الأخبارالاقتصادالانتاجانتاج حيواني وداجني

د أمل بدران تكتب: إنتاج دواجن التسمين في ظل التغيرات المناخية

استاذ مساعد فسيولوجي الدواجن-معهد بحوث الانتاج الحيواني-مركز البحوث الزراعية – مصر

يواجه العالم في الوقت الراهن العديد من التحديات، ومن أبرزها التغيرات المناخية التي تؤثر بشكل كبير على مختلف المجالات، بما في ذلك الزراعة وإنتاج الغذاء. ومع زيادة الاعتماد العالمي على لحوم الدواجن كمصدر للبروتين الحيواني، أصبح من الضروري فهم تأثيرات تغير المناخ على إنتاج دجاج اللحم، وكيفية التكيف مع هذه التحديات لضمان استدامة الإنتاج الغذائي.

إنتاج دجاج اللحم يعد مصدرًا رئيسيًا لتلبية الطلب المتزايد على البروتين الحيواني، حيث يتميز بكونه أقل تكلفة وأسرع إنتاجًا مقارنة بغيره من الحيوانات. لكن التغيرات المناخية، مثل ارتفاع درجات الحرارة، التغيرات في أنماط سقوط الأمطار، الجفاف، والظواهر الجوية القاسية، أصبحت تشكل تهديدًا كبيرًا على إنتاج الدواجن حول العالم. لذا، يجب تسليط الضوء على التحديات والفرص التي تواجه هذا القطاع، مع استعراض استراتيجيات التكيف والتخفيف لضمان استدامة إنتاج دجاج اللحم.

التطورات العالمية في إنتاج دواجن التسمين

شهدت صناعة دجاج اللحم تطورًا كبيرًا خلال العقود الماضية، وأصبحت من أكثر القطاعات الزراعية نموًا على مستوى العالم. في عام 2021، كانت الولايات المتحدة، الصين، والبرازيل من بين أكبر الدول المنتجة للحوم الدواجن. وتشير البيانات إلى أن الإنتاج العالمي من دجاج اللحم بلغ حوالي 121.5 مليون طن، ( وفقا لتقاريرFAO  (بزيادة نسبتها 107% بين عامي 2000 و2021.

هذا النمو الملحوظ في إنتاج دجاج اللحم يُعزى إلى عدة عوامل، منها زيادة الطلب على البروتين الحيواني، ودورة الإنتاج السريعة للدواجن، بالإضافة إلى الكفاءة العالية في تحويل العلف إلى لحم. كما أن لحوم الدواجن تتميز بتكلفتها المنخفضة مقارنة بأنواع اللحوم الأخرى، مما يجعلها خيارًا مفضلًا للمستهلكين في مختلف دول العالم.

إلى جانب ذلك، شهدت إفريقيا نموًا كبيرًا في إنتاج الدواجن، حيث ارتفعت نسبة الإنتاج في القارة بنسبة 161% خلال الفترة من 2000 إلى 2021. هذا النمو يعكس الإمكانات الكبيرة لتطوير صناعة الدواجن في إفريقيا، خاصة في ظل تزايد الطلب على الغذاء نتيجة لزيادة عدد السكان وتحسن الظروف الاقتصادية.

البصمة الكربونية لإنتاج دواجن التسمين

على الرغم من أن صناعة دجاج اللحم تعتبر أقل تأثيرًا على البيئة مقارنة بأنظمة إنتاج اللحوم الأخرى مثل الأبقار والأغنام، إلا أن لها تأثيرًا كبيرًا من حيث انبعاثات الغازات الدفيئة. تعرف البصمة الكربونية بأنها إجمالي كمية الغازات الدفيئة التي تنتج عن نشاط بشري معين، وتُقاس بالكيلوجرامات المكافئة لثاني أكسيد الكربون لكل وحدة من الإنتاج.

أظهرت الدراسات أن لحوم الدواجن تساهم بـ 9.87 كجم من مكافئ ثاني أكسيد الكربون لكل كيلوجرام من اللحم، وهو مستوى أقل من تلك الناتجة عن إنتاج لحوم الأبقار ولحوم الضأن والخنازير. وبالرغم من ذلك، فإن الدواجن تسهم بنسبة 8% من إجمالي الانبعاثات الناتجة عن الإنتاج الحيواني.

يمثل إنتاج العلف المصدر الرئيسي للانبعاثات الكربونية في صناعة الدواجن، حيث يسهم بحوالي 78% من إجمالي الانبعاثات الناتجة عن إنتاج دجاج اللحم. تشمل هذه الانبعاثات استخدام الأراضي لإنتاج العلف، استخدام الأسمدة، والنقل. تلي ذلك انبعاثات الطاقة المستخدمة في المزارع والتي تسهم بنسبة 8%، ثم الانبعاثات الناتجة عن معالجة اللحوم وتخزينها بعد المزرعة بنسبة 7%، وأخيرًا معالجة الزرق بنسبة 6%

لتقليل البصمة الكربونية لإنتاج دجاج اللحم، يمكن اتخاذ عدة خطوات، من بينها تحسين كفاءة تحويل العلف إلى لحم، واستخدام مكونات علف مستدامة مثل البروتين الحشري أو الطحالب، واستخدام مصادر الطاقة المتجددة في المزارع مثل الطاقة الشمسية أو الرياح. كذلك، يمكن تحسين كفاءة استخدام المياه في المزارع، وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.

تأثير تغير المناخ على إنتاج دواجن التسمين

التغيرات المناخية تؤثر بشكل مباشر على إنتاج دجاج اللحم من خلال عدة جوانب، أبرزها ارتفاع درجات الحرارة، نقص المياه، وتكرار الظواهر الجوية القاسية. هذه التأثيرات تؤدي إلى تدهور الظروف البيئية التي تعتمد عليها الدواجن، مما ينعكس على صحة وإنتاجية الطيور.

التنظيم الحراري والإجهاد الحراري وصناعة الدواجن

يعد الإجهاد الحراري من أكبر التحديات التي تواجه صناعة الدواجن في ظل تغير المناخ. الدواجن حساسة جدًا لدرجات الحرارة المرتفعة، حيث تعتمد على البيئة المحيطة للتخلص من الحرارة الناتجة عن عمليات التمثيل الغذائي. عندما ترتفع درجات الحرارة المحيطة فوق 25 درجة مئوية، يبدأ الدجاج في الشعور بالإجهاد الحراري، مما يؤدي إلى تقليل استهلاك العلف وتراجع في النمو والإنتاجية.

يؤثر الإجهاد الحراري على الجهاز العصبي والغدد الصماء في الدواجن، مما يؤدي إلى زيادة مستويات هرمون الكورتيكوستيرون في الدم، وهو ما ينعكس سلبًا على وظائف الجهاز المناعي، وبالتالي زيادة تعرض الطيور للأمراض.

ندرة المياه وتسمين الدواجن

المياه عنصر أساسي في إنتاج دجاج اللحم، حيث تحتاج الطيور إلى كميات كبيرة من الماء للقيام بعملياتها الفسيولوجية بشكل طبيعي. مع تغير المناخ، أصبحت المياه موردًا نادرًا في العديد من المناطق، مما يؤثر على توافرها في مزارع الدواجن. يؤدي نقص المياه إلى تدهور صحة الدجاج وانخفاض إنتاجيته، حيث يتسبب في تقليل استهلاك العلف وضعف عملية الهضم وامتصاص العناصر الغذائية.

إضافة إلى ذلك، يمكن أن تؤدي التغيرات المناخية إلى تلوث مصادر المياه، مما يزيد من مخاطر الأمراض المنقولة عن طريق المياه. لذلك، من الضروري تطوير استراتيجيات فعالة لإدارة المياه في مزارع الدواجن، مثل إعادة تدوير المياه وتحسين كفاءة استخدامها.

