بحوث ومنظماتبيزنستقاريرحوارات و مقالات

د دعاء بدوي تكتب: الإتجاهات المستقبلية لإستخدام المواد المضافة في الصناعات الغذائية

قسم تكنولوجيا الحاصلات البستانية -معهد بحوث تكنولوجيا الأغذية- مركز البحوث الزراعية – مصر

عندما تتجول في ممرات السوبر ماركت اليوم، غالبًا ما تتساءل عن السر وراء بقاء العديد من المنتجات طازجة لفترة طويلة أو كيف تكتسب ألوانًا زاهية ونكهات مميزة. الإجابة تكمن في المواد المضافة الغذائية. هذه المواد هي أي مكون لا يُستهلك كغذاء بحد ذاته،

ولكن يُضاف عمدًا لتحقيق أغراض تكنولوجية معينة خلال مراحل إنتاج الغذاء ومعالجته وتعبئته وتخزينه. يمكن أن تكون هذه المواد طبيعية أو اصطناعية، وقد تمتد جذور استخدامها إلى عصور ما قبل التاريخ مع استخدام الملح والدخان للحفظ، وصولًا إلى التطور الهائل في الكيمياء الغذائية خلال القرنين التاسع عشر والعشرين.

لماذا نستخدم المواد المضافة في الصناعات الغذائية؟

تلعب المواد المضافة دورًا حيويًا في الصناعة الغذائية الحديثة، ويمكن تلخيص أسباب استخدامها الرئيسية فيما يلي:
• تحسين الحفظ وإطالة العمر الافتراضي: تُعد هذه الوظيفة من أهم الأسباب، إذ تمنع المواد الحافظة تلف الأغذية الناتج عن نمو الكائنات الدقيقة أو التفاعلات الكيميائية، مما يقلل من الفاقد الغذائي ويتيح نقل المنتجات وتخزينها لفترات أطول.
• تحسين اللون والمظهر: تُضاف الملونات الغذائية لجعل الطعام أكثر جاذبية بصرية، سواء لتعويض فقدان اللون أثناء المعالجة أو لإضفاء لون مميز.
• تحسين النكهة والرائحة: تستخدم المحليات ومحسنات النكهة لإضافة أو تعزيز الطعم والرائحة، مما يجعل المنتج أكثر استساغة.
• تحسين القوام والملمس: تساعد المثبتات والمكثفات والمستحلبات في تحقيق والحفاظ على القوام المطلوب، مثل السماكة الكريمية للصلصات أو منع انفصال المكونات.
• تحسين القيمة الغذائية: في بعض الحالات، تُضاف الفيتامينات والمعادن لتعزيز القيمة الغذائية للمنتج.
• تسهيل عملية التصنيع: بعض المواد المضافة تسهل عمليات الإنتاج، مثل المواد المضادة للتكتل التي تمنع التصاق المساحيق.

تصنيف ووظائف المواد المضافة في الصناعات الغذائية

يمكن تصنيف المواد المضافة الغذائية إلى عدة فئات رئيسية بناءً على وظائفها:
1. المواد الحافظة (Preservatives): تعمل على إطالة العمر الافتراضي للأغذية.

 مضادات الميكروبات: تمنع نمو البكتيريا والفطريات، ومن أمثلتها:

 البنزوات: (مثل بنزوات الصوديوم) شائعة في المشروبات الغازية والعصائر.
 السوربات: (مثل سوربات البوتاسيوم) فعالة ضد الفطريات والخمائر في منتجات الألبان والمخبوزات.
 النيتريت والنيترات: تستخدم في اللحوم المصنعة لمنع نمو بكتيريا Clostridium botulinum.
 السلفيت: تستخدم لحفظ الفواكه المجففة والنبيذ، وقد تسبب حساسية لدى البعض.

مضادات الأكسدة:

تمنع أو تبطئ عملية الأكسدة التي تسبب تزنخ الدهون وتغير اللون، ومن أمثلتها:
 BHA وBHT: مضادات أكسدة اصطناعية في الزيوت والدهون.
 حمض الأسكوربيك وفيتامين هـ: مضادات أكسدة طبيعية.
2. الملونات الغذائية (Food Colorings): تُضاف لإضفاء أو استعادة اللون، وتنقسم إلى:
o الملونات الطبيعية: مستخلصة من مصادر طبيعية مثل: البيتا كاروتين (جزر)، الأنثوسيانين (توت)، الكلوروفيل (نباتات خضراء)، والكركمين (كركم).
o الملونات الاصطناعية: مركبات كيميائية مصنعة تعطي ألوانًا زاهية ومستقرة، مثل التارترازين (E102)، الأزوربين (E122)، وبريليانت بلو إف سي إف (E133). بعضها قد يرتبط بفرط النشاط لدى الأطفال.
3. المحليات (Sweeteners): تُستخدم لإضافة مذاق حلو، وتنقسم إلى:
o المحليات الطبيعية: مثل العسل، شراب القيقب، وسكر الفواكه (الفركتوز).
o المحليات الاصطناعية (غير السكرية): توفر حلاوة عالية بسعرات حرارية قليلة، مثل الأسبارتام (E951)، السكرين (E954)، السكرالوز (E955)، والأستيفيا (E960).
4. محسنات النكهة (Flavor Enhancers): تعزز النكهات الطبيعية الموجودة في الطعام، وأبرزها:
o الغلوتامات أحادية الصوديوم (MSG – E621): ملح حمض الغلوتاميك، يُستخدم لتعزيز النكهة المالحة واللذيذة (Umami).
o النيوكليوتيدات (مثل ثنائي الصوديوم غوانيلات E627) : تستخدم لتعزيز النكهة بشكل تآزري مع MSG.
5. المثبتات والمكثفات والمستحلبات (Stabilizers, Thickeners, and Emulsifiers): تساعد في الحفاظ على القوام والملمس المرغوب فيه.
o المثبتات: تحافظ على الحالة الفيزيائية والكيميائية للغذاء، مثل الصمغ العربي (E414) والكاراجينان (E407).
o المكثفات: تزيد من لزوجة الطعام، مثل النشاء المعدل والدقيق.
o المستحلبات: تساعد في مزج مادتين غير قابلتين للامتزاج (كالزيت والماء)، مثل الليسيثين (E322) وأحادي وثنائي الجليسريدات (E471).
6. الأحماض والقواعد (Acids and Bases): تُستخدم لتعديل درجة الحموضة (pH)، مما يؤثر على النكهة والحفظ.
o الأحماض: حمض الستريك (E330)، حمض اللاكتيك (E270)، وحمض الأسيتيك (E260).
o القواعد: هيدروكسيد الصوديوم (E524)، كربونات الصوديوم (E500).
7. المواد المضادة للتكتل (Anticaking Agents): تضاف للمساحيق لمنعها من التكتل، مثل سيليكات الكالسيوم (E552) وثاني أكسيد السيليكون (E551).
8. الغازات الداعمة (Propellants and Packaging Gases): تستخدم في التعبئة أو لتوفير بيئة حافظة، مثل النيتروجين (E941) وثاني أكسيد الكربون (E290).

سلامة المواد المضافة الغذائية والتأثيرات الصحية المحتملة

قبل السماح باستخدام أي مادة مضافة، تخضع لعملية تقييم سلامة صارمة من قبل هيئات تنظيمية عالمية ومحلية (مثل FDA، EFSA، NFSA). تتضمن هذه العملية دراسات سمية لتحديد الجرعة القصوى التي لا تحدث تأثيرًا ضارًا (NOAEL)، ثم تحديد الجرعة اليومية المقبولة (ADI) عن طريق قسمة NOAEL على عامل أمان. يُقارن التعرض الغذائي المقدر بالـ ADI لتقييم المخاطر.
على الرغم من هذه التقييمات الصارمة، لا تزال هناك بعض المخاوف الصحية المحتملة المرتبطة ببعض المواد المضافة:
• الحساسية وردود الفعل التحسسية: بعض المواد، مثل السلفيت والتارترازين وMSG، يمكن أن تثير ردود فعل تحسسية لدى الأفراد الحساسين.
• فرط النشاط لدى الأطفال: ربطت بعض الدراسات بين استهلاك بعض الملونات الاصطناعية وزيادة أعراض فرط النشاط لدى الأطفال.
• مشاكل الجهاز الهضمي: أثارت بعض الدراسات مخاوف بشأن تأثير الكاراجينان على التهابات الأمعاء.
• التسرطن المحتمل: أثيرت مخاوف تاريخيًا بشأن إمكانية تسبب بعض المواد في السرطان، لكن الهيئات التنظيمية تعتبر المواد المعتمدة آمنة بالكميات المسموح بها.
• تأثيرات أخرى محتملة: دراسات مستمرة تبحث في تأثير المحليات الاصطناعية على الشهية والتمثيل الغذائي، أو تأثير بعض المواد الحافظة على الميكروبيوم المعوي.
من المهم التمييز بين الحساسية (Allergy)، وهي رد فعل مناعي قد يكون شديدًا، وعدم التحمل (Intolerance)، وهو رد فعل غير مناعي وأقل حدة غالبًا ما يقتصر على الجهاز الهضمي.
لتسهيل التعرف على المواد المضافة، تم تطوير نظام “الرقم E” في أوروبا، ويستخدم دوليًا. يشير هذا الرقم إلى فئة المادة المضافة ورقم تعريفها (مثلاً E1xx للملونات، E2xx للمواد الحافظة). تساعد قراءة ملصقات الطعام، التي يجب أن تتضمن قائمة كاملة بالمكونات وأرقام E، المستهلكين على اتخاذ خيارات غذائية مستنيرة.

