كشف الدكتور سعيد عبداللا الخبير الدولي في مبيدات مكافحة الآفات عن تفاصيل تعرض محافظات الدلتا لهجوم كاسح من الفئران عقب عودة المهجرين من مدن وقري القناة وسيناء إلي الشرق وقراهم الأصلية وذلك بسبب تحول هذه القري والشقق والمساكن البديلة إلي مناطق مهجورة وبيوت أشباح عقب عودتهم وتحولت هذه المناطق إلي مركز لإيواء الفئران ثم ممرا للهجوم علي سكان الدلتا.
وقال الخبير الدولي في مبيدات مكافحة الآفات ، إنه في اليوم العاشر من يونيو 1967 كانت خريطة تموضع القوات الاسرائيلية علي إمتداد الضفة الشرقية لقناة السويس، بينما القوات المصريه تصطف على طول الضفة الغربية للقناة، ومع إغراق المدمرة الإسرائيلية “إيلات ” قبالة سواحل بورسعيد ، قامت إسرائيل بقصف مدفعي شديد على الزيتية في السويس و باقي مدن القناة، موضحا أن نكسة حرب 67 تسببت في تهجير أهالي مدن القناة وإنتصارات أكتوبر حلوت أماكن الإيواء إلي بيوت للفئران إستغرقت أعمال السيطرة عليها 10 سنوات بقرار من الدكتور يوسف والي وزير الزراعة الأسبق.
التهجير وراء حرب الفئران
وأضاف «عبداللا»، :«صدر قرار بتهجير من بقي في مدن بورسعيد و الإسماعيلية و السويس الى الداخل المصري، وإستمرت فترة التهجير اكتر من عشر سنوات مع تهجير السكان و تحول مدن القناة إلي مناطق مهجورة من السكان تكاثرت الفئران و توحشت هذه الفئران بعد انتصار اكتوبر ١٩٧٣ و بداية عودة اهالي القناة الى مدنهم خرجت الفيران من بيوت و جحور المدن وبالطبع لم تعبر القناة إلى الشرق بل خرجت في جحافل الى محافظات الدلتا و القاهرة ووصلت محافظات الصعيد .
وأوضح الخبير الدولي في مبيدات مكافحة الآفات، إن مشهد أسراب الفئران وهي تجري على الطرق في الصباح الباكر من المناظر المرعبة وتهاجم المحاصيل الزراعية وتغذي على كيزان الذرة وحتى لوز القطن كانت تهاجمه الفئران بحثا عن بذرة القطن الزيتية.
وأشار «عبداللا»، إلي مواصلة تكاثر الفئران وهجومها علي محافظات الدلتا والصعيد لمدة 10 سنوات إمتدت حتي منتصف الثمانينيات حيث وصفها الخبراء بأنها كانت «فترة كارثية» لإنتشار الفئران في مصر والتي لم تكن وقتها تمتلك العدد الكافي من الكوادر المؤهلة لمكافحة هذه الآفة الخطيره وكذلك المركبات الكيماوية المتخصصة. كانت معظم الجهود تعتمد علي طعوم مبيد فوسفيد الزنك الفائق السمية لقتل الفيران و لكن هذه الطريقة لا تجدي نفعاً مع الاعداد الضخمة من الفئران.
ونبه الخبير الدولي في مكافحة الآفات إنه لأول مرة تبدأ وزارة الزراعة بالتفكير في تأهيل كوادر متخصصة وتوفير المبيدات المضادة للتجلط Anticoagulant مثل مركبات الوارفارين و ما تلاها من مضادات التجلط الحديثة، حيث أبدت رغبتها في مشاركة الشركات الاجنبية ذات الخبرة وتمتلك المركبات اللازمة للتصدي لهذه المشكلة الكبيرة.
الشركات العالمية تعرض المشاركة في حرب الفئران
وأضاف «عبداللا»، إن وكيل الوزارة المختص أو رئيس الإدارة المركزية لمكافحة الآفات هو الدكتور عبداللطيف عيسى الذي عقد اجتماع مع ممثلي الشركات لإيجاد افضل الحلول ضم الاجتماع شركه فرنسيه وشركة باير الدولية ويمثلها المهندس لوقا بطرس ومعه الدكتور جلال عيسى وشركة ICI الإنجليزية ويمثلها المهندس حامد الشيتي ومعه المهندس خليل عبدالعظيم.
ووفقا للخبير الدولي في مكافحة الآفات، أبدى الدكتور عبداللطيف عيسى ومعه الدكتور مصطفى الحلفاوي رئيس قسم بحوث القوارض والحيوانات الضارة في معهد وقاية النباتات رغبتهم في الاستماع الى حلول غير تقليدية لمجابهة المشكلة بعيداً عن الانتظار لطرح مناقصة وانتظار البت فيها ووصول المركبات ونشرها بالمحافظات في عدم توفر كوادر فنية من المهندسين والعمالة لتنفيذ اعمال المكافحة.
وأوضح «عبداللا»، إن الحكومة إستمعت إلي أحد المقترحات التي نجحت في تغيير نظم مكافحة القوارض أو الفئران في ذلك من خلال بحث المقترح الذي تقدم به المهندس حامد الشيتي بأن تكلّف الوزارة كل شركة بعدد من المحافظات وتتولى الشركه توفير المركب اللازم وتنفيذ عمليات المكافحة بمعرفتها وتدريب الكوادر البشرية المطلوبة من المهندسين والعمالة الفنية.
مكافحة الفئران تصطدم بلوائح الحكومة
وأشار الخبير الدولي في مبيدات مكافحة الآفات والقوارض إنه وفقا لمقترحات «الشيتي» تقوم وزارة الزراعة ومديريات الزراعة بالمحافظات بالأشراف والمتابعة ويكون ذلك نظير تكلفة محددة بالجنيه للفدان المعالج وفق تقارير مديرية الزراعة ،موضحا أن الاقتراح يشمل معالجة المساحات الزراعية المصابة وجسور الترع والمصارف والقرى رغم تخوف «عيسى» من الفكرة التي تضرب بكل قواعد الشراء والتعاقد الحكومي عرض الحائط وإثارتها اللغط والمسائلة القانونية والشبهة.
ولفت «عبداللا»، إلي إن ترك الدكتور عيسى الاجتماع وذهب لعرض الأمر على الدكتور يوسف والي وزير الزراعة في ذلك الوقت الذي وافق على الفكره فوراً، وعاد «عيسى» للاجتماع مبشراً بموافقة الوزير والذي طلب أعداد مذكرة ليوقع عليها بالموافقة.
ووفقا لـ«عبداللا»، أضاف الدكتور عبداللطيف عيسى رئيس الإدارة المركزية لمكافحة الآفات الزراعية في ذلك الوقت قائلاً: «أحنا عندنا حريقه مولعه… نطفّيها الاول وبعدها يحاسبونا»…فعلا انطلقت قوافل المكافحة في كل ربوع مصر وكانت التقارير ترد يوميا عن المساحات المعالجة واعداد الفئران الميتة التي يتم جمعها ودفنها في حفر عميقة وتغطى بالجير الحي لقتل البراغيث الموجودة علي جسم الفئران الميتة حتى لا تنطلق وتنشر الطاعون اذا لم يتم التخلص منها.
وإستكمل الدكتور سعيد عبداللا الخبير الدولي في مبيدات مكافحة الآفات والقوارض بإنه في هذا التاريخ عرف الفلاحين مركبات راكومين والـ كاييد والـسوبر كاييد وتعلموا كيفية مقاومة الفئران بها.
مبيد الراكومين وخطة «الشيتي» وإرادة يوسف والي وانخفاض أعداد الفئران
وأوضح «عبداللا»، إنه بعد منتصف الثمانينيات لجأت وزارة الزراعة للشكل التقليدي لتوفير مبيدات القوارض وظهرت انواع اخرى من المبيدات وفي جلسة البت للمناقصة فوجئ الجميع بالمهندس حامد الشيتي ممثل شركة ICI العالمية يعرض كمية 2500 طن من مركب راكومين بسعر تنافسي للمركبات الأخرى ومع الكمية 2500 طن اخرى من نفس المادة هدية مجانية بدون قيمة ليقطع الطريق امام الشركات الاجنبية المنافسة لاستغلال الفرصة وتقديم اسعار مرتفعة.
وأشار الخبير الدولي في مبيدات مكافحة الآفات الزراعية إلي أن هذا السرد عرفاناً وتقديراً لأحد رجالات مصر الذين شاركته ببعض الجهد في حملات مكافحة القوارض والفئران وتعريفاً للاجيال الجديدة من رجال المكافحة برائد من الرواد عزّ وندر وجودهم وهو المهندس حامد الشيتي
ولفت «عبداللا»، إلي أن وزارة الزراعة وإدارات مكافحة الآفات، منحت المبيد مجاناً للمزارعين في ذلك الوقت ثم تطور الأمر بتولي الوزارة مكافحة الفئران على حواف الترع والمصارف فقط ويتم بيع المركبات في الجمعيات الزراعية للفلاحين الراغبين في القضاء على الفئران في بيوتهم أو أراضيهم الزراعية ، وازدادت اعداد الكوادر الفنية المؤهلة في معهد بحوث وقاية النباتات وانشئت الادارة العامة لمكافحة القوارض كجهة فنية مسؤولة ضمن أجهزة مكافحة الآفات.