د خالد وصيف يكتب : ومن الذى لا يحب عبد الفتاح الباز؟

تابعت الحفل الحاشد الذى اقيم للمهندس عبد الفتاح الباز احتفالا بعيد ميلاده الستين، الذى يترافق مع انتهاء خدمته المشرفة داخل وزارة الرى، والتى ينهيها كرئيس للادارة المركزية للرى بمحافظة الدقهلية.
تابعت مشاعر صادقة من اجيال متعددة احاطت بالباز لتسجل لحظة استثنائية للاحتفاء بالرجل الذى خدم داخل مدرسة الرى المصرية عمره الوظيفى كله والذى يتجاوز خمسة وثلاثين عاما.

مدة طويلة وكافية لتصبغ صاحبها بسمات ابناء تلك المدرسة العريقة، محب لعمله يبذل فيه كل الجهد ويفضل العمل الميدانى على عمل المكاتب، يدير بهدوء وحسم بلا انفعال او ضجيج.
يد نظيفة وقلب سليم من الضغائن..دائرة اصدقاء محدودة ومن الشغل للبيت والعكس، لا هوايات سوى تشجيع النادى الاهلى ومتابعة مبارياته وفقط
الحفل الاخير الذى اقيم له منذ ايام ذكرنى بحفل آخر اقيم للمهندس عبد الفتاح فى عام 1999، حينما كان مديرا لهندسة الابراهيمية وتم نقله لهندسة اخرى مجاورة، يومها لمست عن قرب كيف يستطيع هذا الرجل ان يبنى كل تلك الاواصر من الصداقة بمن يعملون معه، كما لمست محاولات الموظفين الحثيثة وتلغرافاتهم لاثناء قيادات الوزارة عن تنفيذ قرار النقل له.
يمكنك ان تعزى هذا الامر لدعوات الام المستجابة بلا شك، ويمكنك ان تعزيها لقدرات خاصة ومهارات اتصال وتواصل لكنها فى النهاية هبة من الهبات الالهية ومنحة ذات قيمة نادرة لمن يملكها
وهو انسان قدرى بامتياز، وتدخلات العناية الالهية كانت رفيقته الدائمة فى كثير من الازمات، ربما اشهرها حينما اندلع القتال داخل السودان بينما هو فى الخرطوم يؤدى وظيفته كرئيس لبعثة الرى المصرى هناك، وبينما يحتدم القتال ويقترب من مقار البعثة المصرية، كان عليه اتخاذ قرار سريع بتأمين المكان، ثم الاطمئنان على موقف اعضاء البعثة وتجهيزهم للعودة القاهرة، ثم الاستعداد للرحيل مع اسرته التى كانت معه، حزم امتعته والتى يمكن حملها فى يديه وترك الباقى وحجز هو واسرته فى اتوبيس يتجه لشمال السودان.
وفى اول طريق العودة تستوقف الاتوبيس لجنة من الدعم السريع وهى تشهر اسلحتها لتقوم بتفتيش الاتوبيس وتتفرس فى وجوه الركاب ببطء، لحظات قاسية على زوجة وبنتين فى عمر الزهور واب يتمتم بآيات القرآن وتطوف بمخيلته الفظائع التى ترتكبها تلك الميليشيات ويتناقلها الناس حيث تكون الضغطة على الزناد اسرع من الكلمة تخرج من الفم، يشير الجندى بيده للسائق وهو يهبط من الاتوبيس اشارة تعنى سماحه بالمرور..ليتنفس الجميع الصعداء..
والاقدار كان لها موقف آخر مبكر معه، حيث ابتسمت له بابنتيه الجميلتين بعد سنوات اعتبرها البعض طويلة لكنه فى قرارة نفسه امضاها راضيا محتسبا حتى من الله عليه من فضله
وهو مارس السياسة النظيفة، الطريق لخدمة الناس لا للتربح ولا للترقى. وكان كادرا متميزا على مستوى محافظة الشرقية
وهو اصغر ثلاثة اشقاء كلهم مهندسون وكلهم التحق بالعمل فى وزارة الرى، كل منهم له اضافة، ولعل ما يميز عبد الفتاح هو قدرته الكبيرة على بناء العلاقات مع الاخرين، هاتفه متاح للجميع يتلقى طلبات المزارعين ويسعى لتلبيتها قدر استطاعته ويحمل قدرا كبيرا من الفهم للصندوق الاسود للمصريين الذين لا يفتحون قلوبهم ويمدون ثقتهم الا لمن يستشعورا منه الصدق والامانة. وهى من ابجديات النجاح لوظيفة مهندس الرى الذى يوزع المياه بالعدل والقسطاس بين الناس.
كل الامنيات الطيبة للمهندس عبد الفتاح، فالاقدار التى كانت رفيقة به خلال رحلته الوظيفية ستظل ترافقه قدر اجتهاده فى عمله وقدر اخلاصه لمدرسة الرى التى هو احد ابنائها النبهاء. والاهم من كل ذلك قدر بره بامه التى مازال حريصا على زيارة قبرها اسبوعيا حتى الان…
كاتب المقال:
الدكتور خالد وصيف نائب رئيس قطاع الخزانات..وزارة الرى