الجزائر والاكتفاء الذاتي من القمح: بين الطموح والواقع

تعد الجزائر من أكبر مستوردي القمح في العالم من حيث نصيب الفرد، ما يعكس اعتمادها الكبير على الإمدادات الخارجية لتلبية احتياجات سكانها. ورغم وجود أراضٍ واسعة وجهود حكومية لإنعاش الزراعة، لا يزال تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح هدفًا بعيد المنال، ما يثير تساؤلات حول مدى واقعية هذا الطموح.
ارتفاع الطلب والناتج المحلي المحدود
يزداد الطلب على القمح في الجزائر نتيجة لاعتماده في أطعمة رئيسية مثل الخبز والكسكس والمعكرونة، ومع تجاوز عدد السكان 45 مليون نسمة، يُتوقع استمرار ارتفاع الاستهلاك، خاصة في المناطق الحضرية.
في المقابل، لم يشهد الإنتاج المحلي تحسنًا ملحوظًا بسبب ضعف أنظمة الري، تقلبات الطقس، محدودية الميكنة، وضعف أصناف البذور. كما أن الأراضي الزراعية في الهضاب العليا والجنوب لا تزال غير مستغلة بشكل كافٍ.
الاستراتيجية الزراعية الجديدة
تسعى الحكومة الجزائرية إلى تعزيز الإنتاج عبر الاستثمار في تقنيات الزراعة الحديثة، وتوسيع رقعة الأراضي المزروعة في مناطق مثل الوادي وتيميمون وأدرار، باستخدام تقنيات الري المحوري.
رغم تحقيق بعض النجاحات في المشاريع التجريبية، تواجه هذه الاستراتيجية تحديات كبيرة، منها ضعف البنية التحتية، نقص العمالة، وارتفاع التكاليف، مما يبطئ التوسع الزراعي.
معادلة الاكتفاء الذاتي
رغم تكرار الحديث الرسمي عن الاكتفاء الذاتي، تواصل الجزائر استيراد أكثر من 7 ملايين طن من القمح سنويًا، حتى في المواسم الجيدة.
وتؤثر الظواهر المناخية، خصوصًا الجفاف في المناطق الزراعية الشمالية، على استقرار الإنتاج. كما أن غياب استثمارات كافية في إدارة المياه الحديثة يعيق تحقيق الاكتفاء.
النمو السكاني والضغط الحضري
يساهم النمو السكاني السريع في زيادة الطلب الغذائي، خاصة في المدن الكبرى مثل الجزائر العاصمة ووهران وقسنطينة، حيث يعتمد السكان بشكل كبير على الأغذية المعتمدة على القمح.
ولا تقتصر التحديات على الزراعة فقط، بل تمتد إلى تحسين التخزين واللوجستيات لضمان كفاءة توزيع الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الواردات.
رؤية بحاجة إلى تنفيذ واقعي
يبقى تحقيق الاكتفاء الذاتي من القمح في الجزائر هدفًا طموحًا يتطلب تحسينات واسعة في الغلة الزراعية والبنية التحتية. ورغم توفر استراتيجية زراعية طموحة، فإن تنفيذها يتطلب التزامًا طويل الأمد، استثمارًا فعّالًا، وتجاوز العقبات البنيوية.
حتى ذلك الحين، سيظل الاكتفاء الذاتي من القمح هدفًا مؤجلًا، ما لم تتحول الوعود إلى أفعال ملموسة على الأرض.