د علي إسماعيل يكتب: تأثير تعطل سلاسل الإمدادات علي مشروعات الإستصلاح والإنتاج الحيواني والسمكي

أستاذ إدارة الأراضي والمياه – مركز البحوث الزراعية- مصر
يشكل الأمن الغذائي دعامة أساسية للأمن القومي، خاصة في الدول النامية ذات التعداد السكاني الكبير مثل مصر. وقد كشفت الأزمات العالمية الأخيرة، وعلى رأسها جائحة “كوفيد-19” والحرب الروسية الأوكرانية، مدى هشاشة سلاسل الإمداد العالمية، وأثرها المباشر على الدول التي تعتمد على الاستيراد لتلبية جزء كبير من احتياجاتها الغذائية، ومنها مصر.
وفي ظل هذه المتغيرات، برزت المشروعات القومية الكبرى في مجال استصلاح الأراضي، وتنمية الإنتاج الحيواني والسمكي، كأدوات استراتيجية لتقليل الاعتماد على الخارج، وتحقيق الأمن الغذائي المستدام.
أولًا: تعطل سلاسل الإمداد وتأثيره على الأمن الغذائي المصري
1. الأزمات الدولية وتبعاتها
أدى تعطل سلاسل الإمداد العالمية إلى ارتفاع أسعار الغذاء، وتراجع توافر مدخلات الإنتاج الزراعي من أسمدة وبذور وأعلاف، ما نتج عنه:
- زيادة تكلفة الإنتاج المحلي.
- انخفاض الاحتياطي الاستراتيجي لبعض السلع.
- ارتفاع معدلات التضخم الغذائي.
2. الاعتماد على الاستيراد
تستورد مصر نسبًا كبيرة من احتياجاتها الأساسية، من بينها:
- القمح (أكثر من 60%).
- الزيوت النباتية (أكثر من 90%).
- اللحوم الحمراء ومنتجات الألبان.
هذا الاعتماد يجعل البلاد عرضة لتقلبات الأسواق العالمية، ويؤكد أهمية التوسع في الإنتاج المحلي.
ثانيًا: مشروعات استصلاح الأراضي ودورها في تحقيق الأمن الغذائي
1. مشروع “الدلتا الجديدة“
مشروع قومي عملاق يمتد على أكثر من 2.2 مليون فدان غرب الدلتا، يهدف إلى إقامة مجتمعات زراعية وعمرانية وصناعية جديدة.
مشروع “مستقبل مصر“: القلب النابض للدلتا الجديدة
يُعد مشروع “مستقبل مصر” أحد المكونات الرئيسية لمشروع “الدلتا الجديدة”، ويقع على محور الضبعة، شمال طريق القاهرة – الواحات، قرب الدلتا القديمة، مما يسهل الربط بين مناطق الإنتاج والأسواق والموانئ.
- المساحة: أكثر من 1.5 مليون فدان.
- الهدف: إنتاج محاصيل استراتيجية مثل القمح، الذرة، الفول، بنجر السكر، عباد الشمس.
- نُظم الري: ري محوري وتنقيط، باستخدام مياه صرف زراعي معالجة ثلاثيًا من محطات مثل “المحسمة” و”الحمام”، بجانب المياه الجوفية.
- المكونات:
- مجمعات زراعية وصناعية متكاملة.
- مصانع لتعبئة وتغليف الخضر والفاكهة.
- وحدات إنتاج أعلاف ومخصبات.
- شبكة طرق ومحطات طاقة وبنية تحتية متطورة.
- الجدوى:
- يوفر أكثر من 200 ألف فرصة عمل.
- يقلص الفجوة في الحبوب والزيوت والسكر.
- يعزز القدرة التصديرية.
- يُعد نموذجًا للتوسع الزراعي الذكي والمستدام في الصحراء الغربية.
2. التوسع في سيناء وتوشكى والعوينات
- شرق العوينات: استصلاح أكثر من 220 ألف فدان لزراعة محاصيل استراتيجية وتصديرية (مثل العنب والفول السوداني).
