بحوث ومنظماتبيزنستقاريرخدماتيزراعة

د علي إسماعيل يكتب: صناعة الأسمدة المعدنية ودعم الإنتاج الزراعي 

استاذ ادارة الاراضي والمياه بمركز البحوث الزراعية… مصر

في ظل تنامي التحديات العالمية المرتبطة بالأمن الغذائي والتغيرات المناخية والضغوط على الموارد الطبيعية، تبرز صناعة الأسمدة المعدنية في مصر كإحدى الركائز الجوهرية لتعزيز الإنتاج الزراعي وتحقيق الاستدامة. وتُعد هذه الصناعة من أهم دعائم التنمية، ليس فقط على مستوى تغذية النبات وزيادة المحصول، بل أيضًا كأداة لدعم الاقتصاد القومي عبر التصدير وتحسين ميزان المدفوعات.

إن صناعة الأسمدة في مصر ليست فقط صناعة تحويلية، بل هي صناعة استراتيجية ترتبط مباشرة بمستقبل الغذاء والزراعة في البلاد. ومع ما تمتلكه مصر من موارد خام، وموقع جغرافي، وقدرات صناعية وبحثية، فإنها مرشحة لأن تكون منصة إقليمية لتصدير الأسمدة والتقنيات الزراعية إلى إفريقيا والشرق الأوسط.

ولتحقيق ذلك، لا بد من تكامل السياسات الصناعية والزراعية والبيئية، وتشجيع الابتكار، ودعم الاستخدام الرشيد للأسمدة، بما يضمن زراعة مستدامة، ذات إنتاجية عالية، بما يتيح اقتصاد زراعي قوي ومتنوع

وتعد صناعة الأسمدة المعدنية ركيزة تطوير الإنتاج الزراعي وأساس الاستدامة الزراعية فالأسمدة المعدنية حجر الزاوية في تحقيق الأمن الغذائي العالمي، فهي تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الإنتاجية الزراعية وتلبية الاحتياجات المتزايدة لسكان الكوكب. لا يقتصر تأثيرها على زيادة الغلة فحسب، بل يمتد ليشمل دعم أسس الاستدامة الزراعية، مما يضمن توافر الغذاء للأجيال القادمة دون استنزاف الموارد الطبيعية.

وتُعرف الأسمدة المعدنية بأنها مواد تحتوي على عناصر غذائية أساسية تحتاجها النباتات للنمو الصحي والإنتاج الوفير. تشمل هذه العناصر الكبرى مثل النيتروجين (N)، الفوسفور (P)، والبوتاسيوم (K)، بالإضافة إلى العناصر الصغرى مثل الحديد (Fe)، الزنك (Zn)، والمنغنيز (Mn). تُعد هذه العناصر بمثابة وقود للمحاصيل، بخلاف العناصر الهوائية كالاكسجين والكربون  وبعض العناصر النادرة وهي ذات احتياجات بسيطة ودقيقة ولكنها هامة لاستكمال العمليات الحيوية للنبات حيث تساهم في:

زيادة الغلة:  توفر الأسمدة المعدنية العناصر الغذائية اللازمة لنمو النباتات بشكل سليم وقوي، مما يؤدي إلى زيادة كبيرة في كمية وجودة المحاصيل المنتجة. هذا أمر بالغ الأهمية في مواجهة تحديات تزايد السكان وتقلص الأراضي الصالحة للزراعة.

تحسين جودة المحاصيل:  لا تقتصر فوائد الأسمدة على الكمية، بل تمتد لتشمل تحسين الخصائص الغذائية للمحاصيل، مثل زيادة محتوى البروتين والفيتامينات والمعادن، مما ينعكس إيجابًا على صحة الإنسان والحيوان.

تعزيز مقاومة النباتات : تساعد العناصر الغذائية المتوفرة في الأسمدة على بناء نباتات أقوى وأكثر مقاومة للآفات والأمراض والظروف البيئية القاسية مثل الجفاف والملوحة.

استغلال الأراضي بشكل أمثل:  تمكن الأسمدة المزارعين من تحقيق أقصى استفادة من مساحات الأراضي المتاحة، حتى تلك التي قد تكون ذات خصوبة منخفضة، مما يقلل من الحاجة إلى التوسع في الأراضي الزراعية على حساب الغابات والنظم البيئية الأخرى.

الأسمدة المعدنية والاستدامة الزراعية:

ان وجود الاسمدة المعدنية بصورها المختلفة هي تمثل توازن دقيق  للنباتات النامية بينما تُعد الأسمدة المعدنية ضرورية لزيادة الإنتاج الزراعي، فإن استخدامها يتطلب منهجًا مسؤولًا لتحقيق الاستدامة. يمكن أن يسهم الاستخدام غير الرشيد في تحديات بيئية مثل تلوث المياه والتربة وانبعاثات الغازات الدفيئة. لذا، فإن العلاقة بين صناعة الأسمدة والاستدامة الزراعية تكمن في:

  • كفاءة الاستخدام: يُعد الاستخدام الدقيق والمستهدف للأسمدة (Fertilizer Use Efficiency) حجر الزاوية في الاستدامة. يتضمن ذلك تحديد الاحتياجات الفعلية للنباتات والتربة من خلال التحاليل المخبرية، وتطبيق الكميات المناسبة في الوقت المناسب وبالطريقة الصحيحة. يقلل هذا النهج من الهدر وفقدان المغذيات إلى البيئة.
  • تطوير أسمدة صديقة للبيئة: تسعى الصناعة جاهدة لتطوير أجيال جديدة من الأسمدة ذات الكفاءة العالية، مثل الأسمدة بطيئة الإطلاق والأسمدة المُغطاة، التي تقلل من فقدان النيتروجين والفوسفور وتوفر العناصر الغذائية للنبات تدريجيًا. كما يتم التركيز على تقليل البصمة الكربونية لعمليات الإنتاج.
  • دمج الممارسات الزراعية المستدامة: يجب أن يتكامل استخدام الأسمدة المعدنية مع مجموعة من الممارسات الزراعية المستدامة، مثل تناوب المحاصيل، والزراعة بدون حرث، واستخدام الأسمدة العضوية، وإدارة المياه بكفاءة. هذه الممارسات تعمل على تحسين صحة التربة وتقليل الاعتماد الكلي على الأسمدة الكيميائية.
  • الابتكار والبحث والتطوير: تستثمر صناعة الأسمدة في البحث والتطوير لإيجاد حلول مبتكرة لزيادة كفاءة الأسمدة وتقليل آثارها البيئية. يشمل ذلك تطوير تقنيات الزراعة الدقيقة (Precision Agriculture) التي تستخدم البيانات والتكنولوجيا لتطبيق الأسمدة بدقة متناهية.

التحديات والآفاق المستقبلية

على الرغم من الدور الحيوي لصناعة الأسمدة، تواجه تحديات مثل تقلب أسعار المواد الخام، والضغط من أجل تقليل البصمة البيئية، وضرورة التكيف مع تغير المناخ. ومع ذلك، فإن الآفاق المستقبلية واعدة، حيث يتجه التركيز نحو:  الأسمدة الحيوية (Biofertilizers): استخدام الكائنات الدقيقة لتعزيز خصوبة التربة وتوافر المغذيات للنباتات، مما يقلل من الحاجة إلى الأسمدة المعدنية التقليدية.  وإعادة تدوير المغذيات: تطوير تقنيات لاستعادة المغذيات من النفايات العضوية ومياه الصرف الصحي لإعادة استخدامها كأسمدة. وان الزراعة الرقمية تهتم ب دمج الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات وأجهزة الاستشعار لتحسين إدارة الأسمدة وتحقيق أقصى قدر من الكفاءة.

انواع الاسمدة ومصادرها وانتاجها في مصر

أولًا: الأسمدة النيتروجينية – محرك النمو والإنتاجية

الأسمدة النيتروجينية مثل اليوريا ونترات الأمونيوم هي الأكثر استخدامًا في الزراعة، نظرًا لدورها الفعال في نمو المجموع الخضري وتحفيز إنتاج البروتينات. وتُستخدم على نطاق واسع في زراعة القمح والذرة والأرز وقصب السكر.  ويبلغ  إنتاج مصر السنوي: 7.5 مليون طن متري
– أهم المصانع: أبوقير للأسمدة، موبكو، حلوان للأسمدة   – المصرية-النصر للكيماويات  ..

والتصدير يمثل اهم الأهداف الاستراتيجية لصناعة الاسمده و: تشكل صادرات اليوريا أحد المصادر المهمة للدخل القومي، وتُستخدم لدعم ميزان المدفوعات.

ثانيًا: الأسمدة الفوسفاتية – استثمار موارد طبيعية واعدة

تُنتج الأسمدة الفوسفاتية من خامات الفوسفات الوفيرة في مصر، وتُستخدم في تقوية الجذور وتحسين الإزهار والثمار، وتُعد ضرورية في محاصيل الخضر والفواكه.
-إنتاج مصر السنوي: 2.8 مليون طن متري
-أهم مناطق الإنتاج: قنا، الوادي الجديد، إدفو
-اهم المصانع أبوزعبل للأسمدة الفوسفاتية الكيماوية مجمع العين السخنه للشركة الوطنية.. الشركات الكبرى: فوسفات مصر، إيفرجرو، النصر للتعدين
– التصدير: مصر من كبار المصدرين للأسمدة الفوسفاتية إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية.

ثالثًا: الأسمدة البوتاسية – دعم الجودة ومقاومة الإجهاد

تُستخدم لتحسين جودة الثمار، وتقوية النباتات في مواجهة الجفاف والحرارة. وتُعد مصر مستوردة في الغالب لهذه الأسمدة بسبب محدودية خام البوتاسيوم محليًا.
– أهم المنتجات: سلفات البوتاسيوم، كلوريد البوتاسيوم
– فرص الاستثمار: استخراج البوتاسيوم من منخفض القطارة والبحر الميت المصري.

رابعًا: الأسمدة المركبة والمخلوطة – التسميد المتوازن

تُعد هذه الأسمدة حلًا ذكيًا لتوفير تغذية متكاملة للنبات من النيتروجين والفسفور والبوتاسيوم (NPK) بنسب محددة.
– الأسمدة المركبة: تحتوي على أكثر من عنصر غذائي في مركب واحد.
– الأسمدة المخلوطة: يتم تجهيزها محليًا بنسب حسب احتياجات المحاصيل والتربة.
– الاستعمال: شائع في الزراعات التصديرية والزراعة في الأراضي الجديدة.
– الإنتاج: تُنتجها مصانع وطنية مثل إيفرجرو وشركات التوزيع الحكومية والخاصة.

خامسًا: الأسمدة الحيوية – نحو الزراعة النظيفة والمستدامة

الأسمدة الحيوية تُعتبر بديلًا صديقًا للبيئة، وتُستخدم في الزراعة العضوية والمستدامة، حيث تسهم في تحسين خصوبة التربة وتقليل استخدام الأسمدة الكيميائية.
– الجهات المنتجة: المعمل المركزي للمخصبات الحيوية، المعامل التابعة لمركز البحوث الزراعية.
– الأنواع: مثبتات نيتروجين، ميسرات فوسفور، منظمات نمو.
– الدور: تعزيز كفاءة الامتصاص، رفع الإنتاجية، وتقليل التلوث.

سادسًا: الإنتاج العالمي وحصة مصر في سوق الأسمدة

– الإنتاج العالمي للأسمدة المعدنية: يفوق 200 مليون طن سنويًا.
– مصر: تُعد مركزًا صناعيًا إقليميًا، حيث تنتج سنويًا أكثر من7.5 مليون طن نيتروجينية  و
2.8 مليون طن فوسفاتية    بالإضافة إلى كميات متزايدة من الأسمدة المركبة والحيوية.
– الصادرات المصرية: بلغت نحو 6 ملايين طن في 2024، بعوائد تتجاوز 2.5 مليار دولار.

التحديات والفرص في قطاع الأسمدة

أبرز التحديات:   
ارتفاع تكلفة الطاقة والغاز – ضعف كفاءة منظومة التوزيع والإرشاد-  – الإفراط في استخدام النيتروجين دون توازن غذائي –   – تلوث المياه الجوفية بسبب الاستخدام المفرط.

الفرص المتاحة: – توسع إنتاج المخصبات الحيوية –  – تعميق التصنيع المحلي للأسمدة المركبة.
– فتح أسواق تصديرية جديدة في إفريقيا وآسيا –    توظيف الطاقة الشمسية في تشغيل مصانع الأسمدة.

 السياسات المقترحة لتعزيز الدور الاستراتيجي للأسمدة

على المستوى الوطني  تحديث خرائط التسميد وربطها بالتحول الرقمي الزراعي – – تطوير برامج الإرشاد الميداني الذكي  – تحفيز التحول إلى التسميد الحيوي والمستدام.
على المستوى الصناعي   دعم إنشاء مصانع جديدة للأسمدة البوتاسية  – تطوير الشراكة بين المصانع ومراكز البحث العلمي – التوسع في الأسمدة الذكية منخفضة الأثر البيئي.
على المستوى البيئي   الرقابة على الاستخدام المفرط للأسمدة النيتروجينية –  دمج مبادئ الزراعة النظيفة في السياسات الزراعية الوطنية – تشجيع الزراعة العضوية التصديرية المرتبطة بالأسواق العالمية.

و من هنا تُعد صناعة الأسمدة المعدنية شريكًا لا غنى عنه في رحلة تحقيق الأمن الغذائي العالمي. من خلال الاستخدام المسؤول، والابتكار المستمر، والدمج مع الممارسات الزراعية المستدامة، يمكن لهذه الصناعة أن تستمر في دعم تطوير الإنتاج الزراعي مع الحفاظ على البيئة، مما يضمن مستقبلًا زراعيًا مزدهرًا ومستدامًا للأجيال القادمة.

صناعة الأسمدة في مصر ليست فقط صناعة تحويلية، بل هي صناعة استراتيجية ترتبط مباشرة بمستقبل الغذاء والزراعة في البلاد. ومع ما تمتلكه مصر من موارد خام، وموقع جغرافي، وقدرات صناعية وبحثية، فإنها مرشحة لأن تكون منصة إقليمية لتصدير الأسمدة والتقنيات الزراعية إلى إفريقيا والشرق الأوسط.

ولتحقيق ذلك، لا بد من تكامل السياسات الصناعية والزراعية والبيئية، وتشجيع الابتكار، ودعم الاستخدام الرشيد للأسمدة، بما يضمن زراعة مستدامة و إنتاجية عالية، واقتصاد زراعي قوي ومتنوع وصادرات استراتيجية تدعم ميزان المدفوعات .

 

زر الذهاب إلى الأعلى