د محمد عبدالرازق يكتب: البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية خطر يهدد الاستدامة
باحث بكتريولوجي –معهد بحوث الصحة الحيوانية فرع المنصورة
إن مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية تُعَدّ واحدة من أهم التهديدات التي تواجه الصحة العالمية والأمن الغذائي والتنمية. حيث إنها تُسبّب الضرر العام لأي فرد في المجتمع، كما أنها تُعيق التنمية في الثروة الحيوانية، حيث تُؤدي إلى أضرار اقتصادية فادحة من خلال نقص الإنتاج وفقدان القطعان وتدهور صحة الحيوانات.
على الرغم من أن مقاومة المضادات الحيوية تحدث بشكل طبيعي، إلا أن سوء استخدامها في علاج البشر والحيوانات يُسرّع عملية تطورها. يصبح علاج الالتهابات المعقدة، مثل التهاب الرئة والسل والتهاب الضرع، أكثر صعوبة بسبب انخفاض فعالية المضادات الحيوية التي كانت تُستخدم عادة لعلاجها. وبالتالي، تُؤدي مقاومة المضادات الحيوية إلى ارتفاع التكاليف الطبية وزيادة معدل الوفيات في الإنسان والنفوق في الحيوان.
ما معني مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية؟
تقوم البكتيريا بالتغير والتطور بشكل مستمر للحفاظ على بقائها، وتبدأ في التحور بدرجة كبيرة لتقاوم العلاج الطبي، حيث لم تعد المضادات الحيوية التي تُستخدم عادة للوقاية منها أو قتلها تجدي نفعاً.
لكن ما الذي جعل استخدام المضادات الحيوية مشكلة تتفاقم يوماً بعد يوم؟
المشكلة لها وجهان:
- الوجه الأول: غالباً ما يتمّ بيع المضادات الحيوية في الصيدليات دون الحاجة إلى وصفة طبيب فيعمد الناس إلى وصف الأدوية لأنفسهم، كما أنّ بعض الأطباء يصفون المضادات الحيوية حتى عندما لا يحتاجها جسم المريض، أو يصفون النوع الخاطئ منها حسب المعتقدات الشائعة. تؤدي هذه الممارسات إلى مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية فتصبح الأدوية غير فعّالة.
- الوجه الثاني: وهو الوجه الأكثر ظُلمة وهو انتقال البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية من خلال الغذاء وخاصة الغذاء ذو الأصل الحيواني. يُعَد الغذاء ذو الأصل الحيواني من المصادر الغذائية الهامة والمفضلة لدى الكثيرين.
- ومع ذلك، يمكن أن يكون مصدرًا للبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، مما يُشكل تحديًا كبيرًا للصحة العامة.
- يُستخدم المضادات الحيوية على نطاق واسع في تربية الحيوانات لأغراض مثل الوقاية من الأمراض وتعزيز نمو الحيوانات. ومع ذلك، فإن استخدام المضادات الحيوية بكميات كبيرة ومستمرة يمكن أن يؤدي إلى تطوير البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية في جسم الحيوانات.
- وعند استهلاك لحوم هذه الحيوانات أو منتجاتها، يُمكن للبكتيريا المقاومة أن تنتقل إلى الإنسان. وهناك مشكلة أخرى متعلقة بتداول الطعام وهو التجهيز والتعامل غير السليم مع اللحوم والمنتجات الحيوانية، حيث يُمكن أن يحدث تلوث اللحوم والمنتجات الحيوانية بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية نتيجة لسوء النظافة في المزارع أو أثناء عمليات التعبئة والتغليف والتوزيع.
آلية مقاومة البكتيريا للمضادات الحيوية
تزداد قدرة بعض البكتيريا الممرضة على الدفاع عن نفسها ضد المضادات الحيوية، نتيجةً لتحورات الحمض النووي فيها أو اكتساب الجينات المقاومة للمضادات من بكتيريا أخرى، مما يجعل المضادات الحيوية المتوفرة والمصممة لقتل هذه البكتيريا غير فعّالة في علاج العدوى، مما يسمح للبكتيريا بالانتشار والتكاثر بسرعة مما يؤدي إلى زيادة عدد البكتيريا التي لا تتأثر بالمضاد الحيوي.
تم تصميم المضادات الحيوية لمحاربة البكتيريا عن طريق استهداف أجزاء معينة من بنية البكتيريا. ومع مرور الوقت،
يمكن للبكتيريا أن تهزم المضادات الحيوية بالطرق التالية:
- تغيير الجدار الخارجي للغلاف البكتيري بحيث لا يستطيع المضاد الحيوي أن يرتبط بالبكتيريا المراد قتلها.
- إبطال فعالية المضاد الحيوي عن طريق تغييره بحيث يصبح محايدًا، كإنتاج إنزيمات لتعطيل المضاد الحيوي.
- إخراج المضاد الحيوي خارج البكتيريا قبل أن يصل إلى هدفه ويبدأ بالعمل.
تكمن خطورة هذا النوع من البكتيريا في قدرته على اكساب بكتيريا أخرى الجينات المقاومة للمضادات الحيوية، عبر تبادل أجزاء من الحمض النووي بينها بسهولة. ونتيجة لذلك، قد يؤدي استخدام أي مضاد حيوي لعلاج عدوى بكتيرية معينة إلى جعل أنواع أخرى من البكتيريا مقاومة لهذا المضاد الحيوي، بالإضافة إلى أنواع أخرى من المضادات الحيوية.
تعرض مقاومة المضادات الحيوية إنجازات الطب الحديث للخطر، وتجعل العمليات الجراحية العادية أكثر خطورة بدون مضادات حيوية فعّالة للوقاية من العدوى وعلاجها. وعلى الرغم من تطوير بعض المضادات الحيوية الجديدة، إلا أنه لا يُتوقع أن يكون أي منها فعّالاً ضد أخطر أشكال البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. فيما يتعلق بالمزارعين والعاملين في قطاع تربية الحيوانات وصناعة الأغذية، يؤثر فقدان فعالية العوامل المضادة للميكروبات المطلوبة لمعالجة الحيوانات المريضة في الإنتاج الغذائي وسبل معيشة الأسر. كما يتعرض العاملون في مجال تربية الحيوانات والطيور لخطر آخر أثناء تعاملهم مع الحيوانات التي تحمل بكتيريا مقاومة للأدوية.
التدابير الوقائية للحد من إنتشار البكتيريا
من أجل الحد من انتشار البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية من خلال الغذاء ذو الأصل الحيواني، يمكن اتخاذ بعض التدابير الوقائية:
- التأكد من شراء اللحوم والمنتجات الحيوانية من مصادر موثوقة وتحت رقابة صحية جيدة.
- التأكد من تجهيز وطهي اللحوم والمنتجات الحيوانية بشكل صحي، عبر غسلها جيدًا وطهيها على درجة حرارة كافية لقتل البكتيريا المحتملة.
- تشجيع استخدام المضادات الحيوية بشكل مسؤول في صناعة تربية الحيوانات، مع التركيز على الوقاية والرعاية الصحية الجيدة للحيوانات.
- تعزيز الوعي والتثقيف بين مربي الحيوانات حول استخدام المضادات الحيوية بشكل سليم وأثرها على مقاومة البكتيريا.
بالإضافة إلى الإجراءات المتعلقة بالغذاء ذو الأصل الحيواني، هناك عدد من التدابير الأخرى التي يمكن اتخاذها للحد من انتشار البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية:
- استخدام المضادات الحيوية بشكل مسؤول: يجب استخدام المضادات الحيوية فقط عند الضرورة وباستشارة الأطباء المختصين، يجب اتباع التعليمات الصحية الصادرة والجرعات المحددة ومدة العلاج الموصي بها، عدم استخدام المضادات الحيوية بشكل زائد أو غير ملائم يقلل من فرصة تطوير المقاومة البكتيرية.
- تعزيز النظافة الشخصية والصحية: يجب غسل اليدين جيدًا بالماء والصابون قبل وبعد التعامل مع الطعام النيئ وبعد استخدام الحمام. كما يجب الحفاظ على سلامة الأطعمة من خلال التخزين السليم والتجهيز النظيف والطهي الجيد.
- تعزيز الوعي الصحي: يجب تعزيز الوعي بين الجمهور والمجتمع بشأن المشكلة المتعلقة بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية. يمكن تحقيق ذلك من خلال حملات توعية وتثقيف الناس بشأن الاستخدام السليم للمضادات الحيوية وخطورة المقاومة البكتيرية.
- تعزيز بحوث المضادات الحيوية البديلة: يجب دعم البحوث والتطوير في مجال العلاجات البديلة للمضادات الحيوية، مثل العلاجات الطبيعية والعلاجات المستندة إلى المناعة. قد تكون هذه العلاجات بديلاً فعالًا للمضادات الحيوية التقليدية وتقلل من الاعتماد الزائد عليها، مثل استخدام البروبيوتك.
- تعزيز برامج مراقبة المقاومة البكتيرية: يجب إنشاء برامج مراقبة فعالة لمراقبة المقاومة البكتيرية وتتبع انتشارها. يمكن من خلال هذه البرامج تحديد السلالات المقاومة والتحكم في انتشارها وتوجيه الجهود للحد منها.
- تعزيز التعاون الدولي: يجب تعزيز التعاون والتنسيق بين الدول والمنظمات الدولية لمكافحة المقاومة البكتيرية، يمكن تبادل المعلومات والخبرات والممارسات الجيدة والتعاون فيما بينها للحد من انتشار البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية.
- تطوير اللقاحات: يجب دعم البحث والتطوير لتطوير لقاحات فعالة ضد البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، اللقاحات يمكن أن تساهم في منع العدوى بشكل عام وتقليل الحاجة إلى استخدام المضادات الحيوية.
- تحسين إدارة المخلفات الطبية: يجب التأكد من التخلص الصحيح من المخلفات الطبية الملوثة بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، يجب معالجة وتخزين هذه المخلفات بشكل صحيح لمنع انتشار البكتيريا إلى البيئة.
- دعم الأبحاث العلمية: يجب توجيه الدعم والتمويل للأبحاث العلمية المتعلقة بالبكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية، يمكن أن تساهم الأبحاث في فهم أفضل لميكانيكيات المقاومة وتطوير استراتيجيات جديدة للتصدي لها.
- التعاون مع قطاعات أخرى: يجب تعزيز التعاون بين القطاعات المختلفة مثل الصحة العامة والزراعة والبيئة للتصدي لمشكلة المقاومة البكتيرية. يجب تبادل المعلومات والخبرات وتنسيق الجهود لتحقيق نتائج أفضل.