الاتجاهات الحالية والمستقبلية في مجال المواد المضافة إلي الصناعات الغذائية

يشهد مجال المواد المضافة تطورات مستمرة مدفوعة بتفضيلات المستهلكين المتغيرة، والتقدم التكنولوجي، والوعي المتزايد بالقضايا الصحية والبيئية:
• الطلب المتزايد على الأغذية الطبيعية والعضوية: يبحث المستهلكون بشكل متزايد عن قوائم مكونات قصيرة وشفافة، ويفضلون المنتجات التي تعتمد على طرق حفظ ونكهة طبيعية.
• البحث عن بدائل طبيعية: هناك جهود مكثفة لاستكشاف واستخدام بدائل طبيعية للمواد المضافة الاصطناعية، مثل مستخلصات الأعشاب والتوابل كمواد حافظة، والملونات والمحليات الطبيعية (مثل ستيفيا)، ومستخلصات الخميرة كمحسنات نكهة.
• التكنولوجيا والابتكار: تستمر الأبحاث في تطوير مواد مضافة أكثر أمانًا وفعالية، مثل المواد المضافة النانوية (لا تزال قيد البحث) والتغليف النشط والذكي الذي يمكنه إطلاق مواد حافظة ببطء أو مراقبة حالة الطعام.
• الاستفادة من المنتجات الثانوية الزراعية والغذائية: اهتمام متزايد بتحويل المخلفات الزراعية إلى مواد مضافة قيمة، مما يساهم في الاستدامة.
• دور المستهلك: يلعب المستهلك دورًا حاسمًا من خلال الضغط على الشركات المصنعة لتقديم منتجات بقوائم مكونات أنظف وشفافة.
المواد المضافة الغذائية في مصر والعالم العربي

تولي الحكومات في مصر والدول العربية اهتمامًا متزايدًا بسلامة الأغذية وتنظيم استخدام المواد المضافة. غالبًا ما تستند اللوائح المحلية إلى المعايير الدولية لهيئة دستور الأغذية (Codex Alimentarius).
• مصر: تتولى الهيئة القومية لسلامة الغذاء (NFSA) مسؤولية وضع وتنفيذ اللوائح المتعلقة بالمواد المضافة، وتحدد القوائم المسموح بها والحدود القصوى.
• الدول العربية الأخرى: تختلف اللوائح، ولكن هناك اتجاه عام نحو تبني معايير دولية مع بعض التعديلات المحلية.
تشمل المواد المضافة الأكثر شيوعًا في المنتجات المحلية المواد الحافظة كالبنزوات والسوربات، والملونات الاصطناعية، والمحليات مثل الأسبارتام، ومحسنات النكهة كـ MSG، والمثبتات والمكثفات كالصمغ العربي والنشا المعدل.
تواجه المنطقة تحديات في تطبيق وإنفاذ اللوائح، ونقص الموارد والقدرات الرقابية، ومراقبة المنتجات المستوردة. ومع ذلك،

هناك فرص من خلال تعزيز التعاون الإقليمي، وزيادة وعي المصنعين، والاستثمار في القدرات الرقابية. يزداد وعي المستهلك العربي بقضايا سلامة الأغذية والمواد المضافة، مدفوعًا بدور وسائل الإعلام والطلب المتزايد على المنتجات العضوية والطبيعية، ولكن لا يزال هناك حاجة لمزيد من التثقيف لتمكين المستهلك من اتخاذ خيارات غذائية مستنيرة.

تعد المواد المضافة جزءًا لا يتجزأ من صناعة الأغذية الحديثة، لما لها من فوائد في حفظ الأغذية وتحسين مظهرها ونكهتها. ومع ذلك، فإن سلامتها وتأثيراتها الصحية المحتملة تظل محور اهتمام كبير.

تتطلب إدارة استخدام المواد المضافة تحقيق توازن دقيق بين فوائدها واحتياجات الصناعة والمستهلكين، مع ضمان وجود لوائح ورقابة فعالة لحماية صحة المستهلك.

 

زر الذهاب إلى الأعلى