بحوث ومنظماتبيطري

د جميل زيدان يكتب: مفهوم الصحة الواحدة… مثلث صحة الإنسان والحيوان والبيئة

دكتوارة الفيروسات جامعة القاهرة – استاذ الفيروسات والامراض المعدية – المركزالقومى للبحوث – مصر

في عالمنا المعاصر الذي يشهد تزايدًا في الترابط بين مختلف جوانب الحياة، أصبح من الضروري إعادة النظر في كيفية مواجهة التحديات الصحية التي تهدد البشرية. يظهر مفهوم “الصحة الواحدة” كاستراتيجية متكاملة تركز على الترابط الوثيق بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة، مما يعزز فهمنا العميق للتفاعل المشترك بين هذه العوامل الثلاثة. تكمن أهمية هذا المفهوم في تقديم استجابة شاملة للتحديات الصحية المعقدة، مما يتطلب التعاون الفعّال بين مختلف القطاعات لتحقيق رفاهية مستدامة على مستوى العالم.

مفهوم “الصحة الواحدة”: تكامل بين الإنسان والحيوان والطبيعة

ما هو مفهوم الصحة الواحدة؟

“الصحة الواحدة” هي نهج يعترف بالترابط الوثيق بين صحة الإنسان وصحة الحيوان وصحة البيئة. وعلى الرغم من أن هذا المفهوم ليس جديدًا، إلا أنه أصبح أكثر أهمية في السنوات الأخيرة بسبب التغيرات التي طرأت على التفاعلات بين البشر والحيوانات والنباتات والبيئة. إن الزيادة في اعداد السكان والتوسع العمراني وزيادة التفاعل مع الحيوانات البرية والداجنة، إلى جانب التغيرات المناخية، قد زاد من خطر انتقال الأمراض.

ترابط الصحة الواحدة

أصبحت الكثافة السكانية البشرية تزداد، ويعيش المزيد من الناس بالقرب من الحيوانات البرية والداجنة، سواء كانت مواشي أو حيوانات أليفة، مما يزيد من تعرضهم للأمراض المنتقلة من الحيوانات.

بالإضافة إلى ذلك، أدى تدمير المواطن الطبيعية والممارسات الزراعية المكثفة إلى اضطراب الظروف البيئية، مما خلق فرصًا جديدة لانتقال الأمراض من الحيوانات إلى البشر.

كما أن الحركة السريعة للبشر والحيوانات عبر الحدود، نتيجة للسفر والتجارة الدولية، تساهم في انتشار الأمراض بسرعة عبر العالم. تُعتبر الأمراض الحيوانية المنشأ، التي يمكن أن تنتقل بين الحيوانات والبشر، من أهم القضايا التي يركز عليها نهج الصحة الواحدة.

تشمل هذه الأمراض مثل داء الكلب، السالمونيلا، والإيبولا، التي تشكل تهديدات صحية خطيرة لكل من الحيوانات والبشر.

تشير الدراسات إلى أن حوالي 60% من الأمراض المعدية التي تصيب الإنسان هي أمراض حيوانية المنشأ، أي أنها تنتقل من الحيوانات إلى البشر.

  • فيروس كورونا المستجد (COVID-19): انتقل من سوق الحيوانات البرية، مما يبرز المخاطر المحتملة المرتبطة بالتفاعل مع الحياة البرية وتدمير المواطن الطبيعية.
  • الإيبولا: ينتقل من الخفافيش إلى البشر عبر الاتصال المباشر.
  • السالمونيلا: تنتشر من خلال لحوم الدواجن وتسبب تسممًا غذائيًا عالميًا.
  • داء الكلب
  • West Nile virus infection – عدوى فيروس غرب النيل
  • Q Fever (Coxiella burnetii)   حمى القرم (كوكسييلا بيرنيتي)
  • Anthrax – الجمرة الخبيثة
  • Brucellosis – داء البروسيلات
  • Lyme disease – مرض لايم
  • Ringworm – السعفة

الربط بين صحة الانسان والحيوان والبيئة  

يشكل التدمير المتزايد للمواطن الطبيعية تهديدًا كبيرًا للبيئة وصحة الإنسان، حيث يؤدي إزالة الغابات إلى تقليص التنوع البيولوجي ودمج الحيوانات البرية في المناطق الحضرية، مما يزيد من فرص انتقال الأمراض بين الإنسان والحيوان.

كما أن التغيرات المناخية تساهم في نشر الأمراض المنقولة بواسطة الحشرات، مثل الملاريا وحمى الضنك، مما يزيد من تعقيد الوضع الصحي في بعض المناطق. و يعتبر الفهم المتكامل لهذه الديناميكيات بين البيئة والصحة العامة يسهم في تحسين استراتيجيات الوقاية من الأمراض والحفاظ على توازن النظام البيئي.

