بحوث ومنظماتتقاريرحوارات و مقالات

د جميل زيدان يكتب: حلم استعادة العزة والكرامة… دروس الماضي وتحديات الحاضر

استاذ – المركز القومي للبحوث – مصر

لطالما كانت الأمة العربية رمزًا للحضارة والقوة، حيث استطاعت في الماضي تحقيق إنجازات كبرى ساهمت في بناء تاريخ عريق لا يزال العالم يشهد به. لكن في العصر الحديث، ومع تصاعد الصراعات والانقسامات، خصوصًا في ظل الحرب الأخيرة على غزة، برزت ملامح ضعف عربي عميق يثير تساؤلات جدية حول أسباب هذا التراجع، وسبل استعادة العزة والكرامة.
أمة منهكة بين التاريخ والواقع
كانت قوة العرب في الماضي مستمدة من وحدتهم وتماسكهم حول قيمهم الإسلامية التي شكلت أساسًا للتفوق الحضاري. اليوم، ومع التحولات السياسية والاجتماعية، أصبح الواقع العربي يعاني من التفكك والانقسام. الصراعات الداخلية، التدخلات الأجنبية، والانشغال بالمصالح الفردية لكل دولة، أضعفت الهوية الجماعية وحولت الأمة إلى كيانات متفرقة تُصارع من أجل البقاء، بدلًا من البناء والتقدم.
حرب غزة: مرآة الانقسام العربي
الحرب الأخيرة على غزة لم تكن مجرد حدث عابر، بل كانت مرآة تعكس الوضع العربي الراهن. في الوقت الذي أظهرت فيه الشعوب تضامنًا واضحًا مع القضية الفلسطينية، غابت الإرادة السياسية الموحدة بين الأنظمة العربية، ما أضعف تأثير العرب على الساحة الدولية.
غزة لم تكن بحاجة إلى بيانات سياسية أو مساعدات مالية محدودة، بل إلى استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي، تُعبر عن موقف قوي وحاسم تجاه قضية العرب المركزية. لكن العالم استغل حالة الانقسام العربي ليشدد الخناق على الفلسطينيين، متجاهلًا حقهم المشروع في الحرية والاستقلال.
جذور الضعف العربي
1. غياب الوحدة السياسية:

تفكك الدول العربية بسبب تضارب المصالح الإقليمية، واعتماد بعضها على دعم القوى الأجنبية.
2. غياب المشروع العربي الموحد:

افتقار المنطقة إلى رؤية شاملة لمواجهة التحديات الأمنية، الاقتصادية، والثقافية.
3. تصعيد الصراعات الداخلية:

انشغال الأنظمة بحروب أ في سوريا، اليمن، ليبيا، والعراق أضعف قدرتها على التعامل مع قضايا كبرى مثل الاحتلال الإسرائيلي.
4. إضعاف الهوية الحضارية:

تراجع الالتزام بالقيم الإسلامية والعربية لصالح هويات فرعية ومصالح مادية، ما أدى إلى تآكل القوة الجماعية للأمة.
الغرب وصورة العرب
سعى الغرب، عبر قرون من الاستعمار والتدخل، إلى فرض هيمنته على العالم العربي من خلال تفتيت وحدته وزرع الانقسامات بين شعوبه. كما ساهم في تشويه صورة العرب، من خلال تصويرهم كأعداء للتقدم والديمقراطية. هذا السرد الاستعماري، الذي يتكرر في وسائل الإعلام والسياسات الدولية، يعكس رغبة الغرب في إبقاء العرب في حالة ضعف دائم.
الأمل في استعادة الدور العربي
رغم كل التحديات، تبقى الفرصة قائمة لاستعادة الدور الريادي للعرب.

لكن ذلك يتطلب:
1. وحدة عربية حقيقية: تجاوز الخلافات الداخلية وبناء تحالفات قائمة على المصلحة المشتركة.
2. مشروع حضاري شامل: يعيد إحياء الهوية العربية والإسلامية مع الانفتاح على العصر الحديث.
3. إرادة سياسية مستقلة: اتخاذ قرارات سياسية تستجيب لتطلعات الشعوب العربية، بعيدًا عن الضغوط الأجنبية.
ختامًا: دعوة للاستيقاظ
حرب غزة ليست النهاية، بل هي دعوة للاستيقاظ. ضعف العرب اليوم ليس قدرًا محتومًا، بل نتيجة تراكمات يمكن تجاوزها إذا ما اجتمعت العقول والقلوب على هدف واحد: استعادة العزة والكرامة.
إن الطريق إلى النهوض يبدأ بتصحيح المسار الداخلي، والعمل على بناء مستقبل تستعيد فيه الأمة مكانتها الحضارية، مستفيدة من دروس الماضي ومتحدية واقع الحاضر. فالنهضة تبدأ من الإرادة، والإرادة قادرة على صنع المستحيل.

 

 

زر الذهاب إلى الأعلى