإن نسبة مساهمة الجاموس في انتاج الحليب العالمي تصل إلي 15% بينما الأبقار 81% في في حين بلغت حصة (حليب الماعز والأغنام والإبل) مجتمعة 4 في المائة.
لماذا تعد الهند وباكستان متميزة في إنتاج الجاموس؟
ومن استعراض التاريخ و الأرقام تعتبر الهند و باكستان هم الأكثر خبرة في تربية و معايشة الجاموس و الأكثر في تنوع السلالات التي يتم تربيتها سواء لانتاج اللحم أو اللبن إذا وجب فتح القنوات البحثية و الدراسات الحقلية مع تلك البلاد مغ مراعاة الخريطة الوبائية في كل منطقة لتفادي أي صدمات وبائية غير متوقعة أو مدروسة حيث تعتبر دراسة أنظمة تربية الجاموس حاجة ملحة للتعرف على الميزات والمكونات ونقاط القوة والضعف والفرص والقيود داخل هذه المزارع لتصميم السياسات وتحديد الاستراتيجيات لتحسين هذه النظم الزراعية لأنه في ظل نظام تربية الماشية التقليدي المختلط، وهو نظام تربية الماشية الرئيسي في مصرولذلك، فإن أعداد الجاموس ومساهمتها في الحليب واللحوم الحمراء في السوق المحلي المصري تنخفض سنة بعد سنة مقارنة بالأبقار المتخصصة في إنتاج الألبان.
و عند الحديث عن انتاج اللبن فهناك عوامل كثيرة تؤثر علي كمية انتاج اللبن منها الجينات الوراثية وطبيعة العلف و مكوناته و لكن يبلغ الحد الأدنى إلي 3-4 كجم في اليوم أما الحد الأعلي فقد سجل الجاموس الإيطالي الرقم الأعلي في مصر ليصل إلي 15 كجم بينما وصل الانتاج في سلالة (الجافارآبدي) التي تستوطن البرازيل و دول اخرى بأمريكا الجنوبية لتصل إلي 18 كجم يوميا و يدخل ايضا في مضمار الانتاج الأعلي سلالات (المورا) و (النيلي رافي) الهندية.
إذا أولوية الاهتمام باستيراد بعض السلالات عالية الانتاج سواء من اللحم واللبن من الهند و باكستان و البرازيل أصبح من الضرورات الملحة لتحسين الصفات الوراثية الانتاجية للجاموس المصري و زيادة رقعة التلقيح الاصطناعي لتلك السلالات كما هو موضح بالجدول مع الحرص دوما علي المعايير الصحية و الاشتراطات الوقائية بما يتناسب مع الخريطة الوبائية لكل منطقة.
الترتيب العالمي لإنتاج حليب الجاموس
ومن ناحية الترتيب العالمي لأكبر منتجي حليب الجاموس في العالم (الهند، باكستان،الصين، مصر، نيبال، إيطاليا، ميانمار، إيران، كولومبيا، والبرازيل) مسؤولة عن 97.59% من الإنتاج العالمي.
وقد وضح جليا لكل الباحثين أن الجاموس كسلالة نفتقد الكثير من المعلومات عن سلوكياته المعيشية التي تؤثر سلبا أو إيجابا علي انتاجه رغم وجوده في اكثر من 77 دوله علي مستوى العالم بسلالات مختلفة تصل غلى 123 سلالة 90 سلالة منها فقط في آسيا .
لذا وجب علي كل الباحثين و الحكومات بتسليط الضوء علي هذا الحيوان وهو الجاموس لتكثيف الدراسات البحثية كمصدر أساسي للبروتين الحيواني و اللبان و منتجاته و دراسة سلوكة الانتاجي و أيضا سلوكه المرضي لإصابته بالأمراض المختلفة مثل الأبقار تمام و لكن تزداد شراسة بعض الأمراض في الجاموس عن البقر و العكس صحيح تزداد مقاومته لبعض الأمراض عن الأبقار وهذا محور الحديث في الحوارات المقبلة.