الأمراض الفيروسية المعدية: تهديد مشترك

تعتبر الأمراض الفيروسية مثل “الحمى القلاعية”، “مرض الجلد العقدي”، و”حمى الوادي المتصدع” من الأمراض الخطيرة التي تهدد صحة الإنسان والحيوان على حد سواء. تؤثر هذه الأمراض بشكل كبير على الإنتاج الحيواني وتسبب خسائر اقتصادية فادحة نتيجة لارتفاع معدلات الإصابة والوفيات، بالإضافة إلى صعوبة السيطرة على انتشارها بسبب نقص اللقاحات الفعالة أو الأدوية المضادة للفيروسات. وتسلط الضوء على ضرورة تطوير استراتيجيات صحية مشتركة بين الإنسان والحيوان للحد من انتشار هذه الأمراض.

إبراز دور التعليم والتوعية المجتمعية

في ظل التحديات التي تواجه تطبيق مفهوم “الصحة الواحدة”، من الضروري التأكيد على أهمية التوعية المجتمعية. يجب تخصيص جهود كبيرة لنشر الوعي بين أفراد المجتمع حول أهمية التكامل بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة، خاصة في المناطق الريفية التي قد تكون بعيدة عن هذه المفاهيم.

من خلال حملات توعية تستهدف نشر المعلومات حول الوقاية من الأمراض بين الإنسان والحيوان وتعليم الممارسات الصحية السليمة في التعامل مع الحيوانات، يمكن أن يصبح الناس في المناطق النائية جزءًا من الحل. كما يجب أن تشمل هذه الحملات التوعية بالتأثيرات السلبية للتغيرات البيئية على صحة الإنسان والحيوان.

فرص التعاون الدولي في مكافحة الأمراض المعدية

يمكن توسيع الحديث عن فرص التعاون الدولي من خلال استعراض أمثلة ناجحة للتعاون بين الدول في مكافحة الأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان. على سبيل المثال، يمكن الإشارة إلى التعاون بين منظمة الصحة العالمية (WHO) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO) لتطوير لقاحات مشتركة لأمراض مثل إنفلونزا الطيور، حيث يجتمع الخبراء من مختلف الدول لتطوير حلول منسقة لمكافحة هذه الأمراض عبر الحدود. كما يمكن ذكر التعاون بين الدول في إجراء أبحاث مشتركة لتبادل الخبرات والتقنيات الحديثة التي تسهم في تحسين مكافحة الأمراض العابرة للحدود.

التحديات المالية واللوجستية: حلول مبتكرة

يواجه تطبيق مفهوم “الصحة الواحدة” العديد من التحديات المالية واللوجستية، مثل نقص الموارد والتمويل في بعض الدول. للتغلب على هذه العقبات، يمكن تعزيز التعاون بين الحكومات والقطاع الخاص لتوفير التمويل اللازم للمبادرات الصحية والبحثية. كما يمكن تطوير شراكات دولية بين الحكومات والمنظمات غير الحكومية والشركات الكبرى لدعم المشاريع الصحية في المناطق التي تعاني من نقص الموارد. بالإضافة إلى ذلك، يمكن استكشاف حلول مبتكرة مثل التمويل الجماعي أو المنصات الرقمية التي تتيح جمع التمويل من مصادر متعددة لدعم الأبحاث العلمية المتخصصة في الصحة الواحدة.

رؤية لمستقبل البحث العلمي

يمكن تحسين الدعم الحكومي للبحث والتطوير من خلال زيادة الاستثمارات المالية في المشاريع البحثية التي تستهدف الصحة العامة، مثل تطوير اللقاحات والأدوية للأمراض المشتركة بين الإنسان والحيوان. من الضروري أيضًا تشجيع التعاون الدولي بين الباحثين المصريين والدوليين لتحفيز تبادل المعرفة والخبرات.

فيما يتعلق بالبنية التحتية، يجب تعزيز تطوير المختبرات الحديثة التي تواكب أحدث التوجهات في مجال البحث العلمي، بما يسهم في رفع القدرة على الاستجابة للأوبئة.  مقارنة بين مصر ودول أخرى مثل سنغافورة وكوريا الجنوبية وماليزيا في مجال البحث العلمي والتي تكشف عن فجوات في الإنتاجية البحثية والتمويل والبنية التحتية.

يمكن لمصر دراسة هذه التجارب الناجحة وتبني استراتيجيات محلية تدعم تطور البحث العلمي في مجالات الصحة العامة والبيئة. من خلال زيادة الاستثمار في البحث العلمي وتحفيز الشراكات بين القطاع الخاص والأكاديميات لتحقيق تقدمًا كبيرًا في مواجهة التحديات الصحية المستقبلية.

ويُعتبر تطبيق مفهوم “الصحة الواحدة” نهجًا متكاملاً يعتمد على التعاون بين كافة القطاعات، ويتطلب استثمارًا في البحث العلمي، وتحسين التنسيق بين جميع الجهات المعنية، وتعزيز الوعي المجتمعي لتحقيق الأمن الصحي والبيئي المستدام.

لتحقيق ذلك، نوصي بما يلي:

زيادة التمويل للبحث العلمي من خلال شراكات بين الحكومة والقطاع الخاص. تحسين البنية التحتية البحثية عبر تحديث المختبرات وتوفير التقنيات الحديثة. تعزيز التعاون بين الجامعات ومراكز الابحاث والقطاع الخاص لترجمة نتائج البحث إلى حلول عملية تفيد المجتمع.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى