بحوث ومنظماتتقاريرحوارات و مقالات

د ناهد الوحش: التوسع في توطين صناعة الألبان في مصر

باحث أول بقسم بحوث الألبان – معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية

تعتبر منتجات الألبان جزءا أساسيا من النظام الغذائي الصحي حيث توفر مجموعة واسعة من العناصر الغذائية الضرورية لصحة الإنسان. إن تضمينها في النظام الغذائي اليومي يُسهم في تحقيق فوائد صحية متعددة. وتتميز منتجات الألبان بغناها بالكالسيوم الذي يعزز صحة العظام والأسنان خاصة خلال مراحل النمو.

يعمل الكالسيوم مع فيتامين D على تحسين كثافة العظام وتقليل خطر الكسور مما يساعد في الوقاية من هشاشة العظام. كما تحتوي هذه المنتجات على البروتينات الضرورية لبناء العضلات وإصلاح الأنسجة مما يعزز وظائف الجسم بشكل عام.

بالإضافة إلى ذلك  توفر منتجات الألبان مجموعة من الفيتامينات والمعادن الأساسية مثل فيتامينات A وD وB12، التي تلعب دورا مهمًا في تعزيز صحة الجهاز المناعي والرؤية.

وتشير الدراسات إلى أن استهلاك منتجات الألبان يمكن أن يُساهم في تحسين صحة القلب والأوعية الدموية  حيث يساعد في تقليل ضغط الدم وتحسين مستويات الكوليسترول. علاوة على ذلك، تحتوي منتجات الألبان المتخمرة مثل الزبادي على بكتيريا البروبيوتيك المفيدة التي تدعم صحة الجهاز الهضمي من خلال تحسين توازن الفلورا المعوية.

تعد صناعة الألبان من القطاعات الحيوية والاستراتيجية في الاقتصاد المصري حيث تلعب دورا محوريا في تحقيق الأمن الغذائي وتوفير فرص العمل .

كما تساهم بشكل كبير في تعزيز الإنتاج المحلي والنمو الاقتصادي باعتبارها أحد ركائز الدخل القومي . وعلى الرغم من جهود الدولة لتطوير هذا القطاع ومواكبة الطلب المتزايد على منتجات الألبان خلال السنوات الأخيرة فإن الصناعة تواجه العديد من التحديات التي تحد من قدرتها على تحقيق النمو المستدام .

تهدف جهود التوسع في توطين صناعة الألبان إلى تعزيز قدرة مصر على الاكتفاء الذاتي وخفض الاعتماد على الاستيراد مما يتطلب فهما دقيقا لأهم التحديات والفرص المتاحة لتحقيق هذا النجاح.

أهمية توطين صناعة الألبان

  • تقليل الاعتماد على الاستيراد: تستورد مصر جزءا من احتياجاتها من الألبان ومنتجاتها نظرا لعدم تحقيق اكتفاء ذاتي كامل في هذا القطاع . يبلغ إنتاج الحليب المحلي نحو 7 مليون طن سنويا وهو لا يكفي لتلبية الطلب مما يستلزم تغطية هذه الفجوة من الاحتياجات عبر الواردات . بالتالي فإن توطين الصناعة سيخفض الفجوة بين الإنتاج والاستهلاك ويقلل نزيف العملة الصعبة في استيراد منتجات الألبان.
  • تعزيز الأمن الغذائي: يسهم رفع الإنتاج المحلي من الألبان في تعزيز الأمن الغذائي الوطني وتقليل تأثير التقلبات الخارجية على توفر السلع الأساسية. نمو الطلب السكاني المضطرد قد يزيد الفجوة مستقبلا إذا لم يتم دعم الإنتاج المحلي. لذا فإن التوسع في توطين الصناعة يمثل عنصرا أساسيا لضمان استدامة توفر منتجات الألبان للأجيال القادمة.
  • دعم الاقتصاد وتوفير فرص العمل: يوفر قطاع الألبان آلاف فرص العمل عبر سلسلة الإنتاج والتوزيع والتصنيع والتسويق. وتوطين الصناعة وجذب الاستثمارات المحلية يعزز من إنشاء مشاريع جديدة (كمزارع ألبان حديثة ومعامل تصنيع) مما يعني وظائف جديدة ودخلا أعلى للمزارعين والعاملين. كما أن تنمية صناعات تحويلية مرتبطة بالألبان (كالجبن والزبد وغيرها) يرفع القيمة المضافة للمنتج المحلي ويدعم النمو الاقتصادي بشكل عام.
  • تطوير القطاع الزراعي وتحسين سلالات الماشية: يشجع التوسع في توطين صناعة الألبان على تطوير تربية الماشية المحلية لزيادة إنتاج الحليب سواء عبر تحسين السلالات المحلية أو إدخال سلالات عالية الإدرار. كذلك يدفع نحو توسيع زراعة الأعلاف محليا (كالذرة والصويا وبرسيم الأعلاف) لتأمين مدخلات الإنتاج مما يفيد المزارعين ويعزز التكامل بين القطاعين الزراعي والحيواني. باختصار يودي توطين القطاع إلى نهضة زراعية وحيوانية شاملة تدعم استدامة الإنتاج المحلي.

التحديات التي تواجه توطين صناعة الألبان في مصر

  1. 1. ضعف الإنتاجية المحلية:

إنتاجية الماشية المحلية من الحليب لا تزال منخفضة مقارنة بالسلالات العالمية عالية الإدرار. هذه ا الإنتاجية المنخفضة تعني أن القطع المحلي يحتاج إلى أعداد أكبر من الماشية لسد الطلب مما يرفع التكلفة والجهد على المربين. إضافة إلى ذلك يحدّ نقص تبنّي التقنيات الحديثة في التغذية والرعاية والتناسل من كفاءة إنتاج الحليب  حيث ما زالت أساليب التربية التقليدية شائعة لدى صغار المربين.

  1. 2. ارتفاع تكاليف الإنتاج:

يواجه مربو الألبان في مصر تكاليف إنتاجية مرتفعة نسبيا يعود جزء كبير منها إلى الاعتماد المكثف على الأعلاف المستوردة. ما يجعل تكلفة الأعلاف خاضعة لتقلبات الأسعار العالمية بشكل حاد . وقد شهدت الفترة الأخيرة ارتفاعا كبيرًا في أسعار الذرة والصويا عالميا مما انعكس مباشرةً على تكلفة  أنتاج الحليب المحلي. هذا الوضع يضعف هامش ربح المربين خاصة الصغار منهم الذين يجدون صعوبة في تحمل نفقات التشغيل المرتفعة مثل الأعلاف والطاقة والخدمات البيطرية.

علاوة على ذلك يواجه العديد من المربين محدودية في الوصول إلى التمويل والاستثمار اللازم لتوسعة نشاطهم أو تحديثه بسبب اشتراطات ائتمانية معقدة وافتقارهم للضمانات الكافية. وبالتالي تبقى غالبية المزارع صغيرة الحجم ذات إنتاجية منخفضة مما يصعّب تحقيق وفورات الحجم ويبقي تكلفة الإنتاج مرتفعة. ارتفاع التكاليف هذا يؤثر في نهاية المطاف على القدرة التنافسية لمنتجات الألبان المصرية محليا ودوليا، إذ يحد من إمكانية تخفيض أسعارها أو تحقيق أرباح تمكن المنتجين من إعادة الاستثمار.

  1. 3. ضعف البنية التحتية الملائمة:

تعاني سلسلة إمداد الألبان من نقص في البنية التحتية الحديثة اللازمة للحفاظ على جودة الحليب وتقليل الفاقد. على سبيل المثال لا يتوفر عدد كاف من مراكز تجميع الحليب المجهزة بالتبريد في كافة مناطق الإنتاج  مما يضطر المزارعين أحيانا لبيع الحليب سريعًا بأسعار متدنية أو معالجة جزء منه بطرق تقليدية. ضعف إمكانيات التبريد والنقل المبرد يعني أن جزءًا كبيرا من الحليب يفقد أو تتدهور جودته قبل وصوله إلى مصانع التصنيع . وقد أشار خبراء إلى أن غياب سلسلة تبريد فعّالة سببه ارتفاع تكاليف إنشاء وتشغيل هذه المرافق ما يجعل توفرها محدودا لدى صغار المنتجين .

كذلك، تعاني المناطق الريفية النائية من ضعف شبكات الطرق والمواصلات  مما يصعّب عملية جمع الحليب يوميا ونقله بشكل سريع إلى مراكز التجميع أو المصانع. هذه العوائق في البنية التحتية تؤدي في المحصلة إلى هدر جزء من الإنتاج  وتذبذب جودة الحليب الخام المتاح للتصنيع  وبالتالي انخفاض كفاءة واستدامة سلسلة التوريد في قطاع الألبان.

  1. التغيرات المناخية وتأثيرها على الإنتاج:

تواجه مصر ظروفًا مناخية قاسية بشكل متزايد، خاصة ارتفاع درجات الحرارة في فصل الصيف. كثير من مناطق البلاد تتجاوز فيها الحرارة 40°م  خلال الصيف  مما يعرض الأبقار لإجهاد حراري شديد لفترات طويلة. هذا الإجهاد الحراري يؤدي إلى انخفاض شهية الماشية وتراجع إنتاجيتها من الحليب  كما قد يسبب اضطرابات صحية  والتي تخفض الكفاءة الإنتاجية على المدى الطويل.

وتشير الدراسات إلى أن هذه الآثار السلبية مرشحة للتفاقم مع ازدياد حدة التغير المناخي خلال العقود القادمة ما لم تتخذ تدابير تكيفية فعالة .

من جانب آخر، تعاني مصر من شح الموارد المائية وارتفاع تكاليف توفيرها للقطاع الزراعي . تحتاج الأبقار الحلوب إلى كميات كبيرة من المياه يوميًا للحفاظ على إنتاجها وصحتها ومع ندرة المياه وارتفاع تكلفة الطاقة اللازمة لضخها أو تبريدها تصبح إدارة مزارع الألبان أكثر صعوبة وكلفة. بهذا، يشكل تغير المناخ تحديا مزدوجا للقطاع عبر تأثيره المباشر على صحة وإنتاجية الماشية وتأثيره غير المباشر على وفرة الموارد الأساسية للإنتاج (كالمياه والأعلاف).

  1. 5. ضعف البحث العلمي والتطوير:

ما زال مستوى البحث العلمي والابتكار في مجال صناعة الألبان بمصر دون المأمول مما يحد من القدرة على إيجاد حلول محلية للمشكلات المزمنة في القطاع. فعلى صعيد تحسين السلالات المحلية مثلًا، لا تتوفر برامج تهجين وانتخاب وراثي واسعة النطاق ومستدامة . بل اعتمدت على استيراد السلالات أو المواد الوراثية كطريق أسهل لتحسين الإنتاج . هذا الحل وإن كان سريعا إلا أنه لا يغني عن بناء قواعد بحثية محلية لتحسين سلالات تتأقلم مع الظروف البيئية المصرية وتحقق إنتاجية عالية.

إضافة لذلك هناك ندرة في برامج الأبحاث التطبيقية التي تستهدف ابتكار تقنيات ملائمة للمربين المحليين  سواء في مجالات التغذية (كإنتاج أعلاف محلية ذات قيمة غذائية عالية) أو الصحة الحيوانية (كاللقاحات وتحسين خدمات البيطرة) أو التقنيات التصنيعية (لتقليل الفاقد ورفع الجودة).

ضعف التمويل المخصص للبحث والتطوير في المجالات الزراعية والحيوانية  وضعف الربط الفعال بين المراكز البحثية وقطاع الصناعة يؤدي إلى بطء نقل التكنولوجيا الحديثة إلى المزارع المصرية. وبالتالي تستمر المزارع بالاعتماد على ممارسات تقليدية أقل كفاءة  .

الفرص المتاحة لتوطين صناعة الألبان

على الرغم من التحديات المذكورة أعلاه  تتوفر العديد من الفرص والإمكانيات التي يمكن استغلالها لتحقيق طفرة في توطين صناعة الألبان في مصر:

  1. 1. تحسين السلالات المحلية عبر برامج التهجين والتطوير الوراثي: تمتلك مصر ثروة من الأبقار والجاموس المحلي القادر على إنتاج الحليب ويمكن رفع إنتاجيتها بشكل ملحوظ عبر تبني برامج تهجين مدروسة مع سلالات عالية الإدرار.
  2. على سبيل المثال، يمكن تهجين الأبقار البلدية بسلالات مثل الهولشتاين والفريزيان لإنتاج نسل يجمع بين تحمل الظروف المحلية والإنتاجية المرتفعة. مثل هذه البرامج تتطلب إنشاء مراكز لتحسين السلالات وتسجيل الأنساب واختيار أفضل الطلائق والأمهات لتحقيق تقدم وراثي سنوي.
  3. وقد أثبتت التجارب أنه عبر استخدام التلقيح الاصطناعي المنتظم بمادة وراثية محسّنة يمكن زيادة إنتاجية القطيع تدريجيًا جيلا بعد جيل . إن الاستثمار في هذا المجال سيؤدي إلى توفير سلالات محلية عالية الإنتاج تنافس السلالات المستوردة وتقلّل الحاجة إلى الاستيراد المستمر للماشية المحسنة.
  1. 2زيادة إنتاج الأعلاف محليًا لتقليل الاعتماد على الاستيراد: بدلًا من الارتهان لتقلبات أسواق الغذاء العالمية تمتلك مصر فرصة لتوسيع زراعة وإنتاج الأعلاف محليًا بشكل كبير. يمكن استصلاح المزيد من الأراضي لزراعة الذرة الصفراء وفول الصويا (أو بدائل بروتينية مثل دوار الشمس والقطن) لتأمين كسب وبروتين العلف إلى جانب التوسع في زراعة البرسيم الحجازي ومحاصيل الأعلاف الخضراء في الأراضي الجديدة.
  2. مثل هذه الخطوات ستحسّن من نسبة الاكتفاء الذاتي في الأعلاف التي تقف حاليًا عند ~35% فقط ، وتقلّل فاتورة الواردات من الحبوب والأعلاف. كما يمكن دعم إنشاء مصانع للأعلاف المركبة محليًا توفر خلطات متوازنة بأسعار تنافسية للمربين. إن زيادة إنتاج الأعلاف محليًا سيسهم أيضًا في استقرار أسعارها محليًا وحماية المربين من تذبذب الأسعار الخارجية، مما يدعم استقرار تكلفة إنتاج الحليب على المدى البعيد.
  3. الاستثمار في البنية التحتية عبر إنشاء مراكز تجميع متطورة وتحسين أنظمة النقل والتبريد: تعد مراكز تجميع الألبان الحديثة عصبا أساسيا لسلسلة قيمة الألبان . حيث تضمن جمع الحليب من المزراع الصغيرة وفحصه وتبريده قبل إرساله للتصنيع.
  4. خطت الدولة خطوات مهمة في هذا الصدد عبر تطوير وإنشاء مئات مراكز تجميع ألألبان المطورة في مختلف المحافظات ضمن مبادرات مثل مشروع “حياة كريمة”. هذه المراكز وغيرها من الاستثمارات المستقبلية في البنية التحتية ستساعد على تقليل الفاقد من الحليب وتحسين جودته عبر توفير التبريد السريع وتنقية الحليب من الشوائب قبل وصوله للمصانع.
  5. كذلك يمثل تحديث أسطول النقل المبرد أولوية لضمان توصيل الحليب الخام ومنتجاته بين مناطق الإنتاج والاستهلاك دون انقطاع سلسلة التبريد.
  6. الاستثمار في صهاريج نقل مبردة وإنشاء محطات تبريد إقليمية يمكن أن يقلل بشكل كبير من تلف الحليب خلال النقل. وبشكل عام  فإن تحسين البنية التحتية يرفع كفاءة سلاسل الإمداد، ويشجع المصانع على التوسع في مناطق إنتاج جديدة عندما تتوفر خدمات جمع وتبريد موثوقة.
  1. تشجيع القطاع الخاص على الاستثمار في التصنيع المحلي لمنتجات الألبان:

يمثل القطاع الخاص ركيزة مهمة لتطوير صناعة الألبان إذ يمكن من خلاله ضخ استثمارات كبيرة لإنشاء مصانع ألبان جديدة أو تحديث وتوسعة القائم منها. ينبغي للحكومة توفير مناخ جاذب لهذا الاستثمار عبر حوافز مثل الإعفاءات الضريبية المؤقتة على مشاريع التصنيع الغذائي  وتسهيل إجراءات الترخيص والحصول على الأراضي الصناعية وتيسير تمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة في هذا المجال.

عندما يرى المستثمرون فرص ربحية واضحة ودعما حكوميًا مستقرا، سيزداد اهتمامهم بإقامة مصانع جديدة للحليب المجفف أو الجبن أو الزبادي وغيرها لتلبية الطلب المحلي المتنامي. التصنيع المحلي لمنتجات الألبان يحقق قيمة مضافة أعلى من بيع الحليب الخام ويخلق فرص عمل في الصناعات التحويلية  ويقلل من استيراد هذه المنتجات المصنعة. ومع ارتفاع جودة المنتج المصري  يمكن أن تتوسع هذه المصانع للتصدير أيضا.

لذا فإطلاق شراكات بين الحكومة والقطاع الخاص (Public-Private Partnerships) في مشاريع الألبان وتوفير التمويل الميسر سيعجل بنمو القدرات التصنيعية المحلية.

  1. 5. إدخال التكنولوجيا الحديثة في عمليات الإنتاج والتصنيع لرفع الكفاءة والجودة:

تمثل التقنيات الحديثة فرصة ذهبية لتحسين إنتاجية قطاع الألبان المصري في كافة مراحله. فعلى صعيد المزارع و يمكن اعتماد أنظمة الحلب الآلي التي تزيد من نظافة وكفاءة عملية الحلب مقارنة بالطرق اليدوية  وتقلل الهدر وتحافظ على صحة ضرع الحيوان.  كذلك استخدام تقنيات الاستشعاروالإنترنت الزراعي  لمراقبة صحة الأبقار (مثل أجهزة قياس الحرارة والنشاط) يساعد في الكشف المبكر عن أي مشاكل صحية أو احتياجات غذائية  مما يحسّن معدلات الإنتاج والتكاثر.

أما في جانب التصنيع  فإن تحديث خطوط الإنتاج في مصانع الألبان يضمن منتجات أعلى جودة ووفق المعايير الدولية، سواء في بسترة الحليب أو تعبئته وتعقيمه أو تصنيع الجبن بطرق تقلل الفواقد وتزيد العمر التخزيني. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتكنولوجيا المساهمة في تطوير منتجات ألبان مبتكرة (كمنتجات خالية اللاكتوز أو مدعمة بالبروبيوتيك) تلبي أذواق شرائح جديدة من المستهلكين وتفتح أسواقًا إضافية.

إن تبني التكنولوجيا الحديثة يتطلب تدريب الكوادر البشرية على استخدامها وصيانتها  لذا فإن الاستثمار في برامج التدريب والتأهيل الفني هو جزء مكمل لإدخال هذه التقنيات. في المحصلة سيؤدي تحديث التكنولوجيا إلى تخفيض كلفة الإنتاج لكل وحدة وتحسين نوعية المنتج النهائي  مما يعزز تنافسية الألبان المصرية محليا وخارجيا.

  1. 6. فتح أسواق تصديرية جديدة لمنتجات الألبان المصرية لتعزيز التنافسية الدولية:

إلى جانب تلبية السوق المحلي  يمتلك قطاع الألبان المصري فرصا واعدة للتوسع في التصدير خاصة لمنتجات بعينها تمتلك فيها مصر ميزات نسبية مثل الجبن الأبيض والجبن المطبوخ. فتح أسواق جديدة يتطلب جهودا تسويقية ودبلوماسية لرفع الوعي بالمنتج المصري وترتيب اتفاقيات تجارية ملائمة.

على سبيل المثال يمكن استهداف أسواق إفريقية وعربية مجاورة تحتاج لاستيراد الألبان  حيث يمكن للمنتج المصري المنافسة سعرا وجودة إذا ما تم دعمه لوجستيًا وإجرائيًا. زيادة الصادرات لن تولّد عملة صعبة تدعم الاقتصاد فحسب  بل ستحفز المنتجين على الحفاظ على جودة عالية بشكل مستمر وتعزز سمعة مصر كمصدر موثوق لمنتجات الألبان في الخارج.

باختصار توطين الصناعة لا يعني الانكفاء على السوق المحلي فقط  بل يشمل أيضا تعزيز حضور مصر في أسواق الألبان العالمية واستثمار الفرص التجارية والإقليمية المتاحة.

التوصيات

لتحقيق أهداف توطين صناعة الألبان والاستفادة من الفرص المتاحة  فيما يلي مجموعة من التوصيات المقترحة:

  1. تطوير استراتيجية وطنية شاملة للقطاع: ينبغي وضع خطة استراتيجية متكاملة لتحديث صناعة الألبان وزيادة إنتاجيتها بمشاركة جميع الأطراف المعنية. تشمل الاستراتيجية أهدافًا رقمية محددة لزيادة الإنتاج وخفض الاستيراد خلال مدى زمني معين وتحدد الأدوار والمسؤوليات بين الوزارات (الزراعة، الصناعة، التموين، الصحة) لتحقيق تلك الأهداف. كما تتضمن إنشاء آلية لمتابعة التنفيذ والتقييم المستمر للتقدم المحرز ومعالجة أي معوقات.
  2. تحفيز الاستثمارات المحلية والأجنبية: تقديم حوافز مالية وضريبية لجذب المستثمرين إلى قطاع الألبان. يمكن إعفاء المعدات الرأسمالية لمشاريع الألبان من الجمارك، ومنح ائتمان ضريبي للمشروعات الجديدة لفترة محددة. أيضًا تسهيل إجراءات تخصيص الأراضي لإقامة مزارع الألبان ومعامل التصنيع وتبسيط تراخيص الإنشاء والتشغيل. مثل هذه الحوافز ستجعل القطاع أكثر جذبًا لرأس المال وتسرع وتيرة إنشاء مشاريع جديدة أو توسعة القائم منها.
  3. تعزيز البحث العلمي والتطوير: زيادة التمويل المخصص للأبحاث التطبيقية في مجالات تحسين سلالات الأبقار والجاموس المحلية، وإنتاج أعلاف عالية الجودة بكلفة منخفضة وتقنيات الإنتاج الأنظف. يمكن إنشاء برامج بحثية مشتركة بين الجامعات والمراكز البحثية من جهة والشركات العاملة في قطاع الألبان من جهة أخرى لضمان ارتباط الأبحاث باحتياجات الصناعة الفعلية. كذلك، إطلاق جوائز أو منح للمبتكرين في مجال تقنيات الألبان (مثلاً أجهزة تبريد منخفضة التكلفة للمزارع الصغيرة أو تطبيقات للذكاء الاصطناعي في إدارة القطيع) لتحفيز روح الابتكار والتطوير التقني.
  4. دعم صغار المربين ودمجهم في سلاسل التوريد الحديثة: يمثل صغار مزارعي ومربي الألبان الشريحة الكبرى من المنتجين في مصر لذا من المهم تمكينهم ليكونوا جزءا من عملية التطوير. يوصى بتوفير قروض ميسرة أو آليات تمويل متناهية الصغر لهؤلاء المربين لتمكينهم من شراء أبقار محسنة أو إنشاء حظائر حديثة أو الاشتراك في خدمات التأمين البيطري.

كما يجب دعم تأسيس جمعيات أو تعاونيات للمربين تتولى جمع إنتاجهم والتفاوض الجماعي لبيعه بأسعار مناسبة وكذلك تزويدهم بالأعلاف بأسعار مدعومة وبجودة عالية. وعبر دمج المربين الصغار في منظومة مراكز تجميع الألبان الحديثة  سيتمكنون من الوصول إلى خدمات الفرز والتبريد والنقل  مما يقلل الفاقد ويحسن دخلهم ويشجعهم على توسيع نشاطهم.

  1. 5. الاستثمار في إنشاء المزيد من مراكز التجميع والتبريد: على الرغم من التقدم المحرز في إقامة مراكز تجميع الألبان، لا تزال بعض المناطق المحتملة للإنتاج غير مخدومة بشكل كاف. توصي الخطة بالتوسع في إنشاء مراكز جديدة في المحافظات ذات الكثافة العالية للماشية وتأهيل المراكز القديمة بمعدات حديثة. كذلك، يمكن إشراك القطاع الخاص في إدارة هذه المراكز لضمان كفاءة التشغيل واستدامته. هدف هذه المراكز هو تقليل زمن انتقال الحليب من المزرعة إلى المصنع والحفاظ على جودته عبر سلسلة تبريد متكاملة، مما سيؤدي لرفع نسبة الحليب الصالح للتصنيع وزيادة ربحية كل من المربين والمصنعين.
  2. 6. إطلاق برامج تدريبية لبناء القدرات: لا يكتمل تطوير القطاع دون تطوير مهارات وقدرات العاملين فيه. لذا يوصى بإعداد برامج تدريب وإرشاد زراعي متخصصة لمربي الألبان لتعريفهم بأفضل الممارسات في تغذية الماشية ورعايتها الصحية وإدارة القطيع لزيادة الإنتاج.

كما تشمل هذه البرامج التدريبية جوانب إدارة المشروع الصغير والتسويق والتعاونيات لضمان تمكن المربين من التعامل التجاري الأفضل لمنتجاتهم. وبالمثل ينبغي تدريب العمال والفنيين في مصانع الألبان على التقنيات الحديثة في التصنيع والجودة والصيانة. ويمكن تنفيذ هذه البرامج بالتعاون بين وزارة الزراعة وكليات الطب البيطري والزراعة  ومع شركات القطاع الخاص الكبرى التي يمكن أن تساهم بخبراتها العملية. رفع كفاءة رأس المال البشري سيعظّم استفادة القطاع من أي استثمارات مادية تُضخ فيه.

  1. 7. تحسين سياسات الدعم الحكومي وتوجيهها بكفاءة: إعادة تقييم هيكل الدعم الحكومي المقدم لقطاع الألبان لضمان توجيهه نحو الأنشطة الأكثر أثرا. فقد يكون من المفيد تقديم دعم مباشر لمدخلات الإنتاج (كالأعلاف المحلية أو لقاحات الأمراض المتوطنة) لضمان توفرها بأسعار مناسبة للمربين.

كذلك، يمكن للحكومة أن تدعم أسعار الحليب الخام بهامش معين في أوقات ذروة الإنتاج (عندما تنخفض الأسعار بسبب الوفرة الموسمية) لضمان استقرار دخل المربين وعدم خروجهم من السوق. والأهم هو استقرار السياسات والتنظيمات بحيث يتمكن المستثمر والمربي من التخطيط على المدى الطويل في بيئة مشجعة وواضحة القواعد  تشمل إجراءات سلامة الغذاء والتفتيش الصحي وتنظيم الأسواق. وضمان الشفافية والعدالة في تطبيق المعايير على الجميع رسميين وغير رسميين سيدفع المنتجين للانضمام إلى المنظومة الرسمية وتحسين ممارساتهم.

  1. تعزيز الرقابة على الجودة ودعم القدرة التنافسية للتصدير: لضمان نجاح المنتجات المصرية في الأسواق المحلية والعالمية لا بد من تشديد الرقابة على جودة الحليب ومنتجات الألبان وفق المواصفات القياسية. يتضمن ذلك دعم الهيئة القومية لسلامة الغذاء للقيام بدورها في التفتيش والفحص الدوري لمراكز التجميع ومصانع الألبان والتأكد من التزامها بمعايير النظافة والصحة. كما يجب مساعدة المنتجين في الحصول على شهادات الجودة الدولية (مثل ISO وHACCP) التي أصبحت أساسية لدخول معظم الأسواق الخارجية.

بالإضافة إلى ذلك، يمكن إنشاء برامج تسويق ودعاية للصادرات المصرية من منتجات الألبان في المعارض الدولية وإيفاد بعثات تجارية للترويج للمنتج المصري وعقد اتفاقيات تصديرية. فالجمع بين جودة عالية ثابتة ودعم تسويقي حكومي سيفتحان أبوابًا جديدة أمام منتجات الألبان المصرية في الخارج  ويجعلان توطين الصناعة نقطة انطلاق نحو المنافسة عالميا.

خاتمة لتوطين صناعة الألبان في مصر

إن التوسع في توطين صناعة الألبان في مصر ليس خيارا ترفيهيا  بل هو ضرورة ملحة لضمان الأمن الغذائي وتحقيق التنمية المستدامة للأجيال الحالية والقادمة.

ورغم جساسية التحديات التي تواجه هذا القطاع الحيوي  فإن استغلال الفرص المتاحة وتطبيق التوصيات المقترحة من شأنه إحداث نقلة نوعية في مستوى إنتاج الألبان محليًا وتحسين كفاءته.

لقد أثبتت التجارب الدولية أن اعتماد التقنيات الحديثة والممارسات المستدامة يمكّن من التغلب على معظم التحديات وتعظيم الاستفادة من الفرص ، إلا أن ذلك يتطلب تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمزارعين والجهات العلمية معا في بوتقة واحدة . فقط عبر شراكة حقيقية بين كافة أصحاب المصلحة يمكن بناء قطاع ألبان قوي ومستدام يُلبّي احتياجات السوق المحلية  بل ويتجاوزها إلى التصدير والمنافسة.

باختصار إن مستقبل صناعة الألبان المصرية واعد شريطة استمرار الدعم والالتزام من جميع الأطراف  فبذلك نستطيع تحقيق التوطين المنشود وتعزيز دور هذا القطاع كدعامة أساسية للأمن الغذائي والاقتصاد الوطني في مصر.

  • المراجع

 

  • وزارة التجارة والصناعة المصرية. (2020). رسالة الوزارة حول تبني التكنولوجيا وتوطين الصناعة وزيادة القيمة المضافة للمنتجات المحلية.
  • وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية. (2016). استراتيجية التنمية المستدامة: رؤية مصر 2030 – وثيقة حكومية تؤكد تعميق المكون المحلي في الصناعة.
  • الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء. (2020). بيانات إحصائية حول مساهمة قطاع الألبان في الإنتاج الحيواني والزراعي في مصر.
  • الاتحاد الدولي للألبان (IDF). (2022). تقرير عن إنتاج واستهلاك الألبان عالميًا – تقديرات الفجوة الإنتاجية في مصر.
  • غرفة الصناعات الغذائية. (2020). تقرير حول استهلاك الجبن ومنتجات الألبان في السوق المصرية.
  • زين العابدين، علي. “توطين سلاسل التوريد في مصر: السياسات والبرامج بالتطبيق على سلسلة توريد الألبان ومنتجاتها.” المجلة المصرية للتنمية والتخطيط، معهد التخطيط القومي، 2021.
  • تطوير إنتاج وتصنيع وتسويق الألبان لدى صغار المزارعين في الوطن العربي.” المنظمة العربية للتنمية الزراعية، 2005.
  • “استراتيجية توطين المشروعات الصناعية في مصر.” مركز الدراسات التخطيطية والمعمارية، 2013.
  • “تطوير إنتاج وتصنيع وتسويق الألبان لدى صغار المزارعين في الوطن العربي.” المنظمة العربية للتنمية الزراعية، 2005.

 

زر الذهاب إلى الأعلى