د أحمد حجاب يكتب: الري الذكي…حلول مبتكرة لمواجهة تحديات المياه وتغير المناخ في مصر

باحث قسم بحوث الأرصاد الجوية الزراعية- المعمل المركزى للمناخ الزراعى- مركز البحوث الزراعية
مقدمة
في ظل التحديات المناخية المتزايدة وندرة الموارد المائية، تبرز أنظمة الري الذكي كحل استراتيجي لمصر والتي تعاني من انخفاض حصة الفرد من المياه لتصل إلى 500 متر مكعب سنوياً، وهي أقل بكثير من خط الفقر المائي العالمي. ومع التوسع الأفقي في الزراعة عبر مشروعات مثل الدلتا الجديدة يصبح تبني تقنيات الري الذكي ضرورة وليس خياراً لضمان الأمن الغذائي والمائي.
ويستعرض هذا المقال أهمية الري الذكي في مواجهة هذه التحديات المعقدة.
التحديات المائية والمناخية التي تواجه مصر
تواجه مصر تحديات جسيمة في مجال الموارد المائية، حيث تعتمد بنسبة كبيرة على مياه نهر النيل، بينما تقلصت حصة الفرد السنوية من المياه إلى مستويات تنذر بالأزمات. في نفس الوقت تؤثر التغيرات المناخية سلباً على الزراعة من خلال:
- تغير أنماط هطول الأمطار وزيادة فترات الجفاف
- ارتفاع درجات الحرارة مما يزيد من معدلات تبخر المياه
- زيادة ملوحة التربة بسبب ارتفاع منسوب مياه البحر
- تزايد الظواهر الجوية المتطرفة مثل العواصف والفيضانات
هذه العوامل مجتمعة تهدد الإنتاج الزراعي وتزيد من الضغط على الموارد المائية الشحيحة أصلاً، مما يستدعي حلولاً غير تقليدية مثل أنظمة الري الذكي.
مزايا الري الذكي في التغلب على التحديات المائية
- تقدم أنظمة الري الذكي حزمة من الحلول الذكية التي تتجاوز حدود الأنظمة التقليدية:
- ترشيد استهلاك المياه وزيادة الكفاءة
تعتمد أنظمة الري الذكي على تقنيات متطورة مثل أجهزة استشعار رطوبة التربة، محطات الأرصاد الجوية، وأنظمة التحكم الآلي التي تُوفر المياه والطاقة بنسبة اكبر مقارنةً بالري التقليدي.
- زيادة الإنتاجية الزراعية وجودة المحاصيل
تُسهم أنظمة الري الذكي في زيادة الإنتاجية من خلال توفير الكمية الدقيقة من المياه التي يحتاجها النبات في الوقت المناسب. كما تُقلل هذه الأنظمة من الأمراض النباتية الناتجة عن زيادة الرطوبة مما يحسن جودة المحاصيل ويزيد من قابليتها للتصدير.
- التكيف مع التغيرات المناخية
تمكن أنظمة الري الذكي المزارعين من التكيف مع التقلبات المناخية من خلال:
- – تعديل المقننات المائية وجدولة الري تلقائياً بناءً على بيانات الطقس
- – وقف الري تلقائياً عند هطول الأمطار
- – تشغيل أنظمة الري الطارئة عند استشعار ظروف مناخية قاسية
- دعم التوسع الأفقي في الزراعة
مع توجه الدولة لاستصلاح ملايين الأفدنة الجديدة في مشروعات مثل الدلتا الجديدة، يصبح الري الذكي حجر الزاوية لضمان استدامة هذه المشروعات في ظل محدودية الموارد المائية. تسمح هذه الأنظمة بزراعة مساحات أكبر بنفس كمية المياه أو أقل.
- التكامل مع الطاقة المتجددة
يمكن دمج أنظمة الري الذكي مع حلول الطاقة الشمسية، مما يقلل من تكاليف التشغيل ويجعلها ملائمة للمناطق النائية التي تفتقر إلى شبكات الكهرباء، وهو ما ينعكس إيجاباً على التوسع الزراعي في المناطق الصحراوية.
جهود مصر في تبني الري الذكي
تبذل مصر جهوداً كبيرة لتعميم أنظمة الري الذكي، ومن أبرز هذه الجهود:
- – التوسع في استخدام أنظمة الري الحديثة وبالأخص في الأراضي المستصلحة حديثاً
- قيام بعض قطاعات الدولة ومنظمات المجتمع المدني في توعية المزارعين بأهمية أنظمة الزراعة الذكية ومن بينها الري الذكي.
- – إطلاق تطبيق “إروي” المجاني لإرشاد المزارعين للكميات المناسبة للري
- – التعاون مع الدول المختلفة لنقل الخبرات في مجال الري الحديث
- – تنفيذ مشروع الإدارة الذكية للموارد المائية في بعض محافظات الجمهورية
التحديات وسبل التغلب عليها
رغم الفوائد الكبيرة لأنظمة الري الذكي، إلا أن هناك تحديات تواجه انتشارها الواسع:
- – التكلفة العالية للأنظمة المتطورة
- – الحاجة إلى توعية وتدريب المزارعين على استخدام التقنيات الحديثة
- – متطلبات البنية التحتية التكنولوجية مثل الاتصال بالإنترنت الخ
يمكن التغلب على هذه التحديات من خلال:
- – تقديم قروض ميسرة للمزارعين
- – تنظيم مدارس حقلية وبرامج تدريبية
- – تطوير حلول تكنولوجية بسيطة ومنخفضة التكلفة
- – تعزيز الشراكات مع القطاع الخاص والمنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني والجمعيات الأهلية.
مستقبل الري الذكي في مصر
تمتلك مصر فرصة ذهبية لتصبح رائدة في هذا المجال إقليمياً والذي سيسهم بدوره في:
- – تحقيق الأمن المائي والغذائي
- – تعزيز الصادرات الزراعية
- – تحسين مستوى معيشة المزارعين
- – الحفاظ على الموارد المائية للأجيال القادمة
- – التكيف مع التغيرات المناخية المتسارعة
ومن هذا المنطلق فإن الري الذكي ليس مجرد تقنية حديثة، بل هو ركيزة أساسية لاستراتيجية مصر في تحقيق التنمية الزراعية المستدامة في ظل ندرة المياه وتزايد السكان والتحديات المناخية. يتطلب تعميم هذه الأنظمة تضافر جهود الحكومة والقطاع الخاص والمزارعين والمجتمع الدولي لتحقيق النجاح المنشود.