د منتصر الحسناوي يكتب : النحل وهجوم «الفاروا» على المنطقة العربية

خبير عربي في تربية النحل وإنتاج العسل – العرلق
لم تكن خلايا النحل في الشرق الأوسط تعرف هذا الضيف الثقيل انه طفيل الفاروا الذي يجثو على اجسام النحل ويمتص من اجسامها ليعيش .
عاش النحل زمناً طويلاً على نمط الطبيعية، تهندس شمعها، وتدير مملكتها بدقة الخلق ونظام الخلية.
لكن في سبعينيات القرن الماضي، جاءت الرياح بما لم تشتهِه المناحل. تسلّل الفاروا… متطفّلٌ لا يعرف الانتماء، رُحّل من آسيا مع تنقّل النحل بين الدول، ودخل إلى المنطقة بلا استئذان، لكنه ما إن دخل حتى تصرّف وكأنه صاحب الدار.
انتشر أولاً في تركيا، ثم بدأ يزحف عبر خطوط التجارة والتربية إلى بلاد الشام، فإلى العراق ومصر والخليج.
لم تَكُن الحدود محصّنة، فكل خلية فتحت بابها دون علم بما ينتظرها، والنتيجة كانت كارثية.
في البداية، لم يُدرك النحّالون خطورة الفاروا، ظنّوه ضيفاً عابراً أو عرضاً موسمياً يمكن تجاوزه، لكن الطفيلي كان ينمو بصمتٍ، يراقب عن كثب ثم يضرب فجأة:
يمتص دم اليرقات، ينشر الفيروسات، يضعف النحل، يُربك الملكات، ويخلخل الأمن الصحي للخلية.
وما أن يترسّخ في الزوايا حتى ينهار كل شيء دون طلقة واحدة.
في الثمانينات كان المشهد في العراق نموذجاً للفاجعة:
كانت البلاد تملك أكثر من 500 ألف خلية تُعدّ من ثرواتها الزراعية المميزة. لكن بعد دخول الفاروا انهارت الجيوش النحلية وتقلّص العدد إلى أقل من 20 آلاف خلية.
وقد لا يكون الفاروا وحده هو المسؤول…
ثمة من سهّل له الدخول ومن أبقى الخلايا مفتوحة ومن لم يأبه بتحذيرات الباحثين ومن ربط مصير المناحل بعلاجات مستوردة لا تصل إلا متأخرة…
وما زال الحديث عن الفاروا، فلا تذهبوا بعيداً.
ولم يكن العراق وحده من دفع الثمن، فمعظم بلدان المنطقة أصابها ما أصابنا بدرجات متفاوتة.
لبنان، سوريا، إيران… جميعها وقعت في الفخ، وبعضها لا يزال يقاتل بأدوات قديمة في حرب بيولوجية متجددة.
لكن الأمل لا يموت:
ففي بعض الدول، ظهرت سلالات تقاوم، طوّرت سلوكاً صحياً، تُنظّف خلاياها، وتطرد المتطفل، وتُرمّم نظامها الداخلي بنفسها.
أما في أوطاننا، فذلك السلوك لم يترسّخ بعد فلا زال النحل تحت وطأة الاحداث وتراكمات يحاول ان يستعيد توازنه …
ننتظر، كما ننتظر دائماً.
وبين هذا وذاك، لا تزال الفاروا تتحرك في خلايا المنطقة كما لو كانت تعرف تضاريسها وتاريخها، وتراهن على ضعف المناعة الجمعية.
فما أشبه الطفيلي بمن يختبئ خلفه…
وما أشبه المناحل بالأوطان حين تُترك بلا رعاية ولا مقاومة ولا سلالة واعية!