الظواهر الجوية العنيفة وصناعة الدواجن

زيادة تكرار وشدة الظواهر الجوية القاسية مثل الأعاصير، العواصف، والجفاف الشديد، تعد من أبرز التحديات التي يفرضها تغير المناخ على صناعة الدواجن. هذه الظواهر تؤثر بشكل مباشر على البنية التحتية للمزارع، وتؤدي إلى تدمير مساكن الدواجن، وتعطل إمدادات الطاقة والمياه، مما يعيق عمليات الإنتاج ويزيد من تكاليف الصيانة.

كما أن العواصف الشديدة قد تؤدي إلى اضطرابات في سلاسل التوريد، بما في ذلك نقص في الأعلاف، مما يؤثر على تغذية الدواجن وصحتها. بالإضافة إلى ذلك، فإن الفيضانات والجفاف قد يؤديان إلى تغييرات كبيرة في نوعية وكمية المحاصيل المستخدمة كعلف للدواجن.

استراتيجيات التكيف لتحقيق إنتاج مستدام في إنتاج الدواجن

لتقليل تأثيرات التغيرات المناخية على صناعة الدواجن وضمان استدامة الإنتاج، يجب تبني استراتيجيات تكيف شاملة تشمل التحسينات البيئية، الغذائية، والجينية، بالإضافة إلى تحسين الرعاية داخل المزارع.

استراتيجيات بيئية وصناعة الدواجن

تعتبر أنظمة الإسكان من أهم العوامل التي تؤثر على راحة الدواجن وأدائها في ظل التغيرات المناخية. يجب تصميم مساكن الدواجن بحيث توفر تهوية جيدة وتقلل من تراكم الحرارة داخل الحظائر. يمكن تحقيق ذلك من خلال تحسين نظم التهوية واستخدام تقنيات التبريد بالتبخر.

كذلك، يمكن استخدام مواد عاكسة للحرارة في بناء مساكن الدواجن للحد من امتصاص الحرارة. إضافة إلى ذلك، يمكن زراعة الأشجار حول المزارع لتوفير ظل طبيعي وتقليل درجة الحرارة داخل المساكن.

استراتيجيات غذائية

تعد التغذية من العوامل الرئيسية التي تؤثر على كفاءة الإنتاج في ظل التغيرات المناخية. تحسين جودة العلف واستخدام مكونات مستدامة يمكن أن يساعد في تقليل تكلفة العلف وتقليل التأثير البيئي لإنتاج الدواجن. من بين هذه المكونات، البروتين الحشري، الطحالب، والمنتجات الثانوية الزراعية التي يمكن أن تستخدم في تغذية الدواجن.

أيضًا، يمكن تحسين كفاءة تحويل العلف من خلال تعديل الأنظمة الغذائية وفقًا لاحتياجات الطيور في كل مرحلة من مراحل النمو. ويساعد ذلك في تقليل الفاقد من العناصر الغذائية وتحسين كفاءة استخدام العلف.

استراتيجيات جينية

يلعب الانتقاء الجيني دورًا كبيرًا في تحسين قدرة الدواجن على التكيف مع التغيرات المناخية. يمكن اختيار سلالات دجاج ذات قدرة أفضل على تحمل درجات الحرارة المرتفعة، مما يقلل من تأثير الإجهاد الحراري على الإنتاجية. من بين الجينات المستخدمة لتحسين التكيف مع الحرارة، جين الرقبة العارية وجين الريش المجعد، اللذان يساعدان الطيور على التخلص من الحرارة بشكل أفضل.

إضافة إلى ذلك، يمكن تطوير سلالات جديدة مقاومة للأمراض، مما يقلل من الحاجة إلى استخدام الأدوية والمضادات الحيوية في المزارع، وبالتالي تحسين جودة الإنتاج وتقليل تأثيره البيئي.

استراتيجيات تعتمد علي الرعاية

تشمل استراتيجيات الرعاية تحسين نظم التبريد في المزارع واستخدام أنظمة التبخير لتقليل الإجهاد الحراري. كما يمكن توفير مناطق مظللة داخل الحظائر لحماية الطيور من أشعة الشمس المباشرة.

التعامل مع مخلفات الدواجن (الزرق) بشكل فعال تساهم أيضًا في تحسين جودة الهواء داخل المزارع، حيث أن تراكم الزرق يمكن أن يؤدي إلى انبعاث الأمونيا التي تضر بصحة الطيور. لذا، يجب إزالة المخلفات بانتظام وتدويرها بطرق صديقة للبيئة.

الأطر السياسية والتوجهات المستقبلية

لتحقيق استدامة إنتاج دجاج اللحم في ظل التغيرات المناخية، يجب أن تتبنى الحكومات سياسات داعمة للتكيف مع المناخ. يمكن للحكومات توفير حوافز مالية للمزارعين الذين يعتمدون على مصادر الطاقة المتجددة أو يستخدمون تقنيات تقلل من استهلاك المياه والعلف.

إضافة إلى ذلك، يمكن تطوير نظم لقياس البصمة الكربونية للمزارع وتشجيع المزارعين على تحسين ممارساتهم البيئية. كما يمكن للحكومات دعم البحث العلمي والابتكار في مجال تطوير سلالات جديدة وتقنيات إنتاج أكثر استدامة.

البحث العلمي والخدمات الإرشادية في صناعة الدواجن

البحث العلمي يلعب دورًا رئيسيًا في تطوير حلول مستدامة لصناعة الدواجن في ظل التغيرات المناخية. من خلال دعم الأبحاث التي تركز على تحسين كفاءة الإنتاج وتطوير سلالات مقاومة للحرارة، يمكن تعزيز قدرة المزارعين على التكيف مع الظروف المناخية المتغيرة.

الخدمات الإرشادية أيضًا تلعب دورًا مهمًا في نقل المعرفة والتكنولوجيا إلى المزارعين. من خلال توفير التدريب والمشورة الفنية، يمكن للمزارعين تحسين ممارساتهم وإدارة مزارعهم بشكل أكثر كفاءة.

التوجهات المستقبلية لصناعة الدواجن

مع استمرار تغير المناخ، يصبح من الضروري تطوير سلالات دجاج جديدة قادرة على التكيف مع البيئات الحارة والجافة. كما يجب تحسين تقنيات إنتاج الأعلاف الذكية مناخيًا التي تتطلب موارد أقل وتقلل من الانبعاثات الكربونية.

التكنولوجيا ستلعب دورًا كبيرًا في المستقبل، حيث يمكن استخدام أنظمة إدارة متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي لمراقبة الظروف البيئية في المزارع وتحسين كفاءة الإنتاج.

تواجه صناعة دجاج اللحم تحديات كبيرة في ظل التغيرات المناخية، لكن من خلال تبني استراتيجيات تكيف مستدامة، يمكن تحقيق استدامة هذا القطاع. الابتكار في التغذية، التربية، والإدارة سيكون له دور حاسم في الحفاظ على الإنتاجية وتقليل التأثيرات البيئية.

المراجع

  • Eisen, M. B., & Brown, P. O. (2021). Eliminating animal agriculture would negate 56 percent of anthropogenic greenhouse gas emissions through 2100. bioRxiv
  • MacLeod, M., Hasan, M. R., Robb, D. H., & Mamun-Ur-Rashid, M. (2019). Quantifying and mitigating greenhouse gas emissions from global aquaculture. Food and Agriculture Organization of the United Nations.
  • Poore, J., & Nemecek, T. (2018). Reducing food’s environmental impacts through producers and consumers. Science, 360, 987–992. https://doi. org/10.1126/science.aaq0216
  • Mottet, A., & Tempio, G. (2017). Global poultry production: Current state

and future outlook and challenges. World’s Poultry Science Journal, 73(2),245–256

  • Hirakawa, R., Nurjanah, S., Furukawa, K., Murai, A., Kikusato, M., Nochi, T., &Toyomizu, M. (2020). Heat stress causes immune abnormalities via massive damage to effect proliferation and differentiation of lymphocytes in

broiler chickens. Frontiers in Veterinary Science, 7, 46

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى