![د جميل زيدان المركز القومي للبحوث](/wp-content/uploads/2025/01/gameel-zedan.jpg)
أستاذ في المركز القومي للبحوث – مصر
في ظل التهديدات الأخيرة من الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بشأن اختلال غزة، تأكدت حقيقة جديدة على الأرض؛ أن المقاومة الفلسطينية أصبحت الخيار الاستراتيجي الوحيد في مواجهة الهيمنة الدولية والممارسات العدوانية لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
ما أطلقه ترامب من تهديدات يعكس استمرار سياسة القوة والضغط التي تتبعها بعض القوى الكبرى في محاولة لتصفية القضية الفلسطينية وتحقيق أهدافها الاستعمارية في المنطقة. ولكن ما يجب أن يدركه الجميع هو أن هذه التهديدات ما هي إلا محاولات لتعزيز الاستبداد الصهيوني، وتقديم الدعم لممارسات الاحتلال التي تسعى إلى سحق إرادة الشعب الفلسطيني.
في مواجهة هذا الوضع، تزداد أهمية خيار المقاومة الفلسطينية الذي أثبت فعاليته في التصدي لأعتى قوى الاحتلال. المقاومة ليست فقط خيارًا دفاعيًا بل هي خيار استراتيجي يرتكز على حق الشعب الفلسطيني في تحرير أرضه وكرامته، بعيدًا عن الحلول التي تفرضها قوى دولية تسعى لمصالحها على حساب حقوق الفلسطينيين.
لقد أثبتت المقاومة على مر السنين أنها قادرة على إحداث التغيير، وبالرغم من الضغوط الدولية، تبقى فلسطين على رأس أولويات الشعوب الحرة في العالم. إن المقاومة الفلسطينية تعكس وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال، وهي تعبير عن تمسكه بحقه المشروع في تقرير مصيره.
اليوم، لا خيار أمام الفلسطينيين سوى التمسك بخيار المقاومة، الذي يعزز وحدة الصف الفلسطيني، ويعطيه القدرة على مواجهة التحديات التي تفرضها القوى الكبرى في العالم.
المقاومة لا تقتصر على العمل العسكري فقط، بل تشمل أيضًا الجهود السياسية والدبلوماسية التي تهدف إلى إبراز قضية فلسطين على الساحة الدولية، وكشف مظاهر الاحتلال والانتهاكات الإسرائيلية.
لكن على الأرض، تبقى المقاومة المسلحة الخيار الذي يعبر عن مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال الإسرائيلي، وحقه المشروع في الدفاع عن أرضه وحقوقه. هذه المقاومة تمثل تحديًا للسياسات القمعية والاستعمارية التي تفرضها القوى الكبرى، وتعكس وحدة الشعب الفلسطيني في مواجهة هذا العدوان.
كما أن المقاومة السياسية، من خلال الدبلوماسية ورفع القضايا في المنظمات الدولية، تلعب دورًا محوريًا في تحشيد الدعم العالمي لفلسطين، وكشف الجرائم الإسرائيلية. في الوقت ذاته، تضمن إبقاء القضية الفلسطينية حية في الوعي الدولي، مما يساهم في الضغط على الحكومات المعنية لاتخاذ مواقف داعمة لحقوق الفلسطينيين.
وفي النهاية، تجمع المقاومة بين البُعدين العسكري والسياسي لتشكيل استراتيجية شاملة لمواجهة الاحتلال، والدفاع عن الحقوق الفلسطينية.
تحرير فلسطين: واجب تاريخي ومسؤولية مشتركة
منذ عقود، والاحتلال الإسرائيلي يعصف بفلسطين وشعبها، مستمرًا في انتهاك حقوق الفلسطينيين في وطنهم. اليوم، لا يمكن للأمة العربية والإسلامية أن تبقى متفرجة على هذا الواقع المرير. تحرير فلسطين، من النهر إلى البحر، لم يعد مجرد حلم بعيد المنال، بل أصبح ضرورة ملحة يجب أن تتضافر لها الجهود الإقليمية والدولية.
تحمل الدول العربية والإسلامية مسؤولياتها التاريخية في دعم القضية الفلسطينية، ليس فقط من خلال التصريحات، بل بالأفعال الفعلية التي تساهم في تعزيز صمود الشعب الفلسطيني في وجه الاحتلال. كما أن التعاون العربي والإسلامي في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية له دور كبير في دعم الحقوق الفلسطينية، سواء على المستوى الدولي أو المحلي.
إن تحرير فلسطين هو دعم لحقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ومستقبله. لا يمكن أن يستمر الاحتلال على حساب الإنسانية، ولا بد من أن تضع الدول العربية والإسلامية استراتيجية واضحة لتحرير فلسطين والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في معركته المستمرة من أجل الحرية والعدالة.
إن الوحدة العربية والإسلامية في دعم فلسطين ليست خيارًا، بل واجبًا يفرضه التاريخ والمبادئ التي قامت عليها هذه الأمة، ونحن مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بتوحيد الجهود من أجل تحقيق هذا الهدف النبيل.
ليس وقت الهرولة إلى واشنطن بل البحث مع دول الإقليم كيفية التصدي
في وقت تتزايد فيه التحديات أمام الأمة العربية والإسلامية، خاصة في القضية الفلسطينية، نجد أن الهرولة إلى واشنطن ومحاولة كسب التأييد من القوى الكبرى لم تعد استراتيجية فعالة. الواقع اليوم يفرض أن يتم التركيز على التعاون الإقليمي المشترك بين الدول العربية والإسلامية في التصدي للاحتلال الإسرائيلي وممارساته المستمرة ضد الشعب الفلسطيني.
لم يعد هناك مجال للتعويل على الحلول الخارجية التي لا تراعي تطلعات الشعوب وحقوقهم. بدلاً من ذلك، يجب أن تعكف الدول العربية والإسلامية على بناء تحالفات قوية مع بعضها البعض، وتعزيز التنسيق في مختلف المجالات الاقتصادية والسياسية والعسكرية. إن البحث عن حلول من داخل الإقليم، والتعاون الجاد بين الدول التي تشترك في المصير نفسه، يمكن أن يكون مفتاحًا رئيسيًا لتفعيل الدعم الفعلي لفلسطين.
القضية الفلسطينية هي قضية الأمة بأسرها، وليس مجرد طرف واحد. وعليه، فإن الحوار الفعّال بين دول الإقليم لتنسيق المواقف واتخاذ خطوات استراتيجية هو الحل الأمثل. يجب أن تتضافر الجهود من أجل تقديم الدعم الحقيقي للمقاومة الفلسطينية، وتوفير الموارد اللازمة للتصدي للعدوان الإسرائيلي، وتعزيز قدرات الفلسطينيين على مواجهة تحديات الاحتلال.
إن الوقت قد حان لتوجيه الجهود نحو الداخل العربي والإسلامي، والبحث عن حلول تستند إلى وحدة الموقف وموارد الإقليم، بعيدًا عن محاولات الاستجداء من القوى الغربية التي لطالما ساهمت في تأجيج الصراع.
تصاعد المواجهة وتغيرات في المشهد السياسي
دونالد ترامب وموقفه من القانون الدولي، فقد كان نهجه مثيرًا للجدل، اتخذ قرارات تتعارض مع الأعراف الدولية، مثل الانسحاب من اتفاقيات متعددة (اتفاقية باريس للمناخ، الاتفاق النووي الإيراني، ومنظمة الصحة العالمية) وفرض سياسات أحادية الجانب مثل العقوبات الاقتصادية المشددة. كما تعرض لانتقادات بسبب مواقفه من المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، وتعامله مع حلفاء الولايات المتحدة في الناتو. ومع ذلك، يرى أنصاره أنه كان حازمًا في الدفاع عن المصالح الأمريكية دون الالتزام بقيود المؤسسات الدولية.
عليه أن يراجع التاريخ، فالأرض وشعوبها كيان واحد لا يمكن فصله. هذا الرجل لا يدرك معنى الأوطان ولا يفهم عمق ارتباط الشعوب بأرضها. لقد تجرّع مرارة الهزيمة في فيتنام، وسقط في أفغانستان، ولم ينجُ من فشل سياساته في العراق.
في تطور جديد على الساحة الفلسطينية، تبرز بوادر تحول استراتيجي في موقف الفصائل الفلسطينية، مع تصاعد المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وإعلان احتمالية انضمام حركة “فتح” إلى صفوف المقاومة المسلحة. يأتي ذلك في ظل المستجدات السياسية التي ترافقت مع التصريحات المثيرة للجدل للرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والتي تهدف إلى إعادة رسم معالم غزة سياسيًا وأمنيًا.
مؤتمر صحفي يثير الجدل
في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عن خطط لتولي الولايات المتحدة مسؤولية إعادة إعمار قطاع غزة. وأشار إلى أن الولايات المتحدة ستتولى إزالة الذخائر غير المنفجرة، وتسوية المباني المدمرة، وتعزيز التنمية الاقتصادية لخلق فرص عمل وإسكان في المنطقة. كما لم يستبعد ترامب إمكانية نشر قوات أمريكية في غزة إذا لزم الأمر لضمان الأمن.
مشروع التوطين ورفض إقليمي
إلى جانب هذه التصريحات، اقترح ترامب إعادة توطين سكان غزة البالغ عددهم حوالي 2.2 مليون نسمة في دول مجاورة مثل مصر والأردن، وهي فكرة قوبلت برفض قاطع من قبل هذه الدول، حيث أكدت القيادات العربية أن حل القضية الفلسطينية يجب أن يكون داخل الأراضي الفلسطينية وليس بتهجير السكان.
نتنياهو يدعم، والمقاومة ترفض
أعرب نتنياهو عن دعمه لخطة ترامب، مشيرًا إلى أنها قد تكون خطوة تاريخية نحو تحقيق “السلام” في المنطقة. إلا أن المقاومة الفلسطينية اعتبرت هذه الخطوة استمرارًا لنهج الاحتلال في فرض سيطرته على الأراضي الفلسطينية، في وقت تسعى فيه الفصائل إلى تعزيز موقفها العسكري والسياسي ضد الاحتلال.
فتح والمقاومة: تحول جديد؟
في ظل هذه التطورات، تبرز أنباء عن نية حركة فتح الانضمام إلى المقاومة، في خطوة قد تعيد رسم معادلة الصراع مع الاحتلال. وبينما كانت الحركة تتبنى نهج التسوية السياسية على مدار العقود الماضية، فإن تصاعد العدوان الإسرائيلي واستمرار الاستيطان قد يدفعها إلى مراجعة موقفها والانخراط في الكفاح المسلح، ما قد يغيّر موازين القوى على الأرض.
دعم الحقوق الفلسطينية
إذا استمر رفض إسرائيل لحل الدولتين، قد يكون من الضروري النظر في خيارات أخرى لدعم الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال. من هذه الخيارات دعم “الدفاع المشروع” أو “الحقوق السيادية”، وهو ما يعزز قدرة الفلسطينيين على الدفاع عن حقوقهم وصد الهجمات المتكررة على الشعب الفلسطيني. ولكن يجب أن يكون هذا الدعم محكومًا بالقانون الدولي وبالتنسيق مع الجهود الدولية التي تسعى لتحقيق سلام عادل ومستدام.
بين تصريحات ترامب، ودعم نتنياهو، وتصاعد المقاومة، يبدو أن القضية الفلسطينية مقبلة على مرحلة جديدة من المواجهة السياسية والميدانية. ويبقى السؤال: هل نشهد تصعيدًا كبيرًا في المقاومة الفلسطينية يفرض معادلة جديدة على الاحتلال، أم ستظل محاولات السيطرة والتسوية الأمريكية-الإسرائيلية قائمة دون جدوى؟