- توشكى: استصلاح أكثر من 500 ألف فدان ضمن رؤية مصر 2030، باستخدام مياه نهر النيل عبر قناة الشيخ زايد.
- الوادي الجديد: (الداخلة، الخارجة، الفرافرة) تشهد توسعًا زراعيًا ضمن مبادرات “حياة كريمة” و”مستقبل مصر الجديد”، بالاعتماد على المياه الجوفية العميقة.
الأثر على الأمن الغذائي
- زيادة إنتاج القمح والزيوت والسكر.
- تقليل فجوة الاستيراد.
- دعم الصادرات الزراعية.
- تعزيز استدامة الزراعة في بيئات صحراوية.
- خلق فرص عمل وتنمية عمرانية متكاملة.
ثالثًا: تنمية الإنتاج الحيواني لتقليص الفجوة البروتينية
1. المبادرات الوطنية
- مشروع تسمين البتلو وتحسين السلالات المحلية.
- دعم صغار المربين بقروض ميسرة.
- تحسين منظومة الأعلاف والتحصينات البيطرية.
2. تطوير المجازر ومراكز تجميع الألبان
- تحسين جودة وسلامة المنتجات الحيوانية.
- دعم التصنيع الغذائي وتقليل الفاقد.
3. التربية الصناعية
- إقامة مزارع حديثة بأنظمة متطورة للإنتاج والإدارة البيطرية.
رابعًا: الاستزراع السمكي كمورد بروتيني مستدام
1. مشروعات كبرى
- مشروع غليون (كفر الشيخ): أكبر مجمع للاستزراع السمكي في المنطقة.
- مشروع الفيروز، بحر البقر، وتطوير بحيرة السد العالي.
- تطوير أسطول الصيد وتحديث منظومة الاستزراع السمكي .
2. النتائج المحققة
- إنتاج أكثر من 2 مليون طن من الأسماك سنويًا.
- تحسين نصيب الفرد من البروتين.
- خلق فرص عمل في المناطق الساحلية.
خامسًا: التحديات الراهنة والمستقبلية
رغم النجاحات، ما زالت التحديات تتطلب حلولًا جذرية:
- ندرة المياه: تستدعي تعميم نظم الري الحديث ومعالجة المياه.
- التغيرات المناخية: تتطلب تطوير أصناف مقاومة للحرارة والملوحة.
- التسويق واللوجستيات: تحسين الربط بين مناطق الإنتاج والأسواق.
من هنا نجد أن الأمن الغذائي مفهوم ذات تأثير على توفير حاجة الدولة المصرية من احتياجاتها الغذائية المتعددة في ظل ظروف صعبة تخرج عن قدرتها في ظل نمو سكاني متزايد وتغيرات مناخية وتعطل سلاسل الإمداد الدولية نتيجة المتغيرات العالمية للحروب والصرعات وقد أثبتت الدولة المصرية التزامها بتحقيق الأمن الغذائي من خلال رؤية تنموية شاملة ترتكز على:
- التوسع الزراعي الأفقي الذكي.
- تطوير الإنتاج الحيواني والسمكي.
- توطين التكنولوجيا الحديثة.
- تقليل الاعتماد على الخارج.
- استخدام الزراعة الذكية وتحسين السلالات النباتية والحيوانية
- استخدام الميكنة الزراعية وتشجيع العمل التنموي وإنشاء جهاز مستقبل مصر للتنمية المستدامة
- تطوير منظومة الري وتحديثها ومعالجة مياه الصرف
وتُعد مشروعات مثل “مستقبل مصر” داخل “الدلتا الجديدة” نموذجًا تنمويًا متكاملًا، يعكس قدرة الدولة على تحويل التحديات إلى فرص، ويؤسس لمرحلة جديدة من الاستقلال الغذائي والتنمية المستدامة.
المراجع
- وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي (2024).
- الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (2023).
- منظمة الأغذية والزراعة FAO – تقارير 2022–2023.
- المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية.
- رئاسة مجلس الوزراء – مشروعات التوسع الزراعي.