د محمد نجيب الهلالي يكتب: رؤية قيادية لحماية صناعة الدواجن: لتأمين إنتاج ٤ ملايين دجاجة يوميا

مدرس تربية الدواجن – كلية الزراعة جامعة القاهرة – مصر
تعد صناعة الدواجن من أهم الدعائم الاستراتيجية للأمن الغذائي في مصر؛ إذ تنتج يوميًا 4 ملايين دجاجة تسمين و40 مليون بيضة مائدة يوميًا. يعتمد قطاع التسمين على عشرات الآلاف من مزارع التسمين والتربية المنزلية، والتي تعجز الجهات عن حصرها بدقة، إضافة إلى 180 شركة لإنتاج أمهات التسمين و 6 شركات وكالات لاستيراد سلالات الجدود وتربيتها من أكبر شركتين عالميتين فقط (أفياجين وكوب فانترس).
يظهر ذلك طبيعة السوق المركزة، إلى جانب الدور الحيوي لصغار ومتوسطي المنتجين الذين يمثلون نحو 70% من منتجي دجاج التسمين وبيض المائدة.
كما تعد مصر الأولى في إفريقيا وعلى مستوى الشرق الأوسط في ضخ الاستثمارات في البنية التحتية وحجم الإنتاج المحلي لقطاع الدواجن سواء دجاج تسمين أو بيض مائدة، مقارنة بدول مجاورة تسعى للوصول إلى حجم إنتاج يضاهي الإنجازات على أرض الواقع في مصر، والتي تجاوزت بمليار ونصف دجاجة تسمين سنويًا ليعمل منتجي مصر لتعزيز قدرتنا الإنتاجية بشكل ملحوظ عاما بعد عام.
تراجع الإنتاج وتأثيراته على السوق
شهد قطاع الدواجن خلال السنوات الأخيرة العديد من التحديات؛ بدءًا من سنة 1998 مع انتشار أنفلونزا الطيور، مرورًا بالتحديات السياسية والاقتصادية التي شهدتها البلاد من تذبذب في أسعار العملة وأسعار المحروقات ومدخلات الإنتاج، وخاصة في عام 2022، حيث حدث انخفاض حاد في الإنتاج بنسبة تتراوح بين 50-60% أو أكثر وذلك لعدم وضوح الرؤية خلال تلك الفترة.
وقد أدى ذلك إلى خروج عدد من الشركات من المنظومة. أثر هذا التراجع بشكل مباشر على الشركات المتوسطة وصغار المنتجين والمشروعات متناهية الصغر، وفي ظل غياب بيانات دقيقة حول أعدادهم أصبح التخطيط لتقديم الدعم المناسب تحديًا كبيرًا.
رغم أن مصر كانت وقتها تحتل المركز الأول في حجم الإنتاج في إفريقيا وايضا بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط. ولكن للتحديات خلال تلك الفترة وبالإضافة لانتشار الواسع لمرض أنفلونزا الطيور في الدول الأوروبية وإعدام العديد من القطعان عالميًا، مما أثر على بعض إمدادات قطعان الجدود للبلاد.
ومع ذلك، تمكن المربون والاستشاريون والفنيون من الاستفادة بقدر المستطاع من القطعان الحالية باستخدام أحدث نظم الإنتاج والتربية والعمل بشكل علمي منظم قدر المستطاع لحفاظ على مستويات الإنتاج لاستقرار سوق الدجاج وبيض المائدة رغم كل التحديات والعقبات التي واجهوها.
جهود ودعم حكومي حقيقي لتعزيز القطاع ولتكون بادرة نور لصناعة الدواجن
في مواجهة هذه التحديات، تبدي الجهات الحكومية حرصها على دعم الصناعة والاستثمار الداجني، ومن أبرز هذه الجهود:
- لقاءات الدورية الأسبوعية والتلفزيونية الفعالة لمعالي نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل: حيث يتناول خلالها سبل دعم المصنعين المصريين وتعزيز قدرتهم التنافسية، وتشجيعهم على العمل الجاد لرفع اسم “صنع في مصر” عاليًا، مع محاولة إعادة التنظيم مع مختلف الجهات المعنية لتذليل العقبات أمام المصنعين المحليين؛ إذ يعتبر ذلك طاقة نور لكل مصنعي مصر.
- اجتماعات مع معالي وزير الزراعة واستصلاح الأراضي مع منتجي الدواجن: حيث يتم الاستماع إلى مشاكلهم وبحث سبل تقديم الدعم المناسب لهم، كمحاولة لدعم صغار المنتجين الذين يمثلون أكثر من 70% من منتجي الدواجن، والذين يعتبرون العصب الأساسي في هذه الصناعة الحيوية بأكثر من عشرات الآلاف من المزارع الصغيرة.
- المبادرات و اللقاءات و المعارض خاصة مع الجهات الدولية مثل اللقاء التحضيرية لملتقى الاستثمار من أجل الوظائف في قطاع الدواجن: التي تأتي بدعم من الوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ) وجامعة القاهرة، وتمثل خطوة هامة لجذب الاستثمارات وخلق فرص عمل جديدة. حيث يعمل في هذا القطاع ما يقرب من 5-6 مليون مواطن في شركات ومزارع الإنتاج المباشرة والصناعات التكميلية والخدمية المساعدة للقطاع بالإضافة إلى أسرهم، أي ما يقارب 20 مليون نسمة مستفيدين من هذا القطاع الحيوي؛ لذا نأمل في استمرار وتوسيع هذه المبادرات لتشمل المزيد من الجهات الداعمة.
أثر عدم التنسيق الجهات الرقابية والتنفيذية والملاحقات التنظيمية غير المدروسة
رغم الجهود العظيمة والمبذولة لتنظيم السوق ومكافحة الممارسات الاحتكارية، فإن بعض الإجراءات التنظيمية غير المدروسة تؤثر سلبًا على منتجي الدواجن وتصيبهم بحالة من الشلل وعدم الرغبة في التوسع في الاستثمار. كما حدث مؤخرًا من خلال نشر بيان إعلامي من قبل جهاز حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية بملاحقة 162 شركة من أصل 180 شركة أمهات لإنتاج كتاكيت التسمين، وهو ما يمثلوا حوالي 90% من إجمالي منتجي الكتاكيت في هذا القطاع بمصر. يعد هذا التطبيق غير منطقي نظرًا لطبيعة المنتج؛ إذ إن الكتاكيت سلعة لا يمكن تخزينها وتفقد قيمتها مع مرور كل ساعة بعد الفقس إلى أن يتم إعدامها في حالة عدم القدرة على بيعها خلال الـ 24 ساعة بعد الفقس مباشرة، كما أن الدجاج الحي لا يمكن أيضًا تخزينه بعد وصوله لعمر التسويق حيث سيتكبد المربي خسائر نتيجة للنافق وسوء معامل التحويل الغذائي مع التقدم في العمر. بالإضافة إلى ذلك، فإن اختلاف طرق التوزيع وتفاوت تكاليف الإنتاج يجعل من المستحيل اتفاق جميع المنتجين على مستوى أحجامهم على سعر موحد خلال اليوم الواحد أو حتى لفترة معينة، مما يزيد من تعقيد آليات التنظيم والتنسيق.
علاوة على ذلك، يؤدي عدم التنسيق بين الجهات المعنية التنظيمية والاستراتيجية والرقابية إلى حدوث لغط في السوق، وقد يؤدي ذلك إلى:
- خروج العديد من المنتجين من المنظومة والبدء في البحث عن أسواق أكثر استقرارًا وتنظيمًا بدول مجاورة؛ وهذا يحدث حاليًا بالفعل مما سوف يقلل الإنتاج الحالي بشكل أكبر، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع أكبر في أسعار المنتج النهائي سواء كتاكيت أو دجاج تسمين أو بيض مائدة نتيجة لقلة وندرة العرض مقارنة بالطلب المحلي.
- إبعاد المستثمرين الجدد عن الدخول لهذا القطاع خوفًا من هشاشة الوضع الاقتصادي للمجال، رغم الجهود المبذولة لتطويره ودعمه وبحثهم عن قطاع أكثر استقرارًا وأقل مخاطرة.
- ضياع فرص استثمارية عظيمة تسعى إليها شركات كبرى عالمية لضخ المزيد من الاستثمارات وجعل مصر مركزًا استراتيجيًا لإنتاج الدجاج في إفريقيا والشرق الأوسط.
وبناءً عليه، نقدم النقاط التالية كإجراءات عاجلة ومهمة جدًا:
- ضرورة تنسيق مشترك وفعال بين الجهات التنظيمية والرقابية لتفادي تطبيق إجراءات غير مدروسة تضر بالقطاع بشكل كبير.
- العمل على توفير بيانات وإحصائيات دقيقة عن أعداد المنتجين ومستويات الإنتاج لتكوين رؤية واضحة تسهم في وضع سياسات داعمة و خطط إنتاجية لتساعد على توازن السوق، وهو يعد من أهم مهام قطاع الإنتاج الحيواني بالتعاون مع اتحاد العام لمنتجي الدواجن.
- تشجيع المستثمرين المحليين والدوليين بتقديم ضمانات ودعم حكومي حقيقي، بدلاً من خلق مناخ يخيفهم من التذبذب والتخبط في السوق و عمل اجتماعات دورية يحضرها جميع الاطراف المعنية في هذه الصناعة الواعدة وذلك بشكل موسع لتشجيع الاستثمارات في مختلف مجالات الصناعة من انتاج (جدود و أمهات و تسمين و بيض مائدة) و تصنيع مصنعات الدجاج و الاعلاف و إضافات الاعلاف و الادوية اللقاحات بالإضافة الي الصناعات التكميلية المساعدة من تعبئة و تغليف و معدات وخلافه.
- تطبيق سياسات داعمة تعزز استقرار القطاع وتعمل على تقوية المجال بدلاً من إضعافه، لتشجيع القطاع المصرفي و البنكي على إعادة ضخ المزيد من الاستثمارات في هذا القطاع الحيوي، نظرًا للأهمية الاستراتيجية لصناعة الدواجن والفرص الاستثمارية الكبيرة المتاحة الواعدة.
نأمل ان تستمر الجهود الحكومية المبذولة والمشكورة فعلا، سواء مؤخرا من وزارة الصناعة أو من وزارة الزراعة، حيث تشكل بادرة أمل حقيقية لاستمرار دعم صناعة الدواجن والحفاظ على مكانتها الدولية في الإنتاج. ومع تبني تعديل الإجراءات التنظيمية وتعزيز التنسيق بين الجهات المعنية، يمكننا ضمان استقرار هذا القطاع الحيوي الذي يعد ركيزة أساسية للأمن الغذائي والاقتصاد الوطني، وحماية مصالح صغار ومتوسطي المنتجين الذين يمثلون النسبة الأكبر من هذا السوق والقطاع الداجني.
حفظ الله مصر وقيادتها وحفظ منتجيها وصناعها الاوفياء للعمل دائما لرفع شعار” صنع في مصر” عاليا في جميع المحافل الدولية والعالمية.