بيزنستقاريرزراعة

د محمد نجيب الهلالي يكتب: حقيقة الإصلاح في قطاع الدواجن في مصر بين طموحات المعلن وواقع التنفيذ

مدرس رعاية الدواجن- كلية الزراعة – جامعة القاهرة- مصر

قطاع الدواجن في مصر يمثل عصبا اقتصاديا حيويا، إذ يشكل مصدرا أساسيا للبروتين الحيواني للملايين، ويوفر فرص عمل مباشرة وغير مباشرة لقطاع واسع من المجتمع. ومع ذلك، يعاني هذا القطاع من أزمات متكررة، أعمقها تلك الفجوة بين ما يتم الإعلان عنه رسميًا من سياسات وحلول وبين الواقع الذي يعيشه المنتجون على الأرض الواقع.

2022 عام القطيعة بين منتجي الدواجن واسواق البيع

شهد عام 2022 واحدة من أكثر الأزمات حدة في تاريخ قطاع الدواجن في مصر، حيث كانت الأوضاع الاقتصادية والظروف المناخية من أبرز الأسباب التي ساهمت في هذه الأزمة. تصدرت المشهد عمليات إعدام الكتاكيت والقطعان بسبب نقص الأعلاف وارتفاع أسعارها بشكل غير مسبوق. هذا الوضع، الذي فشلت الوعود الرسمية في معالجته، أدى إلى خروج العديد من المنتجين من السوق، بينما أغلق البعض الآخر مزارعهم بشكل كامل أو نقلوا استثماراتهم إلى دول مجاورة بحثًا عن بيئة استثمارية أكثر استقرارا وشفافية.

الأزمة أدت أيضا إلى فتح باب استيراد المنتجات الداجنة بعد أن كان القطاع قد حقق الاكتفاء الذاتي منها. ومع تزايد الاستيراد، ظهرت مخاوف من احتمالية جلب أمراض وبائية قد تؤثر سلبا على الإنتاج المحلي، وهو ما يزيد من تعقيد الوضع القائم ويضاعف التحديات التي يواجها القطاع. هذه التحولات تهدد استدامة القطاع المحلي وتؤثر بشكل مباشر على القدرة التنافسية للإنتاج المحلي في مواجهة الواردات الأجنبية.

ممارسات تهدد الاستمرارية في صناعة الدواجن

  • السماسرة والسيطرة الخفية على السوق: يلعب السماسرة دورا محوريا في خفض الأسعار إلى ما دون التكلفة الفعلية، ما يدفع المنتجين إلى خسائر فادحة. هذا الخلل يستمر بسبب غياب تنظيم فعال للسوق وحماية المنتجين.
  • ضغط الأسعار وسياسات الإنتاج: فرض أسعار تقل عن تكلفة الإنتاج يعيق العملية الإنتاجية ويثني المستثمرين عن التوسع أو العودة إلى السوق.
  • غياب الشفافية: القرارات والسياسات التي يتم الإعلان عنها في وسائل الإعلام غالبًا ما تختلف عما يتم تطبيقه فعليًا، ما أدى إلى أزمة ثقة بين المنتجين والجهات الرسمية.

إتحاد منتجي الدواجن …هل يمكن ان يكون جزء من الحل؟

رغم وجود اتحاد منتجي الدواجن، فإنه لم يتمكن حتى الآن من لعب دور حقيقي في مواجهة الأزمات والذي هو في الأصل من اساسيات انشاء الاتحاد. فتعقيدات البيروقراطية والخوف من تضارب المصالح مع أجهزة رقابية مثل جهاز حماية المنافسة ومنع الاحتكار، تعيق الاتحاد عن أداء دوره بفعالية وتجعل الكل يتحسس لمساعدة المنتجين او التواصل معهم واقتصر الامر على إطلاق مبادرات لمزيد تخفيضات الأسعار دون النظر لوضع الإنتاج وحال السوق من العرض والطلب.

مبادرات إيجابية تواجه تحديات صناعة الدواجن

في خطوة لافتة، قدم معالي وزير الزراعة واستصلاح الأراضي مبادرة لتقديم قروض ميسرة بفائدة 5% لدعم صغار المربين وتشجيعهم على العودة للإنتاج. ورغم أن هذه المبادرة تعتبر خطوة في الاتجاه الصحيح، فإنها تواجه عقبة أساسية: فقدان الثقة. يخشى المنتجون من أن تتحول هذه المبادرات إلى كابوس يزيد من دونهم وتكون الوعود معلنة بالعمل والمكاسب مختلفة بدون تنفيذ فعلي على الأرض الواقع فبدون ضمان لنجاح المنتج وتحفيزه بالعقود التعاقدية لبذل كل الجهد لأفضل انتاج لن يتحرك خطوة واحدة تجاه اي مبادرات والدخول مرة اخري في نفق مظلم.

ما المطلوب لإنقاذ قطاع الدواجن؟

لإنقاذ قطاع الدواجن وضمان استمراريته، يجب العمل على:

  1. العمل على تنسيق وتوفير مدخلات الإنتاج بالأخص الأعلاف بأسعار مناسبة، مع رقابة صارمة على سوق مدخلات الإنتاج والادوية البيطرية.
  2. ضمان الشفافية في السياسات والاقرارات الاقتصادية، بما يعزز الثقة بين المنتجين والجهات الرسمية وفتح جلسات واللقاءات الدورية مع المنتجين لاطلاعهم على التحديات ومشاركتهم طموحات المرة المقبلة.
  3. دعم صغار المنتجين عبر آليات تمويل مستدامة ومبسطة وتكون سياسة عامة للدولة حيث ان حتى وقتنا هذا تخشي اغلب الجهات التمويلية والبنوك في العمل مع القطاع الدواجني لكثرة التقلبات وعدم استقراره.
  4. مكافحة الممارسات الاحتكارية التي تمنح الهيمنة لجهات معينة وتضعف السوق والتوجه لإيجاد ضمانات تحفظ حق المنتج المتوسط والصغير في تسويق منتجه بأسعار عادلة تضمن هامش ربح مجزي له ويحفزه على الاستمرار في العمل بالقطاع.
  5. دعم اتحاد منتجي الدواجن في تنسيق السياسات التي تعزز التعاون بين المربين وذلك بالتنسيق الجيد بين المربين لتحفيزهم على الاستثمار في القطاع حيث يمكن ان يتم ذلك من خلال إشراك المربين في صنع القرار ووضع السياسات التي تخدم مصلحة الجميع.
  6. تحفيز العمل بعقود الزراعة التعاقدية يجب أن يكون للاتحاد دور أساسي في تحفيز تبني عقود الزراعة التعاقدية بين المربين والشركات الكبرى أو الموزعين حيث ان العقود التعاقدية تضمن للمربين استقرار الأسعار وتقليل المخاطر المرتبطة بالتقلبات السوقية. كما تعزز هذه العقود التعاون بين الأطراف المختلفة وتوفر ضمانات لحقوق المربين وتساعدهم على التخطيط طويل الأمد.

كلمة أخيرة تلخص المشهد في صناعة الدواجن

يبقى السؤال: هل يمكن لقطاع الدواجن أن يعود إلى سابق عهده كمحرك رئيسي للاقتصاد الزراعي المصري وإعادة مرة اخري جذب الكثير من الاستثمارات الأجنبية للسوق المصري وجلب عملة اجنبية بزيادات صادرات القطاع؟ الإجابة تكمن في إرادة الجهات المعنية للتغيير الجذري في آليات العمل، والانتقال من سياسة الإعلان إلى التنفيذ الواقعي. فالقطاع لا يحتمل المزيد من الأزمات، والمنتجون بحاجة إلى بيئة مستقرة تشجعهم على الإنتاج والتوسع، لضمان تحقيق الأمن الغذائي واستدامة هذا القطاع الحيوي.

 

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى