د علي إسماعيل يكتب: الصادرات الزراعية الطريق إلي التنمية الاقتصادية

أستاذ إدارة الأراضي والمياه، مركز البحوث الزراعية، مصر
يعتبر ملف الصادرات الزراعية، بشقيها الطازج والمصنع، ركيزة أساسية لتعزيز الدخل القومي من العملات الصعبة وتحقيق التنمية الاقتصادية المستدامة في مصر. فمع ما تتمتع به مصر من موارد طبيعية وفيرة ومناخ متنوع، يمكن للقطاع الزراعي أن يلعب دورًا محوريًا في زيادة احتياطي النقد الأجنبي، مع خلق فرص عمل، وتحسين مستوى معيشة المواطنين.
في ظل التوجيهات الرئاسية والدعم الحكومي المتواصل لتحقيق الأمن الغذائي وزيادة موارد الدولة من العملة الصعبة، تمضي الدولة المصرية قدمًا في تنفيذ استراتيجية شاملة لتنمية الصادرات الزراعية، بما يعكس نجاح السياسات الزراعية والاقتصادية المتكاملة التي تتبناها القيادة السياسية.
وقد أثمرت هذه الجهود عن قفزة غير مسبوقة في حجم وقيمة الصادرات الزراعية، التي تجاوزت 7.5 مليون طن بقيمة تقترب من 10 مليارات دولار، ما يعكس الثقة الدولية في جودة المنتج الزراعي المصري، ويؤكد نجاح الدولة في فتح أسواق جديدة وتعزيز مكانتها في الأسواق العالمية، خاصة في ظل الالتزام الصارم بالمعايير الدولية المتعلقة بالسلامة والجودة.
ويمثل هذا الإنجاز ركيزة أساسية ضمن رؤية مصر 2030 لتحقيق تنمية زراعية مستدامة، وتفعيل دور القطاع الزراعي كمصدر رئيسي للدخل القومي، وداعم رئيسي لمكانة مصر في سلاسل التوريد الغذائية العالمية.
الأهمية الاقتصادية للصادرات الزراعية
تساهم الصادرات الزراعية بشكل مباشر في توفير العملة الصعبة اللازمة لاستيراد السلع الأساسية والمواد الخام، مما يخفف الضغط على الموازنة العامة للدولة ويدعم استقرار سعر الصرف. كما أن تنمية هذا القطاع تساهم في تعزيز القيمة المضافة للمنتجات الزراعية بدلاً من الاقتصار على تصدير المواد الخام، وذلك من خلال عمليات التصنيع الزراعي التي تحول المنتجات الطازجة إلى سلع ذات قيمة أعلى مثل العصائر، المجمدات، الخضروات والفواكه المجففة، والمربات. هذا التحول لا يزيد فقط من عوائد التصدير، بل يسهم أيضًا في تطوير الصناعات المحلية وخلق المزيد من فرص العمل.
أهم العوامل التي ساهمت في النمو:
- نجاح منظومة التكويد والرقابة على المزارع التصديرية.
- تطوير نظم الفحص والتحليل بمراكز وزارة الزراعة (مثل المعمل المركزي لمتبقيات المبيدات ومعامل مركز البحوث الزراعية المختلفة ).
- اعتماد أسواق جديدة وتوسيع قاعدة الدول المستوردة.
إن الدعم الحكومي والتوسع في الزراعة التصديرية وهناك أفكارًا تدعم ملف الصادرات الزراعية وان هذه النقاط الحيوية تعتبر من الاهمية لتعزيز القدرة التنافسية والنمو المستدام للقطاع الزراعي المصري. دعنا نتناول كل نقطة بتفصيل ونربطها بملف الصادرات:
تأثير زيادة الرقعة الزراعية على الصادرات
تعد زيادة الرقعة الزراعية حجر الزاوية في تنمية الصادرات الزراعية. فكلما زادت المساحات المزروعة، زاد حجم الإنتاج، مما يتيح وفرة أكبر للتصدير. لكن الأمر لا يتعلق بالكمية فقط، بل بالجودة أيضًا. يجب أن تركز التوسعات الزراعية الجديدة على المحاصيل ذات الطلب التصديري العالي، مع الأخذ في الاعتبار:
المحاصيل الاستراتيجية للتصدير: تحديد وتوسيع زراعة المحاصيل التي تتمتع بميزة تنافسية في الأسواق العالمية، مثل الفواكه والخضراوات الطازجة، النباتات الطبية والعطرية مع الاهتمام بزهور القطف وعجائن الزهور.
تطبيق التقنيات الحديثة: استخدام أنظمة الري الحديثة والزراعة الذكية لزيادة الإنتاجية وتقليل الفاقد في المساحات الجديدة، مما يعظم العائد التصديري من كل فدان.
التوزيع الجغرافي: التخطيط لزيادة الرقعة الزراعية في مناطق توفر البنية التحتية اللازمة للتصدير (طرق، موانئ، مطارات) أو يمكن تطويرها بسهولة.
الزراعة العضوية والأسمدة الحيوية:
ميزة تنافسية للتصدير التحول نحو الزراعة العضوية والاسمدة الحيوية لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة لزيادة قيمة الصادرات الزراعية.في الأسواق العالمية، خاصة في أوروبا وأمريكا الشمالية، والتي لديها طلب متزايد على المنتجات العضوية التي تحقق أسعارًا أعلى.
زيادة القيمة المضافة:
المنتجات العضوية تباع بأسعار أعلى بكثير من المنتجات التقليدية، مما يرفع من قيمة إجمالي الصادرات.
الامتثال للمعايير الدولية:
تساعد الزراعة العضوية في الالتزام بالمعايير الصحية والبيئية الصارمة للمستوردين، مما يسهل اختراق أسواق جديدة ويقلل من عوائق التجارة.
تحسين سمعة المنتج المصري:
تعزيز صورة مصر كمنتج زراعي مستدام وصديق للبيئة، مما يجذب مشترين جدد ويزيد الولاء للمنتجات المصرية.
الاسمدة الحيوية:
استخدامها يقلل الاعتماد على الكيماويات، مما يقلل تكاليف الإنتاج ويجعل المنتجات أكثر قبولًا في الأسواق التي تشترط استخدامًا محدودًا للمواد الكيميائية.
التشريعات الزراعية والقوانين المنظمة
لا يمكن تحقيق نهضة في الصادرات الزراعية دون وجود إطار تشريعي وقانوني داعم وفعال. تلعب التشريعات الزراعية والقوانين المنظمة دورًا حاسمًا في:
ضمان جودة المنتج وسلامته:
وضع قوانين صارمة للتحكم في جودة وسلامة المنتجات الزراعية المصدرة لضمان مطابقتها للمواصفات الدولية وتجنب الرفض في موانئ الوصول.
تسهيل الإجراءات التصديرية:
تبسيط الإجراءات البيروقراطية وتقليل الوثائق المطلوبة للتصدير، مما يوفر الوقت والجهد على المصدرين ويزيد من قدرتهم التنافسية.
حماية حقوق المصدرين والمستوردين:
سن قوانين تحمي حقوق جميع الأطراف وتوفر بيئة أعمال مستقرة وجذابة للاستثمار في القطاع الزراعي التصديري.
دعم الابتكار والبحث العلمي:
تشجيع القوانين التي تدعم البحث العلمي في مجالات التقاوي المحسنة، ومكافحة الآفات بطرق مستدامة، وتقنيات ما بعد الحصاد لزيادة العمر الافتراضي للمحاصيل المصدرة
مقترحات تنفيذية وسياسات داعمة
لتحقيق أقصى استفادة من الإمكانات التصديرية للقطاع الزراعي، يتطلب الأمر تبني حزمة متكاملة من المقترحات التنفيذية والسياسات الاقتصادية والمالية، نذكر منها:
- تطوير البنية التحتية اللوجستية: يتضمن ذلك تحديث وتوسيع الموانئ والمطارات، وإنشاء مراكز تجميع وتعبئة حديثة مزودة بتقنيات التبريد والتجميد، وتطوير شبكات الطرق لضمان سرعة وفعالية نقل المنتجات الزراعية الطازجة والمصنعة.
- يجب الاهتمام بإنشاء وتطوير سلاسل الإمداد المبردة لضمان جودة المنتجات الطازجة عند وصولها للأسواق العالمية.
- التركيز على الجودة والمعايير الدولية : يجب على المنتجين والمصدرين المصريين الالتزام بأعلى معايير الجودة والسلامة الغذائية الدولية (مثل GlobalGAP و ISO 22000) لضمان قبول المنتجات المصرية في الأسواق العالمية التي تفرض شروطًا صارمة. يتطلب ذلك برامج تدريب ودعم فني للمزارعين والمصنعين لرفع مستوى جودة منتجاتهم.
- تشجيع التصنيع الزراعي وتقديم حوافز: لا بد من تقديم حوافز مالية وضريبية للشركات التي تستثمر في التصنيع الزراعي، مع تسهيل إجراءات التراخيص وتوفير الأراضي اللازمة بأسعار تفضيلية. يمكن أن تشمل الحوافز الإعفاءات الضريبية على الأرباح المعاد استثمارها في تحديث خطوط الإنتاج أو التوسع في التصنيع.
- تنويع الأسواق المستهدفة وفتح أسواق جديدة: يجب ألا يقتصر التركيز على الأسواق التقليدية، بل يجب بذل جهود مكثفة لاختراق أسواق جديدة واعدة في آسيا، أفريقيا، وأمريكا اللاتينية. يتطلب ذلك دراسات متعمقة لهذه الأسواق لفهم احتياجاتها وتفضيلاتها، والمشاركة الفعالة في المعارض والمؤتمرات الدولية للترويج للمنتجات المصرية. يمكن للحملات الترويجية الموجهة أن تلعب دورًا كبيرًا في بناء صورة إيجابية للمنتج الزراعي المصري.
- تقديم الدعم المالي والتسويقي للمصدرين: توفير خطوط ائتمان ميسرة بفائدة منخفضة للمصدرين، وتقديم دعم لشركات التأمين على الصادرات لتقليل المخاطر التي قد تواجههم. كما يجب تفعيل دور هيئات تنمية الصادرات في تقديم المعلومات التسويقية والدراسات البحثية عن الأسواق المستهدفة، والمساعدة في بناء القدرات التصديرية للشركات الصغيرة والمتوسطة.
- البحث العلمي والتطوير: يجب توجيه البحث العلمي الزراعي نحو تطوير أصناف جديدة ذات إنتاجية عالية وجودة تصديرية ممتازة، ومقاومة للأمراض والظروف المناخية المتغيرة. كما يجب التركيز على تطوير تقنيات ما بعد الحصاد التي تضمن الحفاظ على جودة المنتجات لأطول فترة ممكنة.
- تفعيل دور الاتفاقيات التجارية: الاستفادة القصوى من الاتفاقيات التجارية الثنائية والمتعددة الأطراف التي أبرمتها مصر، وتذليل أي عقبات قد تواجه المنتجات المصرية لدخول هذه الأسواق. يمكن أن يشمل ذلك التفاوض لإزالة الحواجز غير الجمركية.
أهم الأفكار والخطط المستقبلية المقترحة
لتحويل هذه الأفكار إلى واقع، يمكن بلورة الخطط المستقبلية في النقاط التالية:
1- برنامج وطني للتحول للزراعة العضوية: إطلاق برنامج حكومي لدعم المزارعين في التحول للزراعة العضوية، يشمل توفير التدريب، الدعم الفني، وربما حوافز مالية أو إعفاءات ضريبية.
2- إنشاء مجمعات زراعية تصديرية متكاملة: تطوير مناطق زراعية متكاملة بالقرب من الموانئ والمطارات، تضم حقولًا زراعية، محطات تعبئة وتغليف، وحدات للتبريد، ومختبرات فحص الجودة لتسريع عمليات التصدير.
3- تحديث البنية التحتية اللوجستية: الاستثمار في تطوير الطرق، الموانئ، والمطارات لضمان وصول المنتجات الزراعية الطازجة إلى الأسواق العالمية في أقصر وقت وبأفضل حالة.
4- تطوير منظومة الرقابة على الجودة: تحديث وتجهيز المعامل المركزية بأحدث التقنيات لضمان الفحص السريع والدقيق للمنتجات المصدرة ومنح شهادات الجودة المطلوبة عالميًا.
5- برامج لتسويق المنتج الزراعي المصري عالميًا: إطلاق حملات تسويقية دولية للترويج للمنتجات الزراعية المصرية، مع التركيز على الميزة التنافسية للمنتجات العضوية والطازجة.
6- الشراكة مع القطاع الخاص والمستثمرين الأجانب: جذب الاستثمارات في مجال الزراعة التصديرية، والاستفادة من خبرات الشركات العالمية في الإنتاج والتسويق والتوزيع. وان مثل هذه الأفكار تمثل خطوة مهمة نحو صياغة ملف تصديري زراعي قوي ومتكامل لمصر الحبيبة في ظل دعم قخامة السيد الرئيس غبد الفتاح السيسي قائد مسيرة البناء والتنمية علي ارض مصر والذي يولي الملف الزراعي اهمية خاصة منذ ان تولي ادارة الدولة المصرية في ظل متغيرات وازمات دولية معقدة .
في نهاية المقال يمثل القطاع الزراعي المصري كنزًا اقتصاديًا غير مستغل بالكامل. وبتبني رؤية شاملة وتطبيق سياسات داعمة تركز على الجودة، التصنيع، وتنوع الأسواق، يمكن للصادرات الزراعية أن تكون قاطرة حقيقية للتنمية الاقتصادية، وتساهم بفاعلية في زيادة الدخل القومي من العملات الصعبة، وتحقيق مستقبل أفضل لمصر